شهادة طالبة جامعية في ظل الحرب على غزة

في 17 أكتوبر 23، تم نشر معروضة power point من قِبل طلاب من معهد التخنيون ينتمون لمجموعة يهودية يمينية معروفة بملاحقتها للطلاب العرب، تضم اسماء طلاب عرب بجانب منشورات كانوا قد نشروها على خلفية الحرب القائمة أو حتّى أخبار قد تم وضع إشارة اعجاب (لايك) عليها.. كُنت أنا من بينهم، تَملّكني قلقٌ رهيب، فالمعروضة تحتوي على اسمي كاملا مع الكليّة الي أنتمي إليها في المعهد، وقد بدأت التحريضات ضد الطلاب العرب عامّةً وضدي أنا ومن معي في المعروضة خاصّةً. 

كان قلقي في البداية من ردّة فعل "التخنيون" على مثل هذا الأمر فأنا في خضم مساري الأكاديمي، ولم أكن أتوقّع أن تتفاقم الأمور لتصل الى السجن!!

بعد مرور أسبوعين تقريبًا على نشر المعروضة، وصلتني رسالة عبر البريد الإلكتروني من معهد "التخنيون" تطالبني بالتعقيب على ما نُشر في المعروضة خلال 24 ساعة؛ عندها قمت بالتواصل مع مركز عدالة الحقوقي لمرافقتي ومساندتي، وبعد ارسال الرد ببضعة أيام قاموا بتعيين تاريخ لجلسة لجنة الطاعة.

كنت قد سمعت عن حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها الشرطة الاسرائيلية على المواطنين العرب والتي طالت بعض الطالبات من اللواتي تم نشر أسمائهم في المعروضة، فعاد شعور القلق مضاعفًا خاصّة بعد خبر اعتقال صديقتي التي لا تزال موقوفة حتى الآن؛ لذا، لم أُفاجئ عندما رأيت سيارات الشرطة عبر نافذة منزلي، بل شعرتُ بنوعٍ من الراحة، فها أنا الآن أواجه ذلك الخوف الذي رافقني قُرابة اسبوع مصاحبًا إيّاه الأرق وانعدام الشهيّة، فقد كنت أتوقع في كل يوم اعتقالي.. حقًا الخوف والتوتر من المجهول أصعب من المواجهة.

فتحتُ لهم الباب بنفسي، وبعد التأكد من اسمي ومشاركتي بالتُهم الموجّهة إليّ، قاموا بتكبيل يديّ الى الخلف، وتكبيل رجليّ ومن ثمّ اقتادوني الى سيارة الشرطة. حينها بدأ العنف الكلامي المهين ضدي ولم يتوقف حتى بعد وصولي الى مركز الشرطة، وهناك قام أحد الشرطيين بتعصيب عينيّ بقطعة قماش وأجبروني على الجلوس على ركبتيّ، وبعدها أمروني بالجلوس على كرسي بجانب وعاء قمامة ذي رائحة كريهة جدًا.. كل ذلك ولم يبدأ التحقّيق معي بعد! كانت معاملة وحشية للغاية لكنني حافظت على رباطة جأشي عن طريق ترديد بعض الآيات القرآنية وتذكير نفسي بأنني لستُ مذنبة. 

كان واضحًا لي أن أهداف الاعتقال كانت لإذلالي وتخويفي وترهيبي، وبالفعل هذا ما تجسد في سيرورة الاعتقال تماما.

بقيت معصوبة العينين حتى وصلت محاميتي، وبعد استشارتها دخلت إلى التحقيق، وبعد الانتهاء منه اخذوني الى غرفة اخرى لتصويري وأخذ بصماتي ومن ثمّ نقلت الى السجن. عصبوا عينيّ مرّة اخرى، ونقلوني الى السجن لأُعرض في اليوم التالي على محكمة الصلح. في المعتقل، خُضعت لتفتيش مهين، ومن بعد انهاء الاجراءات اقتادتني إحدى الشرطيات إلى الزنزانة، حيث كنتُ أول من يصل في تلك الليلة، مكثتُ ما يقارب ٤ ساعات لوحدي ومن ثمّ امتلئ المعتقل بثلاث أخريات من بينهنّ طفلة في الخامسة عشر من عمرها التي كانت منهارة تجهش بالبكاء من وحشية اعتقالها، بحسب ما فهمت منها. 

أمّا عن الوقت الذي قضيته بالمعتقل، فالوقت كان يسير ببطء شديد. لم تكن بحوزتنا كتب، ولم يكن هناك أي أجهزة الكترونية مثل الراديو أو التلفاز لتمرير الوقت.. فما كان أمامي سوى الصلاة والدعاء وترقّب الفرج...

يشار أيضًا، إلى أنهم كانوا يأخذون فرشات النوم في السابعة صباحًا ويعيدونها في السابعة مساءً كنوع من أنواع العقاب، بل قامت المسؤولة في المكان بأمر منع ادخال قناني الماء الى المعتقل كذلك.

تجدر الإشارة الى أنه أثناء الاعتقال قامت الشرطة بمداهمة منزلي في الساعة 12 ليلا، حيث قاموا بتفتيش المنزل، ولم يتركوا شيئا على حاله، وصادروا حاسوبي وأغراض أخرى؛ وقاموا ايضا باستدعاء والدي للتحقيق معه. 

قامت المحكمة بالموافقة على طلب الادّعاء بتمديد اعتقالي مرتين، وفي المرة الثانية وبعد أن قدّمت محامية الدفاع طلب استئناف في المحكمة المركزيّة، تمّ تسريحي من السجن بعد مرور 5 أيام على الاعتقال، واستبداله بحبس منزلي مقرون بشروط مقيدة كعدم استعمال الأجهزة الالكترونية.

لم تنته القضيّة هنا، فبعد تسريحي، تم استدعائي مرتين للتحقيق، واستمرت جلسات المحاكم والمطالبات بتمديد الشروط المقيدة، وكانت المحكمة توافق دائما على طلب النيابة العامة. وبعد أسبوعين من تسريحي ومن مكوثي في الحبس المنزلي، وفي جلسة المحكمة العاشرة التي حضرتها، تم تقديم لائحة اتهام بحقّي تتطرّق الى المنشور الذي قمت بنشره لمجموعة محدودة من الأشخاص لمدة ما يقارب 3 ساعات فقط، مع طلب تمديد الحبس المنزلي مرة اخرى، وها أنا حتى هذه اللحظة وبعد استمرار الحبس المنزلي لعدة أسابيع أنتظر بقلق وتوتر النتيجة وما زلت على موعد للمثول أمام لجنة الطاعة في معهد "التخنيون" الذي ستنظر في مسألة متابعة تعليمي الأكاديمي في المعهد.


 ملاحظة: اسم الطالبة محفوظ لدى إدارة المنصة.

شاركونا رأيكن.م