صفر "لايك" من الداخل على "تك توك"

منذ أيار 2021 بدأ دور أصحاب الأرقام والمتابعين في منصّات التواصل بالتعاظم نظرًا لما نجحوا بإنجازه مع ضخّهِم لمعلومات وصور وحوارات توثق ما ترتكبه إسرائيل خلال هبة أيار في مختلف أنحاء فلسطين، حينها تم رفع صوت القضية الفلسطينية عالميًا بشكل بارز على الطاولة ولا يمكن إغفال دور النشطاء في تحقيق ذلك افتراضيًا والكترونيًا.

بعد انتهاء "هبّة الكرامة 2021" شعر الكثير من هؤلاء بأهمية دورهم وقدرتهم الحقيقية على التأثير في حال قرروا دعم قضية إنسانية مُستحقّة خاصة وأن التعاون خلال الهبة كان بارزًا بين صناع محتوى ونشطاء من العالم العربي ومراسلين من غزة وأصحاب أرقام وصحافيين من الداخل، فقد ساهمت الحوارات بين الأطياف المختلفة بكشف الكثير من التجارب التي كان يجهلها سكان العالم العربي ومن بقوا في أراضيهم إبان النكبة مثلاً وهو ما ساهم برفع الوعي تجاه المجتمع الفلسطيني الصامد على أرضه في حيفا ويافا والناصرة، بالإضافة لانكشاف كلّ طيف من الأطياف المتبقيّة على الآخر وهو ما حقق أهدافًا إيجابية صبّت في مصلحة الفلسطيني بمواجهة الآليات الإسرائيلية. لكن الواقع الذي فُرض بعد السابع من أكتوبر كان مختلفًا بعض الشيء، فقد برزت أصوات صناع المحتوى والنشطاء من العالم العربي والعالم أيضًا وحشدوا آلاف الأصوات المناصرة لغزة والمنددة بالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل هناك كما شهد العالم حراكًا ميدانيًا غير مسبوق في عدة عواصم ومدن مركزية في أوروبا وأميركا وغيرها، غير أن بقعة صغيرة على هذا الكوكب خضعت لكاتم الصوت بشكل كامل منذ بدء الحرب سواء كان كتم الصوت في الشارع والعمل والحيز العام أو عبر منصّات التواصل المختلفة. فمنذ السابع من أكتوبر شهدت بلدات الداخل اعتقالات وفرض غرامات وتهديد بالفصل أو الفصل الفعلي من العمل أو الجامعة في حال أُثبت أنك قد "دعمت الإرهاب" (وفقًا للتعريف الإسرائيلي) وبات نشر "ستوري" على تطبيق إنستجرام يجعلك متوترًا، قلقًا ومن الممكن أن تسأل – أكثر من مرة – "ممكن يحبسوني بسببها؟"..

ساهمت السياسات الإسرائيلية في ظل "حالة الطوارئ" بإعادة بناء منظومة "الحكم العسكري" بما يتلاءم مع متطلبات العصر الحالي وباعتقادي أنها ستنجح – في ظل غياب القيادة العربية عن المشهد بشكل كلي تقريبًا – ستنجح بتطوير رقابة ذاتية تجعل الفلسطيني في الجليل والمثلث رقيبًا على ذاته، قامعًا لرأيَه بنفسه دون أيّ حاجة لتشريعات أو عقوبات تفرضها الدولة وتحثه على "الالتصاق بالحيط أكثر فأكثر طلبًا للسّترة" أو منعًا للسجن أو التضييق وهو ما شهده أبناء الداخل بعد هبة أيار قبيل ثلاثة أعوام حيث تكررت الحالات التي تُرك فيها الشبان المعتقلون وحدهم بمواجهة عقوبات تعسفية غير منطقية وغير عادلة وهو ما يعزز ربما الخشية من أن يدفع الإنسان الثمن وحيدًا دون أن يجد من يسانده ويدافع عن حقه بالتعبير عن رأيه دون الحجر عليه غير أن ذلك لم يحدث، وعليه فإن لَجْم الحنجرة وإخراسها بات ضرورة لا خيار.

بعيدًا عن صمت الداخل الفلسطيني، عالميًا.. كان هناك دور فاعل لا يمكن إخفاؤه أو التغاضي عنه لمنصة "تك توك" التي رغم إعلان إدارتها أنها حذفت 900 ألف مقطع فيديو منذ اندلاع الحرب اعتبرتهم مخالفين لسياساتها (لتضمنهم مشاهد عنف) غير أن النشطاء على المنصة قاموا بضخّ المعلومات التي تكشف الجرائم الإسرائيلية بشكل متواصل ليحققوا بذلك تأثيرًا كبيرًا على الرأي العام حول العالم خاصة بين المراهقين الذين يعتبرون الشريحة الأكبر من متابعي التطبيق. على مدار الشهور الأربعة الماضية وحتى لحظة كتابة هذه الكلمات، على سبيل المثال، شارك المستخدمون في الولايات المتحدة على هذه المنصة في وسم "ساند فلسطين" (#standwithpalestine) بنحو 16 ألف مقطع فيديو، وحصد مشاهدات وصلت إلى 46 مليون مشاهدة، بينما شاركوا في وسم "ساند إسرائيل" (#standwithisrael) بنحو 6 آلاف مقطع، وحصد مشاهدات وصلت إلى 45 مليون مشاهدة، بمعنى أن المشاركات في الوسم المساند لفلسطين كانت أكثر من ضِعْف المشاركات في الوسم المساند لإسرائيل.

ضف إلى ذلك أن المعطيات الرسمية تؤكد أن أكبر شريحة من مستخدمي تطبيق "تك توك" هي من الشباب الأمريكي الذي بات يرفض سياسات "ميتا" المناصرة لإسرائيل وبحث عن مصدر آخر يوفر له مصداقية أعلى ومساحة أكبر من الحرية وعليه بات الجيل الذي كنا نسميّه جيل "الآيفون" جيلَ "التك توك"، ليكون جيلاً يحمل أدواته الإعلامية الخاصة به، ينتج الصور والفيديوهات وينشرها للعالم كله ويوثق الأخبار ويساهم بنقلها وهذا يؤكد أن مناصرة القضايا الإنسانية المستحقة ستظل تحمل صوتًا عاليًا ما دامت "حرية بعض منصات التواصل" متوفرة بين أيدي مستخدميها وفي حال تم تقييدها فإنني على يقين أنهم سينجحون بخلق منصة أخرى تلائم تطلعاتهم بلا إملاءات عمالقة التكنولوجيا والدول العظمى.

مصطفى قبلاوي

إعلامي وناشط بارز في شبكات التواصل الاجتماعي

شاركونا رأيكن.م