تصر الحركة الصهيونيّة وإسرائيل ألا تراجع كتب التاريخ، بل مقتنعةً وتحاول إقناع الكون بأن التاريخ قد بدأ مع انطلاقتها، متجاهلًا دروس التاريخ وقصص نضالات الشعوب وانتصاراتها، بل يحاول أيضاً أن يبرهن بقوة النار والسلاح أنه من يصنع الحقائق ويشطب العقائد ويمحو أسماء الفلسطينيين من سجلات البشر.

صاحب "العضلات المفتولة"، لم يقرأ سوى سطر واحد من سير الماضي: بأن التاريخ يكتبه الأقوياء دون أن يعرف أن الضعفاء هم من صنعوا محتوى ذلك التاريخ، ومن ترجمت إراداتهم، وفرضت رغباتهم، وحققت طموحاتهم، حتى وإن غابت رواياتهم إلى حين.

فالصوت الحرّ للحناجر والإرادة معصوم عن الكسر، ومرفوع بالكرامة، ومبني على الأمل، ليبقى أصحابه… أصحاب الوطن، ولكن مع وقف التنفيذ. وعليه فإن مهمة الفلسطيني اليوم لا تكمن في حاجته لتقديم أوراق اعتماد للبشرية بما فيها وثائق تاريخية ومخطوطات وأفلام وأدلة تثبت ارتباطه بالأرض، بل مطلوب من العالم أن يخجل من نفسه بأن سمح لنكبة جديدة تتكشف وقائعها كل يوم مع صياغة هذه الكلمات، أن تستمر في قطاع غزة، والضفة الغربية، ومخيماتها، ومناراتها.

العالم أوقف تنفيذ الحق الفلسطيني بدولة مستقلة إما عن سبق إصرار وترصد، أو صمت مطبق، أو خوف مرتعد سيّد إسرائيل على رقاب البشر، عبر مجموعة من الصهاينة الذين اعتقدوا بأن بالقوة ستحيي إسرائيل.

بالمقابل، أحيانًا يغلبك ملاكمٌ في حال المعيار هو "العضلات" لكنه لن يستطيع أن يهزمك بالعقل والحكمة والهوية. وعليه فإن حكمة اليهود المتنورين الذين هبوا لنصرة فلسطين عبر مشاركتهم في المظاهرات التي امتدت من أقصى الأرض إلى أدناها، والذين أحبطوا أكذوبة الحرب الدينية التي أرادها الاحتلال، هي التي يجب أن تحتل المشهد، لتكون بمثابة محاولة يهودية لتقييم مشروع دولة الاحتلال على أرضية أن البطش والنهب والسلب والمستوطنات وسرقة الأعضاء والماء وخنق مقومات الحياة لن يحقق الأمن لإسرائيل ولن تتحقق الرغبة في أن ينسى الفلسطيني وطنه، أو يستطيع أحد أن يشطبه من ذاكرته. 

الكبار ماتوا نعم، لكن صغارهم باتوا أكثر تجذراً بأرض فلسطين وأكثر جاهزية للاستمرار بنضالهم من أجل حريتها واستقلالها.

وعليه فإن مقولة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض… ووطن بلا شعب لشعب بلا وطن… لن تستديم مهما امتلك الاحتلال الإسرائيلي من مقومات السحق والمحق، فالحقوق أكبر قدرة من الطائرات والصواريخ وصنوف السلاح الذي يقتل الأجساد ويحصد الأرواح ويغتال الحجارة، لكنه يشعل الأفئدة بالصبر والعناد ومواصلة المشوار.

فالفلسطينيون وبخلاف ما تريده حكومة تل أبيب، ليسوا شعباً فائضاً عن الحاجة، أو أنهم أقل آدمية من أحد. الفلسطينيون، باقون كما زعترهم وزيتونهم. فإن حاولتم اقتلاعهم بقوة الريح والنار، عادوا كما عصفور الشمس الفلسطيني، أكثر نضارة وتصميماً وإصراراً، فوطنهم تأخر تحرره، لكنه لن يبق دائماً موقوفاً عن التنفيذ، كل عام ووطننا فلسطين بألف خير ومعها كل الذين أرادوا لهذا الوطن خير الحضور والحبور.


تصوير: معتز عزايزة.

د. صبري صيدم

نائب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح

شاركونا رأيكن.م