مستجدّات الجريمة في الداخل الفلسطينيّ في ظل الحرب على غزّة

يمكن إعتبار عام 2023 نقطة مفصلية في مسيرة المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل، في هذا العام حدثت ثلاثة أمور جوهرية أثرت على الوعي العام ومفهوم المواطنة؛ أولًا، تولي الوزير بن غفير وزارة الأمن القومي. ثانيًا، تضاعف منسوب الجريمة. ثالثًا، الحرب على غزه وتداعياتها على الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل. 

في بداية العام ومع تشكيل الحكومة راهنتُ في تحليلاتي آنذاك، بأن نتنياهو لن يسلم بن غفير حقيبة وزارة الأمن مع صلاحيات حيوية للمجتمع الإسرائيلي، وذلك من خلال متابعتي ومواكبتي لمسيرة نتنياهو السياسية ويقيني بأنه لن يغامر في مواضيع الأمن والاقتصاد، ومع ذلك تولى بن غفير وزارة الأمن القومي، وأحكم قبضته على جهاز الشرطة ومصلحة السجون، وكانت البداية مع إلغاء كل مشروع أو حتى مبادرة لتخفيف وطأة الجريمة بالمجتمع العربي والتي كانت حكومة بينيت- لبيد قد بدأت بها حتى  بدون فحص الجدوى من هذه المشاريع لأنه أصلًا لم يلتفت للرأي المهني في هذا المجال.  

غالبية المهنيين والخبراء العرب في مجال مكافحة العنف والجريمة لم يعولوا على هذه الحكومة، ولكن كانت هناك بعض القيادات السياسية بالمجتمع العربي وبحسن نية حاولوا التعامل مع بن غفير ووزارته ولكن سرعان ما تجلى لهم الأمر بأن أجندة الوزير بعيدة تمامًا عن مصلحة مجتمعنا. الخطة الوحيدة التي بادرت إليها وزارة الأمن القومي بتوجيه الوزير هي محاربة الجريمة الزراعية والتي من منظور المتطرفين هي جريمة واضحة المعالم ضحاياها مزارعين يهود والمجرمون مواطنون عرب، لذلك كنا نقرأ على مدار العام بيانات للشرطة عن إلقاء القبض على سارقي مواشي وأبوكادو وبيض وغيره. رغم إدانتنا الشديدة لكل أنواع السرقات والاعتداء على الممتلكات، ولكن هذه القضية ليست ما يقلق المجتمع العربي.

وهنا نتحول إلى النقطة الثانية، مع كل ما ذكر أعلاه وإهمال الشرطة لموضوع الجريمة بالمجتمع العربي  ومحاولة حصر هذه الافة داخل المدن والقرى العربية والتشديد على عدم انتقالها إلى المدن اليهودية، شهدنا ارتفاع منذ بداية العام في حوادث العنف والتصفيات وترويع الناس حتى أنه في بعض الأشهر شعرنا وكأننا في حرب أهلية حين وصل عدد القتلى إلى ما يقارب ثلاثون ضحية بالشهر، ومع نهاية العام 2023 تجاوز عدد القتلى 240 من المواطنين العرب.

النقطة الثالثة مع بداية شهر أكتوبر واندلاع الحرب شهدنا بشكل فوري تراجع ملحوظ في منسوب الجريمة، لكن هذا الهبوط كان مؤقتا ولم يأت نتيجة خطة حكومية، إنما نتيجة تواجد الشرطة وأجهزة أمنية أخرى بشكل مكثف داخل المجتمع العربي ومحيطه، لأنه كانت هناك تقديرات من قبل أعضاء الحكومة وخصوصا الوزير بن غفير باحتمال حدوث مواجهات بين المواطنين العرب والدولة في أعقاب نشوب الحرب على غرار أحداث أيار 2021.

لذلك في شهر أكتوبر قتلت الشرطة الإسرائيلية خمسة مواطنين عرب (اللد - الرملة - رهط - شفاعمرو) على خلفية عدم انصياعهم لأوامر اعتقال أو عدم التوقف عند حاجز شرطة أو محاولة هروب من مطاردة شرطية، وحتى بعد مرور أكثر من شهر لا أحد يعلم لماذا قتلوا هؤلاء المواطنون وهل فعلا كانت هناك ضرورة لإطلاق نار متعمد واسئلة كثيرة بدون إجابات، لكن الواضح ان كانت هناك سياسة موجهة لردع العرب وتخويفهم.

أكثر من ذلك, فمع اندلاع الحرب اختفت ظواهر سلبية من مجتمعنا كنّا نتمنى التغلب عليها منذ سنوات مثل المتسولين على مفارق الطرق وانخفاض كبير في السرقات والاعتداء على الممتلكات وغيرها، طبعا هذا ناتج عن تواجد أمني كبير حتى في الأماكن الوعرة والغابات المجاورة للقرى والمدن العربية. بالإضافة إلى أننا نعاني من ظاهرة عسكرة الشرطة (over policing)، هذا الوضع أدى إلى انكفاء أعضاء عصابات الاجرام نتيجة الخوف وكما ذكرت سابقا بدون خطة حكومية شاملة لمكافحة الجريمة يمكن أن تشهد السنة القادمة 2024 تصاعدا يفوق حصيلة العام الجاري. 

بعد مرور أكثر من شهر على الحرب بدأنا نلاحظ ارتفاع متجدد في وتيرة الجريمة بالمجتمع العربي وهذا يثبت بأن الهبوط الذي حصل في الشهر الأول من الحرب جاء نتيجة تواجد الأجهزة الأمنية وخشية المجرمين من القبض عليهم أو قتلهم من قبل الشرطة. لكن عند تغيير في انتشار وحدات الشرطة وقوات الأمن وتركيز تواجدها في محاور رئيسية خارج البلدات العربية، عاد المجرمون "لمزاولة عملهم" وفي الوقت نفسهِ الخلافات والصراعات لم تحل.

مع انتهاء العام 2023 والرقم القياسي لعدد القتلى العرب نتيجة العنف والجريمة (أكثر من 240 ضحية) يجب على القيادات العربية المحلية والقطرية أن تقوم بالضغط مستقبلًا من أجل بناء خطة حكومية طويلة الأمد، تشمل الردع بالإضافة إلى برامج تأهيل ورفاه. لا بدّ من التأكيد أنه لغاية اليوم  السلطات المحلية العربية لا تولي الأمر أهمية قصوى لذلك مهم جدًا تخصيص ميزانيات بلدية محلية لمكافحة العنف والجريمة من خلال التوعية والتثقيف.

د. وليد حداد

مختص ومحاضر في علم الإجرام

شاركونا رأيكن.م