مشاهد الحرب المستمرة على غزة: من يدفع الأثمان النفسية؟
تعرض على شاشات الفضائيات وشاشات التواصل الاجتماعي مشاهد وصور مروعة في ظل الحرب الأخيرة، حيث نرى الخراب والدمار والموت أمام أعيننا دون أن تكون لدينا أي قدرة على التأثير على مجرى الأحداث وبالذات ايقافها أو تغيير مسارها. بسبب التعاطف مع ما يحدث للأشخاص المتضررين نجد أنفسنا ننتقل من محطة إخبارية إلى أخرى، أو من شبكة تواصل إلى غيرها، غير واعيين للآثار السلبية التي قد تحدث لنا جراء الانكشاف لهذه المشاهد.
بحسب الطبعة الخامسة من الدليل الأمريكي التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية يُعرَّف اضطراب الاجهاد النفسي اللاحق للصدمة، على أنه تواجد الشخص بحدث الذي تم به إصابة خطيرة/ اغتصاب/ أو تعرض الشخص بنفسه لخطر الموت، أو كان شاهدا بنفسه على شخص قريب من خطر الموت. مما يعني أن الأطفال/ البالغين الذين ينكشفون بشكل مباشر على مشاهد الموت والعنف والدمار قد يطورون ردود فعل التي تدل على وجود ضائقة نفسية عالية والتي قد تُشخَّص كاضطراب الاجهاد النفسي اللاحق للصدمة.
طبعا الأهل في غزة الذين يعيشون كل هذه الأحداث بواقعهم اليومي معرضين بشكل مباشر لخطر الموت وعلى الأغلب جزء ليس بقليل منهم سوف يطورون هذا الاضطراب وسيعانون نفسيا من نوبات الهلع، القلق الدائم والخوف، تذكر ذكريات صعبة وعيش الحدث من جديد، مشاكل وصعوبات بالنوم، فقدان القدرة على التركيز، فقدان القدرة على التمتّع من أي شيء، وحتى المعاناة من نوبات الاكتئاب الحادة.
معظم الأشخاص، يستطيعون التغلب على تأثير الصدمة والعودة لحياتهم الطبيعية بعد عدة أسابيع، أما من يستمر بالمعاناة من العوارض التي تحدثت عنها سابقا بعد ثلاثة شهور فعلى الأغلب قد يعاني لمدى حياته من تلك العوارض بدرجة أو بأخرى. لذلك يتحتم على السلطة تجنيد مهنيين بمجال الصحة النفسية ممن لديهم المعرفة الكافية والتخصص بعلاج الصدمات.
أما إذا عدت للتحدث عن مشاهد الخراب والدمار والموت، سواء كان ذلك عبر وسائل الإعلام أو شبكات التواصل الاجتماعي، وإذا كان من يقرأ هذا المقال ينكشف بشكل مستمر عليها، فعليه أن يعلم أنه بذلك يعرض نفسيته للخطر، إذ يمكن أن يعاني من الضغط النفسي والذي قد يؤدي به إلى اضطرابات نفسية مثل:
الضغط النفسي والقلق: يمكن أن تتسبب رؤية مشاهد مؤلمة في زيادة مستويات الضغط النفسي والقلق.
المعاناة من نوبات الهلع: نوبة الهلع قد تشبه بأعراضها الخارجية النوبة القلبية، فيظن الشخص أن حياته معرضة للخطر. عادة نوبات الهلع تحدث بدون سابق انذار وبدون محفز خارجي قريب، فالعديد من الأشخاص يشعرون بأعراض جسدية صعبة، كنبضات القلب المتسارعة، ألم حاد بالصدر، تعرُّق، والشعور بالاختناق. لكن عند التوجه للفحص الطبي، لا يكون هناك أي تفسير فيزيولوجي للآلام الحادة التي يشعر بها.
المعاناة من اضطراب الصدمة الثانوي والذي قد يظهر بأعراض مشابهة لاضطراب الإجهاد النفسي اللاحق للصدمة (PTSD): مثل الشعور بالاكتئاب، والقلق، والإحساس بالإرهاق الشديد، وفقدان الاهتمام بالأشياء التي كانت تجلب السرور.
المعاناة من الاكتئاب: يمكن أن يسهم التعرض المستمر لمشاهد الدمار في زيادة احتمال الاكتئاب.
تغييرات في النوم والتركيز: قد يتسبب التوتر النفسي في مشاهدة مثل هذه الأحداث في صعوبات في النوم وفقدان التركيز.
للتقليل من الآثار السلبية للتعرض لمشاهد الخراب والدمار والموت، يمكن اتباع بعض الخطوات:
تقليل الفترات الزمنية: حاول تقليل فترات التعرض المستمر لمشاهد الكوارث، وابتعد عن الأخبار المؤثرة في بعض الأحيان.
تحديد حدود الوقت الذي تقضيه على شبكات التواصل الاجتماعية، ووضع حد لمشاهدة المحتوى الصادم.
التفاعل الاجتماعي الإيجابي: ابحث عن دعم اجتماعي إيجابي، وتحدث مع أصدقائك وأحبائك للتخفيف من الشعور بالوحدة.
توجيه الاهتمام لمساعدة الآخرين: قد يكون الانخراط في أعمال تطوع أو مساعدة الآخرين فرصة لتحويل الانتباه من الأحداث السلبية.
العناية بالصحة النفسية: قم بممارسة تقنيات التنفس، تقنيات الاسترخاء والتأمل، والرياضة الجسدية. بالإضافة، حاول ان توجه تفكيرك للأمور الايجابية بحياتك، وتذكر أن تشعر بالامتنان لكل ما هو جيد بحياتك بالرغم من حالة الحرب وأهوالها. تذكر أن الحرب كانت دائما موجودة بأماكن مختلفة، وأن جميع الحروب قد انتهت وهذه الحرب سوف تنتهي قريبا، وللأسف نحن كمواطنين ليس لنا القدرة على التأثير على مجرى الحرب أو وقفها، لكن لنا القدرة على الصلاة لانتهاء الحرب، ولنا القدرة على الحفاظ على تفاؤلنا والفهم أننا كبشر لدينا القدرة على ترميم أنفسنا حتى بعد أشرس الانكسارات. علينا أن نتذكر أيضا أن الشعب الفلسطيني في الداخل وفي قطاع غزة والضفة يملك قوى رهيبة للتعامل مع الانكسارات والتاريخ يثبت ذلك.
التوجه للعلاج النفسي: إذا كانت التأثيرات قوية، فالتوجه للعلاج إجباري وذلك كي يخفف من تأثير الأزمة النفسية.
تذكر\ي أنه من المهم إدراك أن في بعض الأحيان يكون من الضروري التوقف عن مشاهدة الدمار والموت للحفاظ على صحتك النفسية.