نزحنا، ولكن لا أمان هنا
بين ليلةٍ وضحاها أصبحتُ نازحة ومشردة، من يعرف كلمة "نازحة" يعلمُ تمامًا أنها تعني أننا بلا بيت يأوينا ولا فراش يُغطينا، ويدركُ أنه لا وجود للخصوصية ولا للأمان، وفيها تفقد أدنى مقومات الحياة والكرامة. نحن نعيش أيامًا لم نعشها من قبل، فالموت يقترب منا أكثر فأكثر.
أنا (آ)، أبلغ من العمر 40 عامًا من سكان مدينة غزة أقيمُ الآن في مدينة رفح بعد رحلةِ نزوحٍ مدتها شهران تنقلتُ فيها ما بين غزة وخانيونس ورفح، بسبب القصف الإسرائيلي، وتهديد المناطق بالإخلاء، واللجوء إلى رفح. كونها حسب ادعائهم منطقة آمنة، لكني لا أشعر بالأمان ولو لحظةٍ واحدة، فالقصف لازال مستمرًا. عشرات الصواريخ الثقيلة تنهال على البيوت بمن فيها، وأصوات المدفعية لا تتوقف، تُخيفنا ليلًا ونهارًا.
أقضي يومي في إعداد الطعام لأسرتي على نار الحطب التي لجأنا إليها كبديل لغاز الطهي، صدري لا يزال يؤلمني بسبب ما أستنشقهُ من دخانها يوميًا.
رحلة البحث عن الماء وتأمينها أيضًا هي حكايةٌ أخرى، علينا أن ننقلَ الماء كما الجميع، نصطف بطوابير لساعاتٍ أمام آبار المياه ليأتي أخيرًا دورنا. ننقل الماء ونمشي مسافاتٍ طويلة حاملين إياه بين أيدينا، وعلى رؤوسنا، لنستخدمه في غسل ملابسنا والاستحمام.
هذا كله أصبح يُرهقنا، مهمات لم نعتد عليها، هذه الأشياء كانت متوفرة لدينا قبل النزوح، عندما كانت لنا حياة آمنة. نعمل وندرس، ونخرج للتنزه وزيارة الأقارب والأصدقاء. كان لي بيت، تعبت ُكثيراً عند بنائه، كل محتوياته اشتريتها بنفسي، أشياء أطفالي وألعابهم، ذكرياتنا هناك. كلها ذهبت دون عودة، نتيجة تدميره من قبل الاحتلال.
ساعات كثيرة أقضيها في التفكير بما هو آتٍ، هل ستنتهي هذه الحرب؟ هل سننجو منها؟ وإن نجونا كيف سنعود لغزة التي تغيرت ملامحها وشوارعها، هل سأنام في خيمةٍ أنا وكل من دُمرت بيوتهم؟ أسئلة لا أجد لها إجابة، ولا أحد يستطيع الإجابة عليها فما ترتكبه إسرائيل من جرائم بحقنا كنساء وأطفال، يحدث على مسمع وبصر العالم كله!!!
الشهادة من (آ)، 40 عام، سكان مدينة غزة، أرسلت عبر مركز شؤون المرأة- غزة في تاريخ 19.12.2023
تنشر هذه الشهادات بالتعاون مع جمعية السوار، التي تعمل منذ فترة على مشروع لتوثيق شهادات نساء فلسطينيات من غزة.
تصوير: عبد الرحمن زقوت.