معتقلات غزة، التهمة غزيّات!

لم تكتف ماكينة الإبادة الإسرائيلية بنشر مشاهد تظهر معتقلين فلسطينيين يتعرضون لأقسى وسائل التعذيب التي تحط من كرامتهم وإنسانيتهم، بل تجاوزت ذلك وصولًا لاعتقال نساء فلسطينيات من قطاع غزة، لا تهمة لهن سوى أنهن غزيات!

ومع أن واقع التعذيب الممتد منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023 طاول كل شيء في غزة، من الأطفال إلى النساء والرجال، إلا أن المشهد الحي فاق الوصف، وتجاوز المخيلة التي عايشت كل الحروب السابقة في غزة، بدءًا من 2008 وصولا ليومنا هذا.

في يناير الماضي نشرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني قائمة بأسماء 51 معتقلة فلسطينية من غزة موجودات في سجن الدامون بمدينة حيفا، تراوحت أعمارهن بين 15 عامًا وأكثر من 80 عاما، ناهيك عن الأمهات اللواتي اعتقلن مع أطفالهن الرضع.

لم يقتصر الأمر على 51 امرأة استطاعت المؤسسات الحقوقية أن تعرف هويتهن، من خلال أسيرات خرجن لاحقًا من السجون، تحديدًا أسيرات من الضفة الغربية اللواتي استطعن أن ينقلن بعض الشهادات المروعة التي توثق حال الأسيرات في السجون الإسرائيلية تحديدا الغزيات منهن.

فحسب شهادات عديدة تم اعتقال نساء أكثر من هذا الرقم بكثير، لا توجد معلومات دقيقة حول هويتهن، نظرًا لمنع إسرائيل الزيارات عن أسرى وأسيرات غزة، من قبل أي مؤسسة حقوقية، أو أي محامٍ، فتحولت أخبار الأسرى والأسيرات من غزة لتفاصيل تعبر من شخص لآخر حاملة بعض الطمأنينة لأهالي يعانون ويلات الحرب في غزة وفي نفس الوقت يعايشون قلقًا حول مصير أبنائهن وبناتهن في السجون الإسرائيلية.

مع مرور كل يوم، ومع تصاعد فداحة الشهادات التي تصل إلينا حول كل جريمة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، بدءًا من جريمة اختطاف جندي إسرائيلي لطفلة رضيعة من غزة، وصولا لاعتقال المسنة فهيمة الخالدي (82 عاما) التي تعاني من مرض الزهايمر، ولا تتذكر الكثير من تفاصيل الانتهاكات التي تعرضت لها خلال اعتقالها وحتى الإفراج عنها، فإن سؤالا لا يمكن إلا أن يفرض نفسه، هذا ما وصلنا، فماذا عن الجرائم التي لا نعرف عنها شيئا بعد؟

حسب بيان أصدره المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فإن التقديرات تشير إلى اعتقال أكثر من 200 امرأة وطفل من بدء الحرب على غزة، لا يوجد معلومات دقيقة حول مصيرهم.

تنتهج إسرائيل نمطًا انتقاميًا يعرفه الفلسطينيون جيدا، لكن هذه الحرب وتوغلها البري في كثير من مناطق غزة، جعلت من الفلسطينيين، نساءً ورجالا وحتى أطفالا، عرضة لجرائم لم يعهدوها من قبل، حيث تم اعتقالهم من مدارس الإيواء التي يحتمون بها من الصواريخ التي تريد قتلهم، ومن البيوت التي يتجمعون بها يترقبون الموت، هذا عدا فترة النزوح القسري من مناطق الشمال للجنوب التي شهدت حالات اعتقال لم نعرف عنها الكثير.

تنص اتفاقيات جنيف على أن النساء اللواتي لا يشاركن، أو لم يعدن يشاركن، في العمليات العدائية، تتم حمايتهن ضد آثار القتال وأيضا ضد المعاملة المسيئة من جانب أطراف النزاع المسلح. للنساء الحق في المعاملة الإنسانية وفي احترام حياتهن وأجسامهن وعدم تعرضهن للتعذيب أو المعاملة المهينة أو العنف والتحرش. كما تنطبق الحماية الخاصة للنساء على الحالات التي يتعرضن فيها للحجز أو الاعتقال. إذ يلزم، على سبيل المثال، توفير أماكن للنوم ومرافق صحية لهن مستقلة عن أماكن الرجال. كما ينص القانون الدولي الإنساني على مراعاة احتياجاتهن الخاصة في حالات الحمل والرضاعة، سواء كنّ رهن الاحتجاز أو ضمن السكان المدنيين.

على مدار سنوات طويلة من الاستعمار الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم، كان هناك إدراك خفي يشير إلى انتهاكات جسيمة لا توقفها أي قوانين قد يظهر أن إسرائيل موقعة عليها، مع بدء الحرب الحالية على قطاع غزة، وتحول الاعتقال لمنهجية تكسر الفلسطينيين وتحط من كرامتهم الإنسانية في غزة، أظهرت كل القوانين التي تكفل حقوق الإنسان وخاصة النساء منهن، بأنها قاصرة على حماية أي فلسطيني من أي انتهاك تمارسه إسرائيل، حتى لو توفرت كل معطيات الانتهاك وأبرزها البث الحي المباشر الذي تقدمه إسرائيل لكل سكان الكوكب حول ما تفعله بالفلسطينيين والفلسطينيات في غزة منذ بدء الحرب عليها.

يقول المحامي حسن العبادي لفارءه معاي والذي يداوم على زيارة الأسيرات من أيام ما قبل الحرب على غزة، حيث كان يزور الأسرى والأسيرات بمعدل زيارة كل أسبوع أو أسبوعين، لكن منذ شنت إسرائيل الحرب على غزة وهو يحاول زيارتهن بوتيرة أكثر كثافة ضمن الإجراءات المتاحة، "وصل عدد الأسيرات الغزيات حسب ما علمت حوالي 110 أسيرات، تم اعتقالهن بطريقة عشوائية، من كانوا يرمونها على حاجز كانوا يعتقلونها، حتى لو كان معها أولادها، كانوا يرمون أولادها على الطريق ويأخذونها، بعد أن وصلوا عند المعبر، نقلوهن لسيارات تشبه الأقفاص التي تستخدم لنقل الحيوانات، حتى وصلن سجن الدامون، في نفس الملابس التي كنّ يرتدينها، والتي بقيت عليهن طوال فترة الاعتقال، دون تغيير، كن مقيدات من أيديهن وأرجلهن، حتى بالغرف كن مقيدات ليل نهار، تركوهن دون فوط صحية، لم يكن متاحًا لهن الاستحمام إلا بماء فقط، بقين مع الملابس المتسخة كل فترة الاعتقال".

حسب شهادات حية لمعتقلين تم الإفراج عنهم لاحقا، فإنهم تعرضوا لأقسى أنواع التعذيب منذ اللحظة الأولى لاعتقالهم، وصولا للحظة الإفراج عنهم، حيث أكد العديد منهم على حرمانهم من الطعام والماء، إجبارهم على شرب ماء مخلوط بالكلور، ضربهم والتنكيل بهم، كما أن جنود الاحتلال كانوا يطلبون منهم أن يسبوا حماس ويسبوا أنفسهم، ويسبوا الذات الإلهية، كما أطلقوا عليهم الكلاب، ومنعوا من الحديث مع بعضهم البعض، كما وضعوا لمدد غير محدودة في العراء خلال أيام الشتاء الباردة بملابسهم الداخلية، ناهيك عن شهادات التحرش والعنف الجنسي التي تعرض لها المعتقلون والمعتقلات من غزة.

تقول (م.م، فضلت عدم ذكر اسمها)، لفارءه معاي: "شالوا عني حجابي، وكانوا يتمسخروا علي، كانوا يسبوا علي في الطالعة والنازلة، لما طلبت مي، أجت وحدة من المجندات تتحرش فيي وتحكيلي خلي حماس تجبلك مي، ظروفنا كانت صعبة جدا، كتير مرات كانوا يكذبوا علينا ويحكولنا الحرب خلصت، وبطل في ناس بغزة، كنت مرعوبة على ولادي وهما السبب الوحيد الي خلاني أضل عايشة".

منذ شنت إسرائيل الحرب على غزة، وحملات الاعتقال المكثفة في الضفة الغربية كانت جزءًا من سياسة قمع الضفة ووأد أي فعل ثوري من الممكن أن يشكل ضغطا على إسرائيل، عند خروج الأسرى والأسيرات لاحقًا خلال صفقات تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، والشهادات حول الوضع الإنساني داخل سجون الاحتلال الإسرائيلية تنتشر، الأسرى والأسيرات الذين عانوا سابقًا من أوضاع سيئة، تفاقمت هذه الأوضاع، التعذيب المنهجي بحق الأسرى/ات منذ السابع من أكتوبر طاولت مخالبه الفلسطينيين في غزة، حيث مارست إسرائيل حربا شرسة على أجساد الفلسطينيين أحياءً وأمواتا.

يضيف العبادي "خلال زياراتي للأسيرات علمت أن المحجبات من غزة نزع عنهن حجابهن، الطعام كان يترك خارج الغرفة حتى يصبح باردا، ثم يدخلونه من خلال فتحة أسفل الباب، حتى الماء الذي يقدم لهن للشرب خلط في كلور، كن يتعرضن للضرب، والتهديد بقتل أهلهن والصراخ عليهن، أيضا سجن الدامون معروف عنه أنه بارد جدا، لم يتوفر لهن أي شكل من أشكال التدفئة، كن قلقات ولا يعرفن مصير أهلهن وبيوتهن، إحدى الأمهات كانت قلقة لأنهم اعتقلوها ورموا بأولادها في الشارع".

تقول (هـ. أ، فضلت عدم ذكر اسمها) لفارءه معاي: "من أول لحظة اعتقلوني فيها وهما يسبوا علي ألفاظ بذيئة، خلوني أشلح أواعيي عشان يفتشوني، المجندات كانوا يلمسوني بطريقة كتير مهينة، ويعلقوا علي، تحرشوا فيي بوجود جنود، كتير خفت حدا يعملي شي، لما كنت اسأل أي شي، أو اطلب ملابس كانوا يهددوني ويسبوا علي، هاي مش أول حرب بعيشها، بس عمري بحياتي ما توقعت أعيش هالشي، مش عارفة كيف ممكن أكمل حياتي بعد الي صار".

صدر خلال الأيام الماضية بيان مشترك حمل توقيع مقرري الأمم المتحدة، أشار إلى أن هناك نساءً فلسطينيات تعرضن لاعتداءات جنسية من ضباط إسرائيليين خلال الاعتقال، وأن هناك ما لا يقل عن اثنتين من النساء تعرضن للاغتصاب، في حين تم تهديد أخريات بالاغتصاب والعنف الجنسي. تستخدم إسرائيل أجساد النساء في حربها الشرسة التي تشنها على غزة، منتهكة بذلك كل القوانين التي تحمي النساء، لم تكن الفلسطينيات في انتظار تقرير الأمم المتحدة الذي يثبت شهاداتهن الحية منذ بدء الحرب حول ما يتعرضن له من انتهاكات جنسية، هذه الانتهاكات الواقعة منذ شنت إسرائيل حربها على غزة، استهدفت الرجال والنساء في غزة، والممارسات الاستعمارية التي غالت فيها إسرائيل كانت تستهدف كل فلسطينية/ي في غزة.


أنتجت هذه المادة بدعم من “الأكاديمية البديلة للصحافة العربية” التي تشرف عليها فبراير، شبكة المؤسسات الإعلامية العربية المستقلة وينشر بالتعاون مع “فارءه معاي - المنصة الإعلامية العربية المستقلة.

ريهام المقادمة

صحفية وباحثة فلسطينية

شاركونا رأيكن.م