نوم الأطفال، بين الواقع والتوقّع
هل أصبح لديكم طفل مؤخراً؟ إذا كانت الإجابة نعم، فحتمًا واحد من أكثر الأسئلة التي تسمعونها هو: "هل ينام بشكل جيد ليلاً؟".
إن أجبتم عن هذا السؤال بأن طفلكم يستيقظ كثيراً، تبدأ النصائح بالانهيال من كل حدب وصوب، معظمها يأتي من حُسن نيّة والرغبة في الدعم. نصائح مثل: قوموا بإضافة الحليب الصناعي، سينام أفضل. عليك بإيقاف الرضاعة الطبيعية، فهي السبب! عليكم بالتوقّف عن حمله كثيراً، لأن هذا يسبب استيقاظه المتكرر. لا بد أن حليبك غير مشبع، انتقلي إلى الحليب الصناعي.
جميع هذه النصائح ليست صحيحة بالضرورة وهي غير مبنية على أسس علمية وقد تزيد إحباط الأهل من أنفسهم ومن طفلهم الرضيع، لأن توقّعهم من طفلهم ونوم، سيكون خارج نطاق الواقع. فما هو الواقع إذاً؟
الواقع يقول إنه من الطبيعي أن يكون هناك عدم استقرار في نوم الأطفال خلال السنوات الأولى عامة، والسنة الأولى بشكل خاص. لكن دعوني ألخّص لكم أكثر 4 توقّعات قد تكون لدينا كأهل في هذا السياق، ولماذا هي ليست واقعيّة بالضرورة.
التوقّع الأول: ينام الرضع بشكل متواصل خلال الليل في حالة الشبع
الواقع يقول إن نوم الأطفال متغيّر وغير ثابت بدون علاقة بموضوع الجوع والشبع، وخاصة في السنوات الأولى من حياتهم. في السنوات الأولى، يستيقظ الأطفال من نومهم للبحث عن عوامل تسد حاجة لديهم، مثل الجوع، العطش، وهذا طبيعي وإنساني. إلا أن الأطفال قد يستيقظون أيضاً لأسباب أخرى، مثل الحاجة للشعور بالأمان وقرب المربّي، الشعور بالانزعاج من الحفّاض المبلول، الشعور بالبرد أو الحر، الشعور بالألم أو الانزعاج وأسباب عديدة أخرى.
علاوة على الأسباب المذكورة أعلاه، هناك أيضاً أسباب تخص الوظائف الفيزيولوجية في الجسم. عند ولادة الطفل الرضيع، نلاحظ أن نمط نومه يتميّز بالاستيقاظ المتكرر خلال الليل، وخاصة بعد مرور الأيام العشرة الأولى بعد الولادة. لماذا؟ لأن إفراز هرمون النوم (الميلاتونين، والساعة البيولوجية المسؤولة عن تنظيم ساعات النوم بحسب دورة الكرة الأرضية، تبدأ بالعمل بعد سن الأربعة شهور. كما أن الحقيقة تقول إن هذا النمط من الاستيقاظ المتكرر يحمي الطفل من ظاهرة موت الرضّع المفاجئ، وهي ظاهرة توقّف النفس لدى الرضّع بشكل مفاجئ خلال النوم (Thompson et al., 2017).
عند إدراك الأهل أهميّة الاستيقاظ المتكرر للرضيع ليلاً، وتغيير نظرتهم لموضوع النوم، تزداد ثقتهم بأن طفلهم ينام بالشكل الطبيعي والمتوقع بحسب عمره. لذلك، علينا كأهل دائماً قبل أن نلوم أطفالنا أو نشعر بالذنب والتقصير تجاههم، علينا التأكد إذا كانت سلوكياتهم ضمن إطار الوضع الطبيعي والمتوقّع لسنهم وأنها ليست "مشكلة".
التوقّع الثاني: الرّضاعة تسبب الاستيقاظ المتكرر، وفطام الرضاعة الليلية هو الحل
الواقع يقول عكس ذلك. يحتوي حليب الأم على هرمون الميلاتونين (هرمون النوم) ويرتفع تركيزه في الحليب خلال ساعات اللّيل! كما أن للرّضاعة الطبيعية تأثيراً كبيراً على تنظيم درجة حرارة جسم الطفل، الشعور بالأمان وبالتالي الاسترخاء بصورة أكثر والتهيؤ للنوم. ولا ننسى أن الرضاعة الطبيعية عملية وأسهل بكثير، وخاصة في ساعات الليل.
في دراسة أجريت سنة 2011، تبيّن أن معدّل ساعات الأم المرضعة كان أكثر من معدل ساعات الأم غير المرضعةKendall-Tackett et al., 2011) ). هناك عدة تفسيرات لهذه الدراسة، إأحدها أن الأم المرضعة سرعان ما تستجيب لبكاء الطفل للرضاعة، ومن ثم فهو ينام بصورة أسرع. تفسير آخر يبيّن أن معدة الطفل تهضم مركبات حليب الأم بشكل أسهل وأسرع من الحليب الصناعي، وبالتالي يكون الطفل أقل عرضة للغازات، وأكثر راحة خلال الليل والنهار.
التوقّع الثالث: يستطيع الأطفال النوم بشكل مستقل دون تواجد الأهل، وخاصة بعد سن السنتين
يتم تسويق هذه الفكرة كثيراً من قبل مدارس النوم المتأثّرة من النمط الغربي والحداثة، وهي أن الطفل يستطيع أن ينام لوحده بشكل مستقل، دون مساعدة أو دعم من الأهل. واقعياً، معظم الأطفال يحتاجون إلى أنواع مختلفة من الدعم قبل النوم، حتى سن ما قبل المدرسة. حتى أنه في بعض الحالات الخاصّة قد يحتاج الطفل إلى دعم عاطفي قبل النوم حتى سن 12 سنة. أنواع الدعم تختلف من طفل إلى آخر بحسب سنه، شخصيته ونمط نومه، وقد تكون جلوس الأهل على طرف السرير، تواجد الأهل في منطقة قريبه من غرفة النوم، قراءة قصة قبل النوم، الملامسة قبل النوم، الحضن والحمل وطرق دعم أخرى.
التوقع الرابع: ينام الأطفال من الساعة السابعة مساءً حتى السابعة صباحاً
صحيح أن نوم الأطفال باكراً مهم ومفيد لراحة الطفل والأهل، كما أن نومهم باكراً يعني حصول الأهل على وقت خاص وراحة، إلا أنه علينا أن نتذكّر أن احتياج الأطفال للنوم يختلف حسب الشخصية، السن، الروتين اليومي وظروف محيطة أخرى. فمثلاً، طفل ينام قيلولة ويستيقظ منها في ساعة متأخرة، لن يتمكن من النوم الساعة السابعة لأن حاجة النوم لديه قليلة. كما أن النوم حسب قانون 7\7 يعني أن الطفل قد يأخذ حاجته من ساعات النوم خلال الليل ويستيقظ في ساعات الصباح الباكر مثل الخامسة فجراً، بعد أن نال احتياجه الكافي من ساعات النوم. لذلك، من غير الصحيح أن نجبر الأطفال على اتباع قانون 7\7، أي النوم الساعة السابعة والاستيقاظ الساعة السابعة.
أخيراً، أعدكم بأن نوم طفلكم سيتحسّن مع مرور الوقت. ولكن، من المهم أن نتذكّر أن قدوم طفل إلى العالم يحمل معه تغييراً كبير لنا كأهل. أحد هذه التغييرات الطبيعية هو النوم. نعم، نومنا سيتغير، الروتين سيتغيّر، الأولويات ستتغيّر وستتغير مع قدومه أمور أخرى أيضاً. لذلك، علينا أن نذكّر أنفسنا دائماً بأن الأمور مع وجود طفل لن تكون كما كانت في السابق. وهذا طبيعي وشرعي!
كلما فهمنا ذلك أكثر، كنا أكثر مرونة وتقبّلاً لوضع طفلنا وأكثر تسامحاً مع أنفسنا. وكيف نكون أكثر مرونة وتقبّلاً؟ عندما نقاربُ بين التوقّعات والواقع!
إيناس خلف
مديرة "منصة ماما نت" https://mamanet.net/ ومرشدة أسرية بنهج الطبيب النفسي ألفرد أدلر ومستشارة نوم وفطام أطفال ومساجات رضع وموجّهة مجموعات أهل