عائلات تتمتع بالصحة والعافيّة

تصبو أغلبيتنا إلى تقديم الأفضل لأطفالنا وأبنائنا في شتى المجالات، إلا أننا نغفل أحياناً أهمية اتباع نهج الحياة الصحي أو ما يُعرف بحسن الحال، وخاصة في السنوات الأولى التي من شأنها تحديد صحتهم لاحقًا (للتعمق حول الموضوع أنصحكم بقراءة حول ما يعرف بـ "تغذية الألف يوم").

ازدياد الوعي في السنوات الأخيرة حول أهمية اتباع نهج الحياة الصحي هو أمر مُفرح، كما أن منظور الصحة أصبح واسعًا حيث يشمل الصحة الذهنية، النفسية والجسدية. إلا أنه بالرغم من وجود المعلومات الكافية والوافية حول التغذية السليمة، ما زالت هنالك فجوة ما بين المعرفة والتنفيذ على أرض الواقع! للأسف، معدلات انتشار السمنة والأمراض في صفوف الأطفال والأولاد في ارتفاع مُقلق!! ويعتبر نمط الحياة الخامل واستهلاك الأطعمة المصنعة والسريعة المليئة بالسكر والمواد الحافظة سببًا رئيسيًا لذلك.

بداية، أحب أن أذكر أنه لا توجد طريقة واحدة ووحيدة صحيحة لتربية أطفال أصحاء، كل عائلة تختار الأنسب لها ولأطفالها، إلا أن هنالك مبادئ بسيطة تساهم في تبني عادات وسلوكيات صحيّة؛

بيئة معززة للتغيير

إتاحة إمكانيات وبدائل صحيّة في متناول اليد وواضحة للعين، مثل الخضار والفواكه المغسلة، المكسرات النيئة (يجب الانتباه إلى خطر اختناق الأطفال تحت سن خمس سنوات)، الطعام المنزلي، وجود الماء في البراد عوضًا عن المشروبات المحلاة، النقرشات الخفيفة الصحية - كل هذا يُساهم في زيادة تناول مأكولات صحية.

من غير المنطقي أن نقوم بوضع الحلويات والمسليات أمام أعين الأطفال (أو ما يُعرف بجارور الحلويات) وأن نتوقع منهم أن يتحكموا برغباتهم واختياراتهم.

القدوة الحسنة

الأهل هم مثال يحتذى به أمام أطفالهم، يقوم الأطفال والأولاد بتقليد تصرفاتنا وأفعالنا، واجبنا كأهل أن نُفكر بالعادات والسلوكيات التي نريد نقلها إليهم. لا يمكن أن أمنع طفلي من القيام بسلوك معين وأنا أقوم بمثله!! على سبيل المثال، أن أشرب المشروبات المحلاة أو الغازية أمام طفلي وأمنعه بحجة أنها ضارة، تحتوي على الكثير من السكر أو تسبب تسوس الأسنان. هذا التصرف سيُحبطه بالطبع. عوضًا عن ذلك، نقدم الماء للجميع.

نقطة هامة أيضاً حول الموضوع هي أن ننتبه لكلماتنا حول مأكولات معينة وعدم وصف الطعام بصفات نابية لأن ذلك يؤثر سلبًا عليهم، من دون أن ننتبه.

فخ الاشتراط والمكافآت 

"خلص صحنك بعطيك إشي زاكي"، "بتتصرف حلو، بشتريلك بوظة"، "أنت معاقب، فش كعكة"، وكتير من جمل الاشتراط المألوفة لنا كأهل والتي نقع في فخها.

من المهم جدًا عدم ربط الطعام بالتصرفات، تعريف مأكولات معينة على أنها جائزة، أو تعويضًا عن شعورنا بالذنب لكثرة انشغالنا، أحد أهدافنا كأهل هي مساعدة أولادنا في بناء علاقة سليمة وصحية مع الأكل.

تقديم الحلويات

يُنبصح تأخير تقديم وعرض الحلويات والمسليات المصنعة على الأطفال قدر الإمكان- حتى سن سنتين، بعد أن يكتشف أولادنا وجودها؛ يُنصح بتقديمها مع الوجبة الخفيفة (السناك)، أي ما بين الوجبات الرئيسية بوتيرة وكمية معتدلة خلال الأسبوع، مع الاهتمام بجودة مركباتها وتفضيل الحلويات المعدّة في البيت. 

وجب التنويه إلى أن الحرمان الشديد او نقيضه - عرضها بكثرة - يُؤثران سلبًا على تناول أولادنا للطعام واختياراتهم، ممكن أن يتسبب هذا بشراهة للطعام أو تنمية طفل انتقائي. الاعتدال هو المفتاح السليم.

كما أن الاهتمام بتناول الوجبات الرئيسية الأساسية والمشبعة يساعد على التحكم بكمية الحلويات واشتهائها.

وجبات عائلية

يُنصح بتناول وجبة عائلية مشتركة واحدة على الأقل في اليوم، بالإضافة إلى الفوائد النفسية والترابط الأسري، تشكل الوجبة العائلية فرصة رائعة لتذويت عادات أكل صحيّة أهمها: الأكل بوضعية جلوس وبعيدًا عن الشاشات (الحديث عن أضرار تناول الطعام أمام الشاشات يحتاج إلى مقال آخر)، كما يُساهم تناول الطعام معًا بتشجيع الأولاد على تناول الأطباق الرئيسية، السَّلَطة وتجربة أطعمة جديدة مع الحرص على الاستقلالية بالطعام. تذكروا أ، واجبنا كأهل هو عرض المأكولات وللأولاد حق اختيار الأكل والكمية. كما أن هناك حيزاً لتعليم الأولاد التواصل مع إشارات الجوع والشبع.

خطوات صغيرة تصنع تغييرات كبيرة

الخطوة الأولى للتغيير أو لتبني سلوكيات صحيّة هي المعرفة والتثقيف الصحي، مثل قراءة الملصقات الغذائية، مما يُساهم في اختيار منتجات أفضل. تفضيل الطعام المطبوخ أو المشوي على المقلي، تناول خضروات أكثر، تعديل الأطباق المفضلة بواسطة إدخال مواد خام ذات جودة عالية وإضافة خضروات أكثر. حتى البيتزا يمكن أن تكون وجبة صحية وتحتوي على كل المركبات الغذائية، أو زيادة النشاط البدني- مثل التنزه معًا أو ركوب الدراجات. وعنصر أساسي في الصحة لا يجوز غض النظر عنه هو النوم الجيد- النوم العميق لساعات كافية.

البيت هو الأساس

كأم لولدين أعرف أنه شتان ما بين النظريات والواقع- أعياد الميلاد، الحفلات والزيارات تشكل تحديًا لا يُستهان به، إلا أن وجود خطوط توجيهية يساعد في بناء قاعدة صحية منذ الصغر، وأن البيت هو الأساس في توضيح دور التغذية والأكل السليم لصحة ونمو أفضل، تقوية جهاز المناعة وكذلك القدرة على التعلم والتركيز. وهنا تتجلى قاعدة 80:20 أي أن أهتم بأن تكون تغذية أطفالي 80% من الوقت خيارات صحية ومغذية و20% لمأكولات أقل جودة وأهمية.

دمتم بصحة وعافية.

رنين شدافنة - أسعد

مدربة صحة وموجِّهة مجموعات نهج حياة صحي

 

شاركونا رأيكن.م