التّبني من منظور شرعي

إنّ التّبني في العرف الجاهلي الذّي كان سائدًا هو أن يتخذ الشخص ولدَ غيره ويجعلَه كولده الصلبي تمامًا حيث ينسب إليه كما ينسب إليه ولده الصّلبي ويتمتع المتبنَّى بالحقوق التي يتمتع بها الولد الصّلبي وعليه من الواجبات ما على الولد الصّلبي تجاه والديه ويثبت بينهما التوارث والمحرمية بحيث لا يتزوج هذا الولد من بنات المتبني الصّلبيات ولا يتزوج المتبني من بنات المتبنَّى ولا من زوجته بعد طلاقها بمعنى أنّها تثبت المحرمية النسبية في هذا التبني.

وقد أبطل الإسلام هذا التبني وجميع آثاره.

أمّا بالنسبة للتبني الذّي على أرض الواقع فإنّه يختلف من حيث المضمون مع التبني الذّي كان سائدًا في الجاهلية آنذاك، فهو أشبه بالكفالة. لذا، فإنّه يجوز للمسلم أن يحتضن طفلاً ويقوم على رعايته، ولكن لا بدّ من إخباره بوالديه الحقيقيين لمّا أن يبلغ سناً يستطيع فيه التمييز والإدراك لمعنى الأبوة، كما أنّه لا بدّ من لفت الأنظار إلى الأمور التّالية:

  1. إذا كان المتبنَّى طفلة فإنّه لا يجوز للرجل أن يختلي بهذه الطفلة المتبناة حين تبلغ سناً تُشتهى فيه، كما أنّه لا يجوز أن تتبرج هذه الطفلة أمامه ولا أمام أبنائه وأخوته لما أن تبلغ سن الاشتهاء، إلاّ أن تكون قد رضعت خمس رضعات مشبعات وهي دون – أقل - السنتين من عمرها من زوجة هذا الرّجل إذا كانت مرضعة وبذلك تصبح ابنة له في الرّضاع وابناؤه أخوة لها في الرّضاع وزوجته أمًا لها في الرّضاع وإخوته أعمامًا لها في الرّضاع وأخواته عماتٍ لها في الرّضاع.

فإن لم تكن زوجته مرضعة ورضعت من أخواته فإنّه يصبح خالاً لها في الرّضاع وأخوته أخوالاً لها كذلك في الرّضاع وأخواته خالات لها في الرّضاع فإن لم تكن له أختاً مرضعة، أرضعتها زوجة أخيه وبذلك يصبح عمًّا لها في الرّضاع، وهكذا ...... وفي جميع الأحوال لا بدّ أن تكون الطفلة دون السنتين والأحوط أن ترضع خمس رضعات مشبعات خروجًا من الخلاف.

  1. إذا كان المتبنَّى طفلاً فإنّه لا يجوز أن يختلي بزوجة الرّجل المتبني ولا ببناته ولا بأخواته لمّا أن يبلغ سنّ الشهوة كما أنّه لا يجوز أن تتبرج أو تتكشف زوجة هذا الرّجل ومحارمه كأخواته وبناته أمام هذا الطفل المتبنى لمّا أن يبلغ سن الشهوة، إلاّ أن يكون قد رضع من زوجة هذا الرّجل المتبنَّي خمس رضعات مشبعات وهو دون السّنتين من العمر وبذلك يصبح ابناً لهذا الرّجل في الرّضاع وأخًا لبناته وأخوات هذا الرّجل عماتٍ له وزوجته التي رضع منها أمًّا له.

  2. لا يثبت التوارث بين هذا الطفل المتبنَّى ومن تبنوه ولو نشأت محرمية الرّضاع بينهم إلاّ أن يكون هنالك وصية فإنّها تنفذ بحدود الثلث، فإن زادت عن الثلث فالزيادة موقوفة على إذن ورثة المورّث.

تأجير الأرحام من منظور شرعي

تأجير الرحم أسلوب من أساليب التلقيح الصناعي، وهو أن تؤخذ نطفة من زوج وبويضة من زوجته، ثم توضعا في أنبوب اختبار طبي حتى يتم التلقيح، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة أخرى نظير مال يدفع لها، وقد تفعل ذلك تطوعًا.

وهذه الطريقة يلجأ الأطباء إليها حين تكون الزوجة غير قادرة على الحمل لسبب في رحمها، ولكن مبيضها سليم منتج، أو تكون غير راغبة في الحمل ترفهًا للحفاظ على رشاقة جسدها كما في بلاد الغرب.

وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العلم الإسلامي في دورته الخامسة سنة 1402هـ بتحريم هذا الأسلوب من أساليب التلقيح.

كما صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورة مؤتمره الثالث سنة: 1407هـ بتحريمه أيضًا.

ذلك أنّ الرحم لا يحل الزرع به إلا بعقد شرعي كامل الشروط والأركان ولا يحل لغيره أن يشغله بحمل دخيل.

 فلا يجوز للمرأة أن تحل رحمها لغير زوجها ليضع ماءه التناسلي فيه.

ومن الأدلة على التحريم أيضا وجود شبهة اختلاط الأنساب؛ لاحتمال أن تفشل عملية التلقيح بعد وضع اللقيحة في الرحم المؤجر، ويحدث الحمل عن طريق مباشرة الزوج لزوجته، فيظن أن الحمل والوليد للمستأجر، مع أنه في الواقع ليس له.

كما يمكنا التدليل على تحريم تأجير الأرحام بالضرر الذي سيقع على المرأة المؤجرة لرحمها، فإنها لا تخلو من إحدى حالتين: إما أن تكون متزوجة، أو تكون غير متزوجة. فإن كانت متزوجة: جاءت شبهة اختلاط الأنساب، وإن كانت غير متزوجة: عرضت نفسها للقذف وقالة السوء. انظر: (موقع موسوعة الفتاوى).

جاء في موقع موسوعة الفتاوى: 

"ومن الأسباب التي تدعونا للقول بالحرمة أيضا غلبة المفاسد المترتبة على هذه العملية، ومنها: إفساد معنى الأمومة كما فطرها الله وعرفها الناس، وصبغها بالصبغة التجارية، مما يناقض معنى الأمومة التي عظمتها الشرائع وناطت بها أحكامًا وحقوقًا عديدة، ونوه بها الحكماء وتغنى بها الأدباء، وهذا المعنى وذلك التعظيم لا يكون من مجرد بويضة أفرزها مبيض امرأة ولقحها حيوان منوي من رجل، إنما تتكون من شيء آخر بعد ذلك هو الوحم والغثيان والوهن في مدة الحمل، وهو التوتر والقلق والطلق عند الولادة، وهو الضعف والهبوط والتعب بعد الولادة.

فهذه الصحبة الطويلة هي التي تولد الأمومة؛ كما أن تغطية الأمومة بهذا الحاجز الضبابي يؤدي إلى تنازع الولاء عند الطفل بعد الإنجاب: هل سيكون ولاؤه لصاحبة البويضة، أو للتي حملته وأرضعته من ثدييها؟! مما قد يعرضه لهزة نفسية عنيفة؛ إذ إنه لن يعرف إلى من ينتمي بالضبط: إلى أمه الأولى أم أمه الثانية؟! ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح". 

بروفيسور مشهور فوّاز محاجنة

أستاذ الفقه في كلية الدعوة والعلوم الاسلامية - أم الفحم، ورئيس المجلس الإسلامي للإفتاء في الداخل الفلسطيني وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

شاركونا رأيكن.م