ميزَةُ "الوَجْهُ الأُنثَوي" للسّياسَة أَثناءَ الحَرب

تَعيش النساء مع عَواقب الحروب ويتفاعلن معها، لكنّهن لَسْنَ ضحايا سلبيّات. تَحزن النساء ويُحارِبنَ آلام النِزاع، وفي كَثير من الحالات يُجبَرنَ على التّغاضي عن آلامِهن وحُزنهن والعَمل من جديد تحدّيًا لواقِعهن ليصنعن واقعًا جديدًا. النساء اللواتي يشغلن مناصب سياسية يَعِشنَ أكثر مِن واقعٍ مُوازٍ. فالبعض منهن يَحمل المسؤولية العائلية والمِهنية في آنٍ واحد. يُلقي هذا المقال نظرةً عن قُرب على تَفاعل المرأة مع النزاعات في المجتمعات التي تعيش فيها وكيفية معالجة الاضطراب الواقع على أسرتها وحياتها وعملها نتيجة ذلك.
في ظلّ الحرب الأخيرة، شَهدنا على تأثير كبير للنساء السياسيّات على مَسار الحرب السياسي والإعلامي. يتجسّد مثالٌ على هذا التأثير في تجربة السيدة الأولى التي تترأس اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميرينا سبولياريتش، وهي دبلوماسية سويسرية من أصول كرواتية، وبَصْمَتها على تفاصيل الحرب والسلم. كان واضحًا من خلال المفاوضات العديدة التي أُجريت مع جمعية الصليب الأحمر خلال الحرب على غزة، حِرصُ سبولياريتش على فَهم عُمق الاحتياج الإنساني للمُجتمعات المتضرّرة. وهذا جاء متجسّدًا في زيارتها شخصيًا لغزة وسوريا ومناطقَ عدّة في الشرق الأوسط. يُقال إن سبولياريتش كانت تخصص في كلّ زيارة وقتًا لسماع معاناة النساء والبنات تحديدًا، متعاطفة معهن كونهن الفئة المستضعفة والأكثر تضرّرًا.
مهنيًّا وسياسيًّا، النساء رائدات التّغيير، حيث هُنّ مصدر رئيس للاستقرار في المناطق المتأثرة بالنزاعات، وأنهن لا يَجمعن فقط عائلاتهن، بل هن قادرات أيضًا على تجميع مجتمَعاتهن. في الكثير من المفاوضات الدبلوماسية، تَحرص الدبلوماسيات على تغيير الصورة النمطيّة عن دور النساء في المجتمعات المتضرّرة. أذكر من خلال عملي في مجال الدبلوماسية، أن الكثير من المشاريع الإنسانية التي طُرحت كان للنساء حصّة كبيرة في قيادتها المجتمعيّة والمحلية. وهذه كانت سياسة مهمّة قادتها دبلوماسية مسؤولة عن ديناميكيات العمل الإنساني.
قَد يعتقد البعض أن النساء غير قادرات على القيام بالعمل السياسي أو المهني الذي يتطلب اتخاذ قرارات مصيرية. لكن أثبتت التجارب التاريخية أن وجود نساء سياسيات على طاولة الحوار قد يُثمر في تطبيق سياسات سلام أكثر استقرارًا ونمو اقتصادي أكبر. في بحث أجري مؤخرًا لهيئة الأمم المتحدة حول النساء يُثبت أن مشاركة المرأة تزيد من احتماليّة التوصّل إلى اتفاق سلام يدوم عامين على الأقل بنسبة 20%، وبنسبة 35% من احتماليّة التوصل إلى اتفاق سلام يدوم 15 عامًا. يُظهر تحليل 40 عملية سلام منذ نهاية الحرب الباردة أنه في الحالات التي تمكّنت فيها المرأة من ممارسة تأثير قوي على عملية التفاوض، كانت هناك فرصة أكبر بكثير للتوصل إلى اتفاق مقارنة بالحالات التي مارست فيها المجموعات النسائية تأثيرًا ضعيفًا أو معدومًا. وفي حالات التأثير القوي للنساء، كان يتم التوصل دائمًا (تقريبًا) إلى اتفاق.
على عكس المَنظور الاستعلائي الذُكوري، تُثبت التجارب أن النساء قادرات على صُنع السلام في الأطر المحلية والدولية. وأن نظرتهن إلى مسار الحروب وعواقِبها تشمل احتياجات المرأة الضحيّة، وأنهن يعملن على تعزيز مكانة المرأة في المُجتمعات المتضررة إيمانًا بقدرتها على تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والاستقرار. كنت أجلس في اجتماعات عديدة خلال الحرب، وأَعي مسؤوليتي الشخصيّة كوني امرأة عربية في إطار قد يَخلو من العرب رجالا ونساء. لقد أثبتت لي تجاربي الشخصية، أهمية موقعي الشخصيّ في تغيير مسار التفكير العام، أو التحليل السياسي وخصوصًا في فهم واقع الأزمة الإنسانية في غزّة. شعرت، كوني امرأة، أن نمط التفكير الأساسي لدى الدبلوماسيات هو نمطٌ شامل وإنساني بالدرجة الأولى. يبدأ من التعاطف مع جميع فئات المجتمع وتفضيل الإنسان كقيمة اجتماعية عن الحسابات السياسيّة التي قد تعزل الاحتياج الإنساني بعيدًا عن التفكير التكتيكي أو الاستراتيجي السياسي.
أخيرًا، قد تبقى في ذاكرتي صورة واحدة لتجرُبتي في الحرب. صورة لامرأة قادَت مهنَتَها في تفانٍ وشَغف رغم كُلّ ظروف الحرب، ولرُبما كان لجهودها تأثيرٌ كبير على حالتي النفسية خلال الحرب، هِيَ أُمّي. بعيدًا عن دورها كأُم في الحرب، شَهِدنا في البيت على أمي مُعلمة الصف الأول ومُربّيَتِه وقد حاولت وجاهدت في سبيل التعليم عن بُعد لأطفالٍ لم يعرفوا بَعد، حتى شعور الذهاب إلى المدرسة والجلوس في صفّهم الأول. ولفتني في ذلك، أنها أخَذَت على عاتقها الحِرص على صحتهم النفسية. وفي بعض الأيام، كانت هي مصدر الأمل والنور الوحيد لطُلابها. كانت تبدأ الحصّة الصباحية "كيف إنتو اليوم؟" مع جُرعة من الأمل والتفاؤل اعتادت خلقَها من العدم. بينما أنا أجلس في الغرفة المجاورة لها، أناقش تحليلات سياسية ومفاوضات لمساعدات إنسانية، كنت استمد قوّة من حُبِّ طُلابها لها، الذين تعمّدوا اختتام كُل يوم برسائل صوتية تقول: "بحبك معلمتي". قد تختلف مجالات العمل، لكن يبقى للنساء طابعٌ خاص، شامل وإنساني ينعَكِس في الدرجة الأولى على مُحيطها.