"حِصَّة" الفلسطينيّات مِن يَوم المَرأَة العالَميّ

يَحُلّ يوم المرأة العالمي في 8 آذار هذا العام، في وَقت تعيش فيه النساء الفلسطينيات ظروفًا قاسية تحت وطأة الحرب والاحتلال. وفي حين يُحتفى عالميًا بإنجازات النساء وتقدّمهن في مختلف المجالات، تُعاني المرأة الفلسطينية، سواء في غزة أو في الداخل الفلسطيني، من تحديات نفسية واجتماعية عميقة بسبب العنف المستمر والضغوط الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عنه. السابع مِن آذار، عشيّة هذا اليوم العالمي، يجب أن يَشهَد وقفة تضامنية عالمية تسلّط الضوء على الفلسطينيات، وتطالب بحماية حقوقهن الأساسية في الحياة والأمان والاستقرار.

الآثار النفسيّة للحرب على النساء الفلسطينيات

لا تُفرّق الحروب بين الصغيرات والمسنّات، إذ تترك بصماتها على الفتيات من سن 3 سنوات وحتى النساء فوق 90 عامًا. فالتجربة القاسية التي تعيشها النساء خلال الحروب تؤثّر بشكل مباشر على صحتهن النفسية، والعاطفية، والاجتماعية، وتتجلى بأشكال مختلفة حسب العمر والخبرة الحياتيّة.

1. الطفلات (3-6 سنوات): الصَدمة المبكّرة

لا تستطيع الطفلات في هذا العمر فَهْم الحرب، لكنّهن يعشن تداعياتها على شكل خوف دائم، وكوابيس متكرّرة، وتعلُّق شديد بالأُم، واضطرابات في النطق أو على شَكل تبول لاإرادي. تُؤثّر البيئة العنيفة على نموّهن النفسي، مما قد يؤدي إلى اضطرابات طويلة الأمد في المستقبل.

2. الفتيات (7-12 سنة): الإدراك الأوّلي للخطر

مع التقدّم في العمر، تبدأ الفتيات بفهم الحربن لكنّهن لا يكُن قادرات على التكيّف معها نفسيًا، مما يؤدي إلى القلق المستمر، والعزلة الاجتماعية، واضطرابات النوم. كما أن فقدان المنزل أو أحد أفراد العائلة يزيد من الإحساس بعدم الأمان.

3. المراهقات (13-18 سنة): أزمة الهويّة والخوف من المستقبل

في هذه المرحلة، تواجه المراهقات صدمة الحرب إلى جانب تحدّيات تكوين الهويّة والاستقلالية. يعاني الكثير منهن مِن الاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) وصعوبات في الثقة بالنفس، خاصة مع فقدان الأحبة أو التعرّض للعنف.

4. النساء الشابات (19-40 سنة): التحدّيات الأُسريّة والنفسية

تحمل النساء في هذه الفئة عبء حماية أطفالهن وعائلاتهن وسط عدم الاستقرار. يواجهن قلقًا دائمًا على مستقبل أطفالهن، إضافة إلى اضطرابات النوم، والضغط النفسي، والاكتئاب بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

5. النساء فوق 40 عامًا: الصّدمات المتراكمة والخوف الدائم

نتيجة الحروب المتكررة، تعاني النساء في هذه الفئة من القلَق المزمن، والشعور بعدم الأمان، والاكتئاب. فالعيش وسط التهجير والخسائر المستمرة يجعل الشعور بالأمل صعبًا، خاصة مع عدم وجود حلول سياسية واضحة.

6. المُسنات (60-90 سنة): ذكريات الحَرب والحزن العَميق

تُعاني المُسنّات من إعادة إحياء الصدمات القديمة، خاصة ممن عايشن النكبة والنكسة، مما يجعلهن أكثر عرضة للاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب، إضافة إلى المُشكلات الصحيّة مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب بسبب التوتّر المُزمِن.

دَور المرأة الفلسطينية في الصّمود وصناعة التغيير

رغم هذه التحدّيات، لا تزال النساء الفلسطينيات رمزًا للصمود والمقاومة. فهن لا يواجهن الحرب فقط كضحايا، بل يتحمّلن مسؤوليات اجتماعية واقتصادية في ظلّ غياب الاستقرار السياسي. يلعبن دورًا حاسمًا في حماية الأطفال، وتقديم الدعم النفسي لعائلاتهن، والمشاركة في المبادرات المجتمعية التي تساعد على إعادة بِناء المجتمع حتى في أصعب الظروف.

يجب أن يكون يوم المرأة العالمي في 8 آذار، والسابع من آذار تحديدًا، فرصة لإبراز هذه القوة النسائية والمطالَبَة بدعم النساء الفلسطينيات دوليًا، سواء من خلال المساعدات النفسيّة والاقتصادية، أو عبر الضغط لإنهاء العنف الذي يعانين منه باستمرار

طُرُق العلاج والتخفيف من آثار الحَرب على النساء

1. الدعم النفسي والعلاج السلوكي

·                العلاج السلوكي المعرفي (CBT) لمساعدة النساء في تجاوز الصدمات النفسيّة وتحدّيات القَلَق والاكتئاب.

·                جلسات الدعم الجماعي التي تسمح للنساء بمشاركة تجاربهن وتقديم الدعم العاطفي لبعضهن البعض.

·                العلاج بالفن والموسيقى لمساعدة الفتيات الصغيرات على التّعبير عن الصّدمة بطريقة غير مباشرة.

2. بناء بيئات آمنة للأطفال والنساء

·                إنشاء مراكز دعم نفسي مجانية تقدم الاستشارات والعلاج للنساء المتضررات من الحرب.

·                توفير مساحات آمنة للأطفال حيث يمكنهم اللعب والتعليم بعيدًا عن أجواء العنف والخوف.

3. تمكين النساء اقتصاديًا واجتماعيًا

·                دعم مشاريع صغيرة وتدريبات مهنية تمكّن النساء من تحقيق الاستقلال الماليّ رغم الأوضاع الصعبة.

·                تعزيز دور النساء في المجتمع المدنيّ والسياسة لضمان مشاركتهن في صنع القرار وتحقيق العدالة.

4. نشر ثقافة السّلام وتجنّب نقل الصدمة للأجيال القادمة

·                تعليم الأطفال طُرق حلّ النزاعات سلميًا لمنع ترسيخ العنف في الأجيال القادمة.

·                إدراج التوعية النفسيّة في المناهج الدراسية لمساعدة الأطفال على التعامل مع التوتر والضغوط بطريقة صحية.

5. الضغط الدوليّ لدعم النّساء الفلسطينيات

·                إيصال أصوات النساء الفلسطينيات للعالم من خلال الحملات الإعلامية والمؤتمرات الدولية.

·                الدفاع عن حقوق المرأة الفلسطينية في المحافل العالمية لضمان حصولها على الحماية والعدالة.

المرأة الفلسطينية بين الحَرب ويوم المرأة العالمي

يُفترض أن يكون شهر آذار مناسبة للاحتفاء بإنجازات النساء حول العالم، لكن معاناة المرأة الفلسطينية تفرض نفسها كقضيّة لا يُمكن تَجاهلها. ففي حين تُكرَّم النساء في أماكن عديدة، لا تزال النساء الفلسطينيات يواجهن تحديات لا تتوقف، مما يجعل يوم المرأة العالمي فرصة ليس فقط للاحتفال، بل أيضًا لرفع الصّوت ضدّ الظُلم الذي تتعرض له النساء الفلسطينيات والعربيات في الداخل الفلسطيني.

الخاتمة

تَمرّ النساء الفلسطينيات بتجارب نفسية قاسية نتيجة الحرب والاحتلال، لكنهن في الوقت نفسه يشكّلن نموذجًا للصمود والتحدي. وبينما يحتفل العالم بيوم المرأة في 8 آذار، لا بدّ من تسليط الضوء على معاناتهن والمطالبة بحلول عمليّة لدعمهن. يجب أن يكون هذا اليوم دعوة عالمية لدعم المرأة الفلسطينية، ليس فقط بالخطابات، بل بالعمل الجاد لتمكينها نفسيًا، اقتصاديًا، واجتماعيًا. فالاحتفاء الحقيقي بالمرأة يبدأ من دعم الأَضعف، ومساندة من يُعانين بصمت في زوايا الحرب والدمار.

سُهاد بَنّا

محاضرة في علم النفس التطوري واللغة الإنجليزية، ومركزة تقييم وقياس في المدارس.

رأيك يهمنا