النّساء الفِلِسطينيات في زَمَن الحَرب: صِراعَ البَقاء بين صَمت التّهميش وإرادَة الصُمود

المُقدّمة
في خِضَمِّ الحروب والأزمات، تتحمَّل الفئات الأكثر هشاشةً كالنساء والأطفال وكبار السِنّ- العبءَ الأكبر. وفي فلسطين، حيث طال أمدُ الحروب حتى صار السَّلامُ حلمًا بعيدًا، تتعمَّق معاناةُ النساء بشكلٍ مُتفرد. فالحربُ هنا ليست مجرّد دمارٍ ماديٍّ، بل نظامٌ معقَّدٌ من القمع والعنف المُمنهَج الذي يُضاعف تهميشَ قضايا النوع الاجتماعي.
لم يَعُدْ ما بعدَ السابع من أكتوبر 2023 مِثلَ قَبْله؛ في حين بقيت غزة رهينة الموت والدمار، تحوَّل الفلسطينيون في الداخل إلى رهائن لسياسةٍ عنصريةٍ تجمع بين القمع الأمنيّ وقمع اجتماعي. هنا، أُجبرت النساءُ الفلسطينيات على خوض معركتين: معركة البَقاء تحت وطأة الحرب، والصراع ضد عنفٍ مجتمعيٍّ يزداد شراسةً في ظلِّ صمت وتهميش العالم.
الأزمات تُعزِّز الصَّمت: إحصائيات صادِمة
كشف التقرير السنوي لمركز المساعدة التابع لجمعية "نساء ضدّ العنف" عن انخفاضٍ حادٍّ في بلاغات العنف في بداية الحرب، حيث وصلت - 42 حالة إبلاغ عن عنف في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مقابل 60 حالة في تشرين الأول/ أكتوبر 2022. ومع استمرار الحرب استمر انخفاض عدد البلاغات حتى وصل - 28 بلاغًا بنهاية 2023 مقابل 62 بلاغًا في 2022.
- لوحظ أيضًا انخفاض التوجهات الخاصة بالعنف عام 2024 بنسبة 22%.
لا تعكس هذه الأرقام تراجُع العنف، بل تُؤكِّد أن النساء آثرنَ الصمتَ خوفًا من تبعاتٍ مُزدوجة:
أولًا الخوف من فقدان الأمن الاقتصادي: كتجميد قرارات الانفصال عن الشّريك المُعنِّف أو السكوت عن التحرش الجنسي في العمل.
ثانيًا الخوف من التهميش المجتمعي: حيث تُعتبر معاناةُ النساء "هامشيّة" أمام "أولويّة" الصراع السياسي.
رَهائن بين جبهَتَين: الحَرب الخارجيّة والعُنف الداخلي
مع تصاعد القصف الإسرائيلي على غزة والجبهة الشمالية، وَجَدت النساء الفلسطينيات في الداخل أنفسهن في فخٍّ المسؤولية الأسرية: إدارة شؤون المنزل ورعاية العائلة وسط جبهة مشتعلة. وقد ذكرت العديد من النساء أنه كان يتوجّب عليهن خلال الحرب البقاء بجانب أسرهن كنوع من المسؤولية للحفاظ على حياة الأسرة.
القمع السياسي: أَثقلت ملاحقة الفلسطينيين في الداخل بتهمٍ واهية، وتكميم الأفواه عبر فصل الموظفين أو اعتقال الناشطين، كاهل النساء خاصة أنهن الأكثر تأثرًا في الأزمات.
- العنف المجتمعي: تصاعد الاعتداءات الجسدية والنفسيّة داخل المنازل، مع غياب آليات حماية فعَّالة.
إرادة الحياة: صمودٌ يُلهم التّغيير
رغم الظروف، تُبرهن النساء الفلسطينيات بشكل دائم على قدرةٍ استثنائية على التجدُّد. فقد أقدمت بعضهنَّ على خطواتٍ جريئة مثل: التبليغ عن العنف الأُسري رغم المخاطر وفقدان الأمان العام، تنظيم مبادراتٍ مجتمعيةٍ لتقديم الدعم النفسي والقانوني، توثيق الانتهاكات عبر منصات التواصل الاجتماعي، في محاولةٍ لكسر حاجز الصمت.
توصيات استراتيجية لتَعزيز الحماية
تهدف استراتيجيات تعزيز الحماية بالأساس إلى محاولة إيجاد حلول أكثر واقعية وداعمة من أجل تعزيز قضايا النساء في الحرب، وتعزيز قدرتهن على الإبلاغ عن تعرضهن لأي حالة عنف حتى في أعمق الصراعات والحروب:
1. آليات إبلاغ آمنة:
- إنشاء منصات إلكترونية مُشفَّرة للإبلاغ عن العنف، بالشراكة مع منظمات دولية لضمان الحماية.
- تخصيص خطوط هاتفية مُؤمَّنة تعمل على مدار الساعة، مع تدريب كوادر متخصّصة على التعامل مع الحالات الطارئة.
2. دعمٌ اقتصادي عاجل:
- توفير مِنَح مالية للنساء المُعنَّفات لضمان استقلالهنَّ المادي.
- إنشاء صندوق طوارئ مجتمعي لتغطية النفقات الأساسية (إيجار، علاج، تعليم أطفال).
3. حملات توعية مُستدامة:
- تفعيل برامج إعلامية تُعزِّز ثقافة الإبلاغ، وتُشجِّع الرجال على رفض العنف.
4. تجهيز مناهج تعليمية حول حقوق المرأة وإدراجها في المدارس والجامعات، مع تدريب المعلمين على مفاهيم النوع الاجتماعي.
5. تمكين المؤسّسات النسوية:
- دعم جمعيات مثل "نساء ضدّ العنف" عبر تمويل مشاريع الإيواء الآمن والدعم القانوني.
- تدريب كوادر محليّة على إدارة الأزمات النفسية الناتجة عن الحرب، بالتّعاون مع أخصائيين دوليين.
الخاتمة: غدًا نَصنَعُه اليوم
تكشفً الحربُ عن أقبح ما في الإنسانية، لكنها أيضًا تكشف عن قوةٍ لا تُقهَر. النساءُ الفلسطينيات في الداخل، اللواتي حوَّلنَ المعاناةَ المستمرة إلى إرادة للعيش بقوة وكرامة، هنَّ الأقدر على التّغيير في اليوم التالي للحرب. فالمجتمعُ الذي تُشرَكُ نساؤه في صناعة قراره، هو المجتمعُ الذي يضمن أن سلامَه القادمَ لن يكون مُجرَّد هدنةٍ بين حربين، بل أساسًا لعدالةٍ تُصان فيها حقوقُ الجميع.

سنبلة علاء الدين
صحفيّة خريجة لقب ثان في الإعلام الإستراتيجي وتعمل مراسلة في وكالة الجرمق الإخبارية.