متاهات الحرب وتشويشات الخرائط

شاع استخدام تطبيقات "ويز" أو "غوغل مابس" بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة، بهدف الملاحة والوصول إلى هدفنا في السفر عبر المركبات خصوصًا أو غيرها. في ظلّ الحرب، يصعب ذلك، وإن كانت الاحداثيات صحيحة ستظهر ربّما في بلدٍ ودولةٍ أخرى، هذهِ التشويشات تزداد بشكلٍ متسارع في ظرفِ الحرب، لماذا؟ لنعد قليلًا بالزمن لنتعلم كيف تعمل الأقمار الصناعية والملاحة، ومتى أصبحت متاحة للاستخدام المدني.

الأقمار الصناعية هي أجسام صناعية تدور حول الأرض في مدارات ثابتة أو متغيرة. تستخدم هذه الأقمار لأغراض متنوعة وتوفر العديد من الخدمات والمعلومات ومن بينها:

  1. رصد الأرض، يتيح لنا الاستفادة من الصور الفضائية لرصد الظواهر الطبيعية والتغيرات البيئية على سطح الأرض.

  2. الاتصالات، تُستخدم الأقمار الصناعية لتوفير خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية.

  3. الملاحة، تشغيل أنظمة الملاحة مثل "GPS" ويعتمد على إشارات من الأقمار الصناعية ومن بينها؛ الملاحة العامة وتستخدم في السيارات، الطائرات والسفن لتحديد المسار والاتجاه. والرياضة والتسلية وتستخدم في نظم تحديد المواقع الشخصية للمشي، ركوب الدراجات، التسلق وغيرها… وأيضًا العسكرية، تستخدم في التشغيل العسكري والتنقل الاستراتيجي. وأخيرًا البحث العلمي، تستخدم لأغراض البحث العلمي في مجالات مثل الفيزياء والكيمياء والفلك.

أما أنواع الأقمار الصناعية:

  • أقمار الاتصالات: تقوم بنقل الإشارات الراديوية بين الأرض والمكان الذي يتم توجيه الإشارة إليه.

  • أقمار الاستشعار البعيد: تستخدم لالتقاط الصور والبيانات من الأرض لأغراض مثل رصد المناخ والزراعة.

  • أقمار الملاحة: تستخدم لتحديد المواقع على سطح الأرض بدقة باستخدام تقنيات الموجات الراديوية.

هنالك عدة شركات ووكالات فضائية التي تديرها ومن بينها "ناسا" و"سبيس إكس". ان استعمال المصطلح الدارج "GPS" ليس دقيق، لأنه نظام من عدة أنظمة أخرى للملاحة. المصطلح الصحيح هو "GNSS" اختصار لجملة "Global Navigation Satellite System"، والتي تترجم إلى "نظام الملاحة الفضائي العالمي". يُعتبر "GNSS" نظامًا فضائيًا يستخدم مجموعة من الأقمار الصناعية لتحديد المواقع على سطح الأرض وتحديد الزمن بدقة. النظام يعتمد على شبكة من الأقمار الصناعية الموجودة في مدارات حول الأرض.

وهنا يكمن النظام الأكثر شهرة وانتشارًا في "GNSS" هو نظام تحديد المواقع العالمي "GPS -Global Positioning System" الذي أنشأته الولايات المتحدة. إلا أن هناك أنظمة أخرى تابعة لدول أخرى تقدم خدمات مماثلة، مثل نظام "غلوناس" الروسي (GLONASS)، نظام "بيدو" الصيني (BeiDou)، نظام "غاليليو" الأوروبي (Galileo)، نظام "QZSS" الياباني، نظام "ناف آي سي NavIC" أو ما يدعى أيضا بـ "IRNSS" الذي طوّرته الهند ويخدم الهند والدول المجاورة. يعرف جمع استخدام أجهزة تحديد المواقع بين الأنظمة المختلفة باسم "التلاعب المتعدد" ويوفر دقة أعلى واستقرارًا أكبر، وغالبًا ما يتم دمجهما في الأجهزة الحديثة.

الخصائص الرئيسية لـ GNSS:

تحديد المواقع، يُستخدم GNSS لتحديد المواقع بدقة عن طريق استقبال إشارات من مجموعة من الأقمار الصناعية.

تحديد الزمن، يمكن لأنظمة GNSS تحديد الزمن بدقة عن طريق مزامنة الساعة الداخلية للأجهزة الاستقبال مع الإشارات الواردة من الأقمار.

التنقل والملاحة، يُستخدم GNSS في العديد من التطبيقات مثل الملاحة في السيارات، والطيران، والملاحة البحرية.

الدقة، يُعتبر GNSS نظامًا دقيقًا، حيث يمكن تحديد الموقع بدقة تتراوح من عدة مترات إلى بضع سنتيمترات باستخدام تقنيات مثل تصحيح الزمن التفاضلي (DGPS) أو (RTK).

الاستخدامات المدنية والعسكرية: يستخدم GNSS في العديد من التطبيقات المدنية مثل الهواتف الذكية وأجهزة الملاحة، وكذلك في التطبيقات العسكرية.

تطور التكنولوجيا: يشهد نظام GNSS تطورًا مستمرًا، حيث يتم إطلاق المزيد من الأقمار الصناعية وتحسين التقنيات لتحسين دقته وأدائه.

يتم تحديد موقع المستخدم بناءً على الإشارات التي ترسلها هذه الأقمار. يستخدم الجهاز الذي يتلقى إشارات الأقمار الصناعية معلومات الوقت والمسافة من أكثر من قمر لتحديد الموقع بدقة. يتطلب تحديد المواقع بدقة استخدام إشارات من أربعة أقمار صناعية على الأقل، ولكن الجهار يستعمل جميع الأقمار المتاحة لتحديد الموقع بشكل أدق. 

تاريخ استعمال الأقمار الصناعية للملاحة من قبل المدنيين يعود إلى فترة مبكرة من تطور التكنولوجيا الفضائية. في البداية، كانت تقنية تحديد المواقع باستخدام الأقمار الصناعية حكرًا على الاستخدامات العسكرية، وخاصةً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. تم إطلاق أول قمر صناعي لتحديد المواقع والملاحة من قبل الولايات المتحدة هو قمر "Navstar 01"، والذي كان جزءًا من نظام "GPS". وتم إرساله في عام 1978. 

في البداية، كانت إشارات "GPS" محدودة للاستخدام المدني، وتم تشويشها بشكل غير دقيق بغية تقييد استفادة الخصم العسكري منها. مع مرور الوقت ونظرًا للأهمية الكبيرة لتقنية تحديد المواقع للمدنيين في مجالات مثل الملاحة، والنقل، والطيران المدني، بدأت الحكومة الأمريكية في فتح إشارات "GPS" للاستخدام المدني. في عام 1983، أعلن الرئيس الأمريكي رونالد ريغان عن توفير إشارات "GPS" بشكل كامل للاستخدام المدني. تم تعزيز هذا الإعلان بقرار رئيسي في عام 1996 حينما قام الرئيس بيل كلينتون بتحديد أنظمة تحديد المواقع الفضائية، بما في ذلك "GPS"، ستصبح متاحة للاستخدام المدني دون قيود أو تشويش. من ثم، بدأ الاستخدام الشامل لتكنولوجيا "GPS" بين المدنيين وازدادت التطبيقات اليومية والاقتصادية لها.

تحدث التشويشات في العديد من السياقات والتقنيات لأسباب مختلفة مثل التداخل الكهرومغناطيسي، تداخل الإشارات الراديوية، التداخل الإلكتروني التي يمكن ان تكوّن تشويشات ناتجة عن التداخل بين إشارات كهربائية أو مغناطيسية، او إشارات راديوية لاتصالات لا سلكية، او تيارات كهربائية سريعة في دوائرها الداخلية. هنالك أيضا الظروف الجوية مثل العواصف الرعدية التي يمكن أن تسبب تشويشات في الاتصالات اللاسلكية مثل البرق الذي يولد إشارات كهربائية قوية يمكن أن تؤثر على الإشارات الراديوية.

يقوم الجيش في الحروب باستخدام التكنولوجيا بشكل عمد لتعطيل أو تشويش أنظمة الاتصالات أو الأنظمة الإلكترونية لدى العدو. يعتبر هذا النوع من التشويش جزءًا من الحروب الإلكترونية والتكتيكات العسكرية الحديثة. يتم استخدام تشويشات الجيش لتقليل قدرة العدو على التحكم في أنظمته الإلكترونية والاتصالات، مما يؤدي إلى تقليل كفاءة قدراتهم العسكرية، ومنها:

  1. تشويش التحديد والملاحة: عندما يكون العدو يعتمد بشكل كبير على تحديد المواقع باستخدام الأقمار الصناعية، يمكن للتشويش على إشارات الأقمار الصناعية أن يقلل من دقة التحديد ويجعل من الصعب على العدو تحديد مواقعه بدقة.

  2. تعطيل الاتصالات والقيادة: تستخدم القوات العسكرية الحديثة تقنيات الملاحة الفضائية في أنظمتها القيادية والاتصالات. من خلال تشويش إشارات الملاحة، يمكن تعطيل العدو في قيادة قواته وتنسيقها.

  3. التمويه والإلغاء: يمكن استخدام التشويش لتعتيم معلومات الموقع الخاصة بالقوات العسكرية وخلق تشويشات وهمية لتضليل العدو بشأن المواقع الحقيقية أو الأنشطة العسكرية، مما يجعلها أقل عرضة للاستهداف العدو مما يقلل من قدرتها على اكتشاف وتتبع الأهداف الجوية.

  4. الحفاظ على السرية: قد يكون الجيش يشوش على الأقمار الصناعية للحفاظ على السرية في حركاته وعملياته العسكرية، حيث يمكن للعدو استخدام معلومات الموقع للتنبؤ بتحركات القوات.

  5. السيطرة على المجال الفضائي: في بعض الحالات، يمكن أن يشوش الجيش على الأقمار الصناعية لتحقيق السيطرة على المجال الفضائي وتقليل القدرة العدو على استخدام الأقمار الصناعية بشكل فعال.

  6. تقليل فعالية العدو: يهدف تشويش الجيش إلى تقليل القدرة الفعّالة للعدو في استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمراقبة الإلكترونية.

يتم تنفيذ عمليات التشويش بحذر، حيث يتعين على الجيش تحقيق أهدافه الاستراتيجية دون التأثير الكبير على الأنظمة الحيوية الأخرى التي تعتمد على الأقمار الصناعية، مثل الطيران المدني والاتصالات والملاحة البحرية. لذلك قد نلاحظ عند استخدامنا تطبيقات الملاحة في هذه الأزمنة، قد نرى المسار الصحيح خلال القيادة، وفي منطقة معينة نرى موقع خاطئ.

الياس عيساوي

مدير مُنتَج ومشاريع خبير في ستارت اب، محاضر ومركز في كليات، صانع محتوى بودكاست نحكي ع رواق، مرشد أكاديمي ومرشد لشركات ناشئة مبتدئة، ناشط في جمعيات خيرية وثقافية

 

مهتم
مقال رائع، كل الاحترام
الثلاثاء 2 كانون الثاني 2024
روان
معلومات مهمة ومقالات رائع .. شكرًا
الأحد 14 كانون الثاني 2024
روان
☆ مقال
الأحد 14 كانون الثاني 2024
شاركونا رأيكن.م