هندسة الوعي والقوة المعنوية والأخلاقية: إخفاقات الإعلام العبري نموذجاً
للحروبِ ساحات مختلفة، منها ساحة المعركة العسكريّة حيث المواجهة المُباشرة والتي تضمُّ وحداتها العسكرية المُختلفة وآلياتها الحربية المتنوّعة وعناصرها البشريّة الموزّعة، ومنها كذلك الساحة الإعلاميّة والتي ان لم تكن مُباشرة من حيث الوقوع، الّا انها أساسية فيما يتعلّق بقضيّة التأثير على صياغة الوعيّ المحلّي والخارجي تجاه المُجريات الحاصلة في ساحة المعركة، كما على هندسة حالة المُجتمعات المُنخرطة فيها، النفسيّة والمعنويّة منها. لجدليّة العُلاقة المُنبثقة بين آليات الساحتين ومقدار تماسكهما وتلاحمهما، تأثيرٌ كبيرٌ على نتائج الحرب، ان كان عسكريًّا، معنويًّا وحتّى أخلاقيًّا.
ان ألقينا نظرة تمعنيّة على تاريخ البشريّة، كان بمقدورنا ان نلحظَ الدورَ التاريخيّ والأساسيّ الذي لعبته ولم تنفكّ المعدّات العسكريّة في تحديد مسار الحروب وخطوطها وكلّما كانت المعدات متطورة أكثر، وان لم تكن دقيقة بشكل كافي، كان وقعُها على المعارك قويًّا الى درجة حسمها لصالح طرف هذا او اخر. من اهمّ الأمثلة التي تبرز في التاريخ الحديث هو انعكاس التنافس التكنولوجي بين أوروبا التي خرجت من العصور الوسطى الى عصرٍ حداثيّ تكنولوجياً، وبين الإمبراطورية العثمانية التي سيطرت على بقع جغرافية واسعة من الكرة الأرضية لمئات السنوات، ولكنّها لم تركبْ عجلة التطوّر التكنولوجي بنفس السرعة وبالتالي خسرت الحرب واِنهارت بشكلٍ لا رجوع فيه. إن تطوّر التكنولوجيا الحربية في أوروبا هو الذي ادّى إلى انتصارها في الحرب العالمية الأولى على الإمبراطورية العثمانية ما ادّى الى تغيير وجه تاريخ البشرية جمعاء. خصوصا تاريخ الشرق الأوسط وتجزئته الى دول تتنازع على سيادتها، ومعتمدة على اقتناء تكنولوجيتها الحربيّة من دول وصناعات الخارج.
لا جديد في الادعاء القائل بأنَّ توفّرَ الصناعات والتكنولوجيا العسكرية في بعض الدول وعدمها في دول أخرى، يلعبُ دورا جوهريًّا في تحديد علاقات القوة بينها بالرغم من الحاجة للفصل القاطع واللازم بين التطوّر التكنولوجيّ والشرعية الأخلاقية للعلاقات الدولية والمجتمعيّة. هنالك فرقٌ بين الدول التي تنجح ان تطوّر قطاع الصناعة التكنولوجيّة الحربيّة داخلها، وبين تلك التي تعتمد على شرائها من الخارج، حيث يكون حراك وقدرة الأخيرة على مواجهة تحديات خارجية متعلقة بشكل مباشر بعلاقاتها مع دول عُظمى مصدّرة للصناعات والتكنولوجيا العسكرية. هذا الفرق بين هذه النماذج من الدول، هو مؤشرٌ ليس فقط على تطوّر الدول فحسب وانّما أيضا على استقلاليتها الحقيقية في عالم مليء بالتنافس والصراعات. من جهة أخرى، تفوّق في القدرة على تطوير السلاح وتصديره لمصالح نفعية اقتصادية، أو استعماله لحسم الحروب لا تعني تفوّق أخلاقي وحتمية قيميّة. إنّ التداولَ والسجالَ في العلاقة بين المستويين يدفُعنا للتعليق على دور الإعلام في الحروب، بدلًا عن الانصياع لقوالب فكرية ودعائية أحادية التفكير واختزالية المقاصد، ترى الإعلام من فوهة البندقية أو الدوافع الحيوانية العنفوانية فقط.
الساحة الإعلامية للحرب واسعة النطاق ولها أكثر من حيّز داخلي وخارجي، ولذلك لها دور كبير ليس في تحديد الوعي الجماهيري المحلي والخارجي حول الحرب فحسب، وإنما في تحديد اخلاقيات الحروب، إذا صح التعبير وتمّ الاجماع على انّ للحروب آدابها واخلاقها لكونها جزء، حتى وإن كان مؤسفاً، من الحياة البشرية. دعونا نبدأ من الفرضية العامة القائلة بأنَّ من أهمِّ جوانب الحروب هو الجهوزية النفسية وتماسك الوعي بمصداقية الحرب عند المجتمعات المنخرطة في مواجهة عسكرية، بغضّ النظر عن نوعية هذه المُواجهة وأسبابها. انّ الجانبَ النفسيّ والادراكيّ للمُجتمعات التي تتواجد في مواجهة عسكرية مع أطراف خارجية، هو مركب ذو سيولة حيث انه ليس بمعطى ثابت وقائم بحدّ ذاته، مِن الممكن قياسه بحسب كم المعدات العسكرية المتاحة وتطورها، وعدد الجنود المشاركين فيها ومدى نجاعتهم في استعمال الأسلحة وإلى ما ذلك، بل يتعلق بعمليات صياغة وصيانة مستمرّة تأخذ بزمامها وتقودها قيادات المجتمع واجهزته الأيديولوجيّة المختلفة على رأسها مؤسسات الاعلام الحديث، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعية. من بين أهمّ مركبات الجهوزية النفسية للمجتمعات المنخرطة في الحرب، هو الاتّساق الأخلاقي حول شرعية الحرب ومدى ارتباطها بأمن الدولة والمجتمع داخلها. لهذا، من الجائز طرح الادعاء الذي ينصّ على انّ القناعةَ الذاتيَّة للمجتمع بصدقية الحرب وما ان كانت وجودية أم لا، تُعطي قياداتها وأجهزتها العسكرية القدرة على مواجهة تحديات الحرب واستمرارية المواجهة لمدة زمنية طويلة.
لهذا ليس من المستغرب الحديث عن الدور المركزي للإعلام، ليس في صياغة الوعي المحلي والتماسك المعنوي والنفسي للمجتمع وتوجيهه بأشكالٍ تتماشى مع ارادات النخب المهيمنة في المجتمع فحسب، وإنما أيضاً في سحب الشرعية عن الطرف الآخر للحرب، التعتيم على تداعيات الحرب الوخيمة عليه ودحض الادعاءات الأساسية المتعلقة بشرعية مقاصده ومصالحة. إنّ مدى ومضمون الوعي الذاتي ومفهوم الاخر، أي هوية العدو، تمثّلُ دوراً مهماً في عمليات بناء التماسك النفسي المجتمعي، لكي يتمّ تحديد جهوزية المجتمع لمواجهة تحديات الصراعات والحروب. لذلك، يتحوّل التحكّم في المعلومات التي يبثُّها الاعلام وكيفية صياغته لها، إلى عامل مركزيّ في بناء الوعي وهندسة الحالة النفسية للمجتمع. يدفعُنا هذا للقولِ بانّ على كل من يريدُ ان يفهمَ سيرورة تاريخ الحروب ان يتنبّه ليس الى الصناعة والتكنولوجيا العسكرية فقط، انما أيضا الى قدرة النخب والقيادات في التحكم في تدفّق المعلومات التي لها أثر ملحوظ على ما أسلفناه من قبل، خاصّة فيما يرتبط بعامل المجتمع النفسي، وقناعته بصدقية الحرب التي تمكّن قياداته من تنفيذ سياساتها على ساحات المعركة.
المركب الإدراكي والنفسي اخذ بالتحول في العقود الأخيرة بسبب تطور تكنولوجيا الاتصال، خصوصاً الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي اللذين عزّزوا دور توفّر المعلومات المتعلّقة بالحرب وكيفية إدارتها من جهة، لكنّهم من جهة اخرى ادوا الى فقدان قدرة النخب والقيادات في الدول المختلفة السيطرة على كمّ المعلومات والقالب الذي به يستقبله الجمهور. لذلك، يتحوّل التعدد في مصادر المعلومات إلى سيف ذو حديّن، من شأنه أن يفسحَ المجال للقيادات العسكرية والنخب السياسية في إيصال ما تحدده من معلومات لجمهور هدفها، ولكنّ في نفس الوقت توفر وسائل الإعلام المتنوعة صور بصرية ومعلوماتية من شأنها أن تشكّل حائلا امام النخب والقيادات من خلال الحدّ من سيطرتها على كلّ ما يصل الجمهور من معلومات وتحليلات تُؤثّر في تكوين وعيه العام وصناعة حالة مجتمعه النفسيّة في حالة الحروب. لذلك، بمقدورنا القول بان هناك فروقات كبيرة جدًّا بين دول مختلفة في هذا الشأن. في سبيل تبسيط الأمر، بإمكاننا الفصل بين الدول التي نجحت بالحفاظ على تلائم مجتمعي قوي وتماهي وجداني مع النخب والقيادات بكل ما يتعلّق بتحديد المخاطر التي تواجهها الدولة والمجتمع، من خلال خلق تراتب واضح بين المعلومات الرسمية التي تصدرها أجهزة الدولة على رأسها المؤسسات العسكرية، وبين توفير معلومات بديلة من مصادر غير رسمية مختلفة، وبين دول لم تنجح في الحفاظ على هذه التركيبة. إن النموذجَ الثاني أقل أهمية في مخاض هذا التحليل وذلك لأنه لا يوفّر لنا إجابة على السؤال: كيف من الممكن في عصر تتوفر فيه وسائل اتصال متنوعة وعديدة وسريعة كالبرق، ان تتمكن دول معيّنة من الحفاظ على تناسق أو اتساق في خطابها المتعلق بالحرب، بشكل مباشر أو غير مباشر، وإقناع جمهورها بشرعية ومصداقية خوضها الحرب بما في ذلك استراتيجيتها المُنتهجة، بغض النظر عن تبعاتها النفسية والاقتصادية ليس على العدو فحسب وإنما أيضاً على المجتمع نفسه. نجاح من هذا النوع ممكن أن يتم بواسطة استعمال آليات قانونية أو عمليات قمع أخرى لإسكات كل من لا يغرد مع السرب بحسب ما ترتئيه القيادات السياسية والعسكرية صحيحاً. لكن السؤال الأهم من السابق هو كيف لدول معينة أن تنجحَ في ذلك ليس من خلال استعمال هذه الآليات القمعية، وإنما بشكل طوعي من قبل وسائل الإعلام والقائمين عليها، بحيث يصبح لوسائل الاعلام دور ليس سياسي أو استراتيجي فقط، وإنما أخلاقي وقيمي مركزي ايضاً.
يقودنا هذا الى اهميّة الحديث عن هذا النموذج، الذي يتيح لنا إمكانية التعمّق في العلاقة العضوية بين النخب والقيادات وسائر المجتمع بكل ما هو مرتبط بتصميم الوعي العام وهندسة التركيبة النفسية للمجتمع في حالات الحرب أو بالأحرى قبل اندلاعها، لكي تضمن هذه الدول الوصول إلى حالة حربية لا حاجة فيها الاستثمار الكبير في اقناع الإعلام بترديد معلومات وتحليلات المؤسسة العسكرية كالببغاء، دون نقد ومُساءلة لها أو توفير ما هو معلوم لديها من مصادر خارجية تنقض الوجهة الرسمية للدولة وقياداتها، لتمارس بالتالي دورًا أخلاقيًّا فعّالًا في نصب حدود معقولة للقائمين على أجهزة الدولة العسكرية والأمنية واظهار أفق انساني للمجتمع الذي يعمل داخل محورِهِ هذا الإعلام.
قبل أن نخوضَ في مرحلة الإجابة على هذه التساؤلات، لا بدّ من التأكيد بانّ الدول التي تنجح في استغلال كلّ أجهزة الاعلام والتكنولوجيا الإعلامية المُتاحة وتسخيرها من أجل الحفاظ على تماسك المجتمع النفسي، قادرةٌ على ان تحوّل هذا التماسك النفسي الى عامل مهم في حالات اشتعال الحرب. يعتمدُ هذا النموذج على مصداقية وسائل الاعلام تجاه المجتمع حتّى وان كانت المعلومات التي توفرها لجمهورها منقوصة بشكل متعمّد. عملية اقناع المجتمع بانّ مصدر المعلومات الرسمي يوفّر الكم اللازم من المعلومات وتحويل كل ما لا يتم بثّه أو نشره الى معلومات فائضة، من شأنها ان تخدم العدو في حال تم التطرق لها في وسائل الاعلام، هي عامل مهم لا يمكن الانتظار للتعويل عليه إلى وقت الحرب. إن الفرز بين أنواع مختلفة من المعلومات، إضافة الى الحفاظ على خط ثابت من التحليل يخدم إرادة النخب والقيادات، هو مركب مهم في استراتيجيات الحرب والسلم يتم بناؤه على مدار عقود وسنوات. من أجل الحفاظ على التماسك النفسي للمجتمع، يتمّ على الدوام توفير معلومات وتحليلات بشكل انتقائي بناءً على توافقات اجتماعية وسياسية داخلية تضمن حراك المؤسسات الإعلامية في إطار متفق عليه لتغدو شريكة رسمية في مواجهة مخاطر خارجية في حالات الحرب. لا يقتصرُ دور الإعلام على توفير معلومات تتعلّق بأطراف المواجهة داخل الحرب- والذي يؤدي دورا فعالا في الحفاظ على نفسية المجتمع وقيادة وعيه، بل يصل بهم الى تعزيز شرعيّة الحرب والاستمرار في مواجهة العدو، من خلال سحب الشرعيّة عنه بعد الإشارة الى تجاوزاته الأخلاقية والعسكرية، وهو فعل يؤدي وظيفة جديرة في عمليات الفرز والتراتب بين مصداقية ممارسات هذا الطرف مقابل نزع الشرعية عن ممارسات الطرف المقابل من المواجهة. وقبل أن ننتقل إلى الحالة العينية التي نستغلها للتأكيد على فرضيات وادعاءات هذا التحليل، لا بد من التذكير مرة أخرى بأن المقياس الأخلاقي لآداء الإعلام لا يقلُّ أهميّة عن آدائه المعنوي والادراكي والنفسي، ولا يمكن اقتصار الدور المجتمعي للإعلام على توفير المعلومات أو التحليلات دون التعامل مع كمها وكيفها وطريقة تسخيرها ولأي اهداف أو آفاق مستقبلية تصبو.
إن الدوّر الذي يؤديه الإعلام في حالات الحرب يمكن أن يكون أكثر قدرة من حيث التأثير إذا ما كان هنالك ذراع إعلامي عسكري يتحكّم في كافّة المعلومات بشأن ساحات الحرب، فيكون الوحيدَ القادر على تحديد ما وجب نشره أو حجبه عن مسامع جمهور هدفه. أحد الأمثلة القوية لهذا هو النموذج هو الذي نراه في الوضع الإسرائيلي-الفلسطيني القائم. وبما أننا منكشفون أكثر بواقع السياق والجغرافيا على الواقع الإسرائيلي، من المعقول أكثر التطرق لهذا الطرف بهدف التعمق أكثر بدور الإعلام في حالات الحرب.
من الواضح ان الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية مبنية على الاتساق ما بين التفوّق التكنولوجي العسكري وبين صياغة الوعي والجهوزية النفسية للمجتمع الإسرائيلي عن طريق التحكم بمصادر المعلومات التي يوفّرها الجيش، واعتماد هذه المعلومات من قبل أغلبيّة وسائل الاعلام الإسرائيلية بشكل كامل. ما نراه في الأشهر الأخيرة هو نموذج متطوّر للتماسك بين هذين المركبين – تفوّق تكنولوجي للمعدات العسكرية وتماسك كبير بين وسائل إعلام متنوعة تتنافس فيما بينها في الأوقات العادية - حتّى وان كانت هناك معلومات توفّرها وسائل اعلام خارجية مشككة في المعلومات التي يوفّرها الجيش الإسرائيلي من داخل ساحات المعركة في هذه الحرب.
نجح الجيشُ الإسرائيلي ان يستغلَّ الحالة النفسية للمجتمع وفقدان الثقة العام بعد احداث السابع من أكتوبر 2023 الصعبة، ليس في شرعنة الحرب على غزة بالشكل الذي يقوم به فحسب، وانما أيضا في تحويل وسائل الاعلام الإسرائيلية المتنوعة على كل مشاربها-عدا عن بعض الشواذ القليلة مثل صحفية هآرتس- الى ذراع مهم ويد شريكة في فعل الشرعنة هذا: بناء الوعي وصياغة التكوين النفسي للمجتمع الإسرائيلي في ساحة المعركة لخدمة رؤيته للواقع ولشرعنة ما يقوم به من تكتيكات عسكرية ليس امام الجمهور الإسرائيلي فحسب وانما امام انظار العالم ايضاً بالرغم من إخفاقه في هذا المسعى. لا شك بانّ قدرة الجيش الإسرائيلي تجنيد الاعلام العبري وتسخيره لصالح الخطاب الرسمي مبني على مقومات حقيقية من أهمها حالة الرهبة والخوف الذي خلقتها احداث السابع من أكتوبر، ولكن في المقابل، لا يمكن التغاضي عن سهولة جهوزية المجتمع الإسرائيلي تبنّي استراتيجيّة وخط الجيش الإعلامي بالرغم من حالة الخذلان التي تعيشها منه ومن أدائه المتدنّي في ذلك اليوم، وما تدلّ عليه من نموذج هو في الأصل متجذّر بعمق الوعي الإسرائيلي ويحوي على مركبات سوف نقوم بتبيانها في الاسطر القادمة.
من اهمِّ مركبات هذا النموذج هو القناعة العميقة في المجتمع الإسرائيلي بشرعية سياسات إسرائيل تجاه القضية الفلسطينية، خصوصا عمليات الفرز كما يتم توصيفها مجازيا في الاعلام الإسرائيلي بأنها بين: "أبناء النور وأبناء الظلام". هذا الاختزال للواقع إلى ثنائية متناقضة وقسرية في الوعي الاسرائيلي تم العمل عليه منذ عقود ولهذا فهو ليس بجديد، مع أنه اخذ منحا جديدا وأكثر عمقا بعد السابع من أكتوبر 2023. تحليل سريع لمضامين الاعلام الإسرائيلي المتلفز والإذاعي والصحافي، يُظهر بشكلٍ واضحٍ انّ هناك تناسقا كبيرا بين ما يتمُّ بثُّه في هذه الوسائل التي تحظى بنسبةٍ عالية من المشاهدة والاستماع في المجتمع الإسرائيلي، وتشكّلُ مصدرًا أساسيًّا للمعلومات المتاحة حول الحرب والتحليلات حولها. كما انّ قراءة سريعة للصحف اليومية الإسرائيلية المتنوعة وتعمق في مضامين أخبارها وتحليلاتها تظهر بانّه حتى وان طرأ اختلافٌ على العناوين، من الممكن الفصل ما بين التوافق الكبير حول شرعية الاستراتيجية الحربية الإسرائيلية ومصداقية الاليات العسكرية المستعملة، والّتي من القليل ما يشاهد المجتمع الإسرائيلي تبعاتِها المدمَّرة على ارض الواقع وبين الاختلاف الطفيف المتعلق ببعض التكتيكات العسكرية في ساحة المعركة. وينعكس الخطاب الإعلامي الإسرائيلي ليس فقط في دعوة كم كبير من العسكريين السابقين للتحليل وتقديم رؤيتهم للحرب، وإنما ايضاً في تحوّل المراسلين العسكريين وصحفيين اخرين يتوقون إلى النجاح أو الشهرة إلى متحدثين باسم الجيش ومستشارين له يوفرون معلومات ورؤى تحليلية ويقدّمون النصائح والتوجيهات لما يجب على الجيش القيام به في ساحات المعركة، بما في ذلك الممارسات التدميرية وأساليب القتل المفتقرة الى معاني الرحمة، حتى اتجاه المدنيين العزّل.
هنالك اجماع اسرائيليّ واسع حول مصداقية الحرب والياتها العسكرية المتنوعّة على غزة وليس على حماس فقط. وحتى وان تمّت نقاشات إعلامية حول هذه الحرب، فإنها في أغلب الأحيان لا ترتقي الى بعض التساؤلات المطلوبة في حالات من هذا النوع خصوصا بما يتعلّق بالسياق التاريخي للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ومستقبله ومنظومة الحقوق والقيم الأخلاقية التي من خلالها يجب التعامل معه. الرائجُ في الاعلام الاسرائيليّ هو تغييب الصورة الكاملة عن أحداث هذه الحرب، حيث انّ الاعلام الإسرائيلي بأكمله لا يوفّر المعلومات والصور اللازمة حول ما يحدث في ساحات المعركة، وبالتالي ينتقص من قدرة المجتمع ان يبادر في التفكير في جدوى الحرب وامكانيتها في حلّ الجذور الأساسية للصراع الذي في رحاه تدور هذه الحرب. لهذا، يجب التنويه بأن ما يقوم به أو بالأحرى ما لا يقوم به الإعلام الإسرائيلي هو ليس خيانة الامانة المهنية فقط وانما ايضاً الأمانة الإنسانية اتجاه مجتمعه الذي من واجبه أن يرى الحقيقة بأكملها لكي يتمكّن من اتخاذ القرارات التي يريدها بناءً على وعي ودراية تامة بالمسؤولية التي يتحمّلها عما يجري معه وله. لا يعني ذلك بأن على الإعلام الدخول في تكتيكات الحرب أو توفير معلومات من شأنها أن تخدم الطرف الآخر، وإنما توفير معلومات تبيّن للمجتمع المشهد الأوسع والأشمل للحرب، الذي من شأنه الحدّ من إنجراف المجتمع نحو تحويل الحرب الى مشروع انتقام وعقاب ليس فقط من الفئات المنخرطة من الطرف الآخر في هذه الحرب، بل من كلّ من يقطن غزّة بما فيهم الغزيين العزّل. إن هذا النوع من التغطية الإعلامية الانتقائية وعرض تحليلات تقتصر على تعزيز الشرعية لما يقوم به الجيش يغذي المشاعر الغرائزية الحيوانية للمجتمع بدل أن يوفّر ما هو مطلوب للتداول العقلاني المعقول لكي لا تتحول الحرب إلى عملية انتقام كما أسلفنا من شأنها أن تطيل حالة الصراع وإرادة الانتقام عند الطرف الفلسطيني حتّى. ما يقوم به الإعلام الإسرائيلي هو حجب المعلومات والمشاهد والصور لمعاناة الغزيين كذلك، ليحدّ من قدرة المجتمع الإسرائيلي ليس تحديد مسار الحرب بشكل عقلاني فحسب، وإنما ايضاً حجب امكانية أن يرى معاناة عدوه ليس من أجل أن يشفي غليله، بالرغم من أهمية ذلك في سيكولوجيات الحروب، ولكن من أجل القدرة على الانتقال من هذه المرحلة، إذا ما تمت، إلى التفكير العقلاني والإنساني الأخلاقي بما يحدث. إن الانقطاعَ عن مجريات الاحداث بشكل كامل من شأنها أن تنتج وعي غرائزي وحتى وحشي ينتقص من قدرة المجتمع أن يتعامل بشكل أخلاقي مع الطرف الآخر والفصل بين من يراهم كأعدائه، ومن هم ليسوا منخرطين في الحرب من المدنيين والعزّل. لقد تحوّلت العديد من وسائل الإعلام العبرية إلى اداة هدفها اشباع غرائز الإسرائيليين الأولية وتعزيز إرادة الانتقام وإعطاء الشرعية لاستمرار الحرب من خلال التركيز على إظهار صور النجاحات التي نراها على شاشات التلفزة ونسمعها في الاذاعات وتدغدغ مشاعر الإسرائيليين وحاجتهم للدعم النفسي، مقابل التعتيم على المعاناة التي يتكبدها مئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين العزل، الذين فقدوا منازلهم ومقومات الحياة الاساسية.
من الواضح بانّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ليس قابلا للحل بوسائل عسكرية. لذلك يتحوّل عدم النقاش في جدوى وتداعيات العمليات العسكرية في قطاع غزة، خصوصا المسّ السافر بأمان كمّ هائل من المدنيين الذين لا صلة مباشرة لهم بمنظومة المقاومة الفلسطينية ولكنهم يدفعون ثمنا هائلا جراء فائض القوّة الهائل للجيش الإسرائيلي واستعماله تكتيكات عسكرية، تدمّر البنى التحتية وأماكن السكن ما يؤدي الى التهجير وتحويل مئات الآف الفلسطينيين الى لاجئين دون مأوى، إلى عامل مهم في تحديد شكل مستقبل المنطقة برمّتها، ما يُظهر الدور السلبي للإعلام ليس اتجاه ضحايا الطرف الآخر فحسب وإنما ايضاً اتجاه المجتمع الإسرائيلي، الذي هو بحاجة لمن يوجهه إلى المنحى الإنساني الصحيح الذي يضمن له الأمن والأمان في المستقبل.
عدم التطرق لثمن الحرب على جميع الأطراف في الإعلام الإسرائيلي يغيّب أحد العوامل الأساسية في رد الفعل الفلسطيني المستقبلي وبالتالي يحيي الصراع بجوانبه المؤلمة كما شاهدنا في السابع من أكتوبر 2023 ونشاهده الان في مواقع مختلفة في قطاع غزة. إنّ الاعلام الإسرائيلي يغيّب كذلك الفرق ما بين الأغلبية الساحقة من المدنيين الفلسطينيين وبين قوى المقاومة الفلسطينية في عمليات المواجهة العسكرية، كما انّه، بأغلبيته على الاقلّ، ضليعٌ باختزال الواقع المركب الى حالة ثنائية متناقضة، تفرق بين الجانب الإسرائيلي الذي يتم اظهاره بكونه محق بشكل مطلق لا تشكيك به وبين جانب فلسطينيّ تُسحب عنه الشرعية بشكل كامل الى حدّ شيطنة قياداته، بشكل تمنح الشرعية للجيش الإسرائيلي استعمال كل الآليات المتاحة بما في ذلك قصف أماكن سكن مكتظّة بقنابل ذات وزن لم نعهدها الا في حالات قليلة من الحروب في العصر الحديث. إن اختزال كل الشعب الفلسطيني إلى مجموعة إرهابيين متعطشين للدماء لا يخدم التوق الإنساني الأساسي للعيش الكريم والامن بما في ذلك للمجتمع الإسرائيلي.
كما هو جليّ، من المستبعد ان لا تستخدم النخب والقيادات الإسرائيلية الآليات المتاحة لها عسكريا واعلاميا من أجل تحقيق أهدافها وان تسخّر كل طاقاتها بما في ذلك الإعلامية من أجل ذلك. كما انه ليس بجديد لنا ان نشاهد سحب الشرعية عن أي صحفي او صحفيّة لا يغردون مع السرب ويحاولون اظهار جوانب مهمة بما فيها المؤلمة لهذه الحرب التي لا يتم نشرها في وسائل الاعلام المركزية. هذا صحيح أيضا بما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي والتي تروّج بشكل احادي تقريبا لنفس رؤية الخطاب الرسمي ليتمّ ايصاد محكم لأيّ باب نقدي او نقاش مطلوب في حالات من هذا النوع. الحالة الإعلاميّة هذه تظهر بأن المجتمع الإسرائيلي مستمرٌ في فقدان توازناته الداخلية وهي العملية التي بدأت قبل السابع من أكتوبر ومتواصلة بشكل قوي من بعده.
إن ما يتعلّق بحيوية وضرورة النقاش حول سلّم الأولويات لمواجهة التحديات الماثلة أمام المجتمع ولتجنب صبّ جلّ التعامل معها بالعمل العسكري كالألية الوحيدة لمواجهة التحدّيات الحقيقيّة له يفترض وجود إعلام مسؤول لا يرضخ للنزوات والانفعالات الانتقامية، ويسعى الى توفير المعلومات والتحليلات اللازمة من أجل المساهمة في توجيه دفة المجتمع، خصوصاً في الحالات الاستثنائية، إلى المسار الصحيح. انّ توجهات الإعلام الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر تعيد كرة هيمنة منظومة ادراكية (Conception) واحدة واحادية تجاه العلاقة مع الفلسطينيين بشكل عام ومع قطاع غزّة بشكل خاص. أن التصلّب الفكري حول القضية الفلسطينية هو الذي أدى إلى ما آلت اليه الأمور، والغريب في الموضوع أن هذا التصلب هو نفسه الذي أدى إلى توجيه الانتقاد الى القيادات السياسية والعسكرية بعد السابع من أكتوبر والذي بحسب البعض أدى إلى عدم الاكتراث بما يحدث في المجتمع الغزي والتعويل على استراتيجية إدارة الصراع وشراء الهدوء بواسطة أموال عربية.
إن هذه القراءة لتصلّب الخطاب التشهيري الإسرائيلي كما ينعكس في أغلبية الإعلام العبري، يدل على أنّ معظم مؤسسات الإعلام في إسرائيل ضالعة ليس في سدّ افق أي نقاش حول جدوى الاعمال العسكرية في قطاع غزّة كما تدور في الأسابيع الأخيرة فحسب، وإنما ايضاً في تغييب انعكاساتها على أمن المجتمع الإسرائيلي في المستقبل. لهذه العلاقة بين الحرب والاعلام وخصوصا اهميّة صياغة الوعي وهندسة النفسية الجماهيرية وجوقة الأصوات المتشابهة في الاعلام العبري، تدلّ على ان وسائل الاعلام الأساسية تخفق اخفاقا كبيرا ولا تؤدي مهمتها الأساسية ليس تجاه الضحايا الفلسطينيين الذي يعدون بالآلاف، انما أيضا اتجاه أمن المجتمع الإسرائيلي على المدى البعيد. انّ الخدمة الادراكية والنفسية التي يؤديها الاعلام الإسرائيلي في الوقت الحالي، كان من الممكن تفهمها لو ان هذا الإعلام فسح المجال للنقاش والتداول في جذور الصراع وجدوى الحلول العسكرية من أجل المستقبل وإمكانية بناءه بشكل أفضل ممّا يجري في ساحة المعركة اليوم. إلا أن هذا الإعلام يقوم بدور سلبي من خلال عدم الرضى عن اجراء نقاش حقيقي حول جدوى العمل العسكري بدون توفير أفق سياسيّ لحل مستقبلي طويل الأمد من شأنه ان يحدّ من إمكانية إعادة كرة العنف التي زعزعت أمان وثقة اغلبية ساحقة في المجتمع الإسرائيلي والفلسطيني في الفترة الأخيرة.
لهذا الإخفاق الوظائفي والأخلاقي تأثير كبير لانّ المجتمع الاسرائيلي يعتمد اعتمادًا كاملاً تقريبًا على وسائل الاعلام الإسرائيلية وغير منفتح على وسائل الاعلام اجنبية أخرى توفّر معلومات وتحليلات تُشكك في الخطاب الرسمي حول الحرب وجدواها وأخلاقيات استراتيجيتها. اعتمدَ الاعلام العبري بأغلبيته دورا في استراتيجيات الحكومة التشهيرية في العالم ويلعب دورا مركزيّا في صناعة الرأي الإسرائيلي التي تشكك وتفنّد كل ما يورد من مصادر المعلومات الخارجية حتى وان كانت تأتي من مؤسسات إعلامية ذات باع طويل في التحقيقات الصحفية مثل ما هي الحالة المتعلقة بصحيفة نيويورك تايمز الامريكية او صحيفة الجارديان البريطانية، عدا عن حالات استثنائية.
المواجهة التي يقوم بها الاعلام الاسرائيليّ مع مصادر معلومات خارجية موثوق بها بشكل عام، تؤدي الى حرمان المجتمع الإسرائيلي من الحصول على معلومات من شأنها ان تلعب دورا كبيرا في تحديد مسار الحرب وبانّ تفتح المجال لتساؤلات حول جدواها والحاجة الى بدائل دبلوماسية كانت لتحافظ على حياة كم كبير من الضحايا من كافة الخلفيات الاجتماعية. كما انها تقوم بدور سيء في سدّ الفجوات لإدخال أصوات خارجية للخطاب العام الإسرائيلي، من خلال اقتصار الخطاب الدولي حول الحرب وكأنه يمنح شرعية للطرف الاخر ويقوّض شرعية الموقف الإسرائيلي وبالتالي معنويات الجمهور. يبدو أنّ هذا الاختزال هو آلية مقصودة لكنها تعكس ضعف في صلابة الموقف الإعلامي والسياسي الإسرائيلي وهشاشة في أخلاقيات الإعلام وعدم ثقة بقدرة المجتمع الإسرائيلي بالحكم بشكلٍ مستقلٍ وعقلاني على المعلومات الواردة من الخارج. كما أنّ هذا الاختزال يلعب دور سيئ في الرؤية الخارجية لما يحدث في إسرائيل، حيث لا يمكن تعليل أو فهم الحالة الأحادية للمجتمع الإسرائيلي والوثوق المُباغت للإعلام العبري بالقيادات بعد فترة طويلة من الخلافات الجذرية إلا من خلال سياسية توحيد الصفوف اتجاه عدو خارجي وذلك لتصدير الأزمات الإسرائيلية الى الخارج، ما يخدم القيادات السياسية والعسكرية، التي تريد تبييض صفحتها بعد اخفاقها في التعامل الجدي مع مصالح واحتياجات وأمن الإسرائيليين. إنّ عدم التطرق للخلاقات والتنوع في المجتمع الإسرائيلي حول الحرب يخلق حالة من الوعي وكأن هناك ثقة مجتمعية بالقيادات، ما لا يعكس الحقيقة كما تتجلى امام اعيننا بعد أكثر من شهرين ونيف على بداية الحرب. كما أنّ عدم إجراء حوارات نوعية حقيقية حول جدوى الحرب، بالرغم من وجود تنوع، يدلُّ على أن وسائل الإعلام الأساسية تخضع لعقلية الترهيب والتخويف التي تجذرت في السنوات الأخيرة في الحيز العام الإسرائيلي.
لا بدّ من مراجعة ثاقبة لدور الاعلام الإسرائيلي في حالات الحرب في المستقبل وإذا كانت هناك نوايا لمراجعة استراتيجيّة الحكومات الإسرائيلية المتوالية حول التعامل مع الطرف الفلسطيني، فلا بدّ أيضا من توجيه الأنظار الى الدور الذي يؤديه الاعلام في هذا السياق خصوصا بما يتعلق بقمع الأصوات التي تنادي بإيجاد بدائل إنسانية للوضع المأساوي التي آلت اليه الاستراتيجيات العنفوانية المُنتهجة حتّى الان. ليس حتميًا، ولكن من الجائز لو أظهر الاعلام الإسرائيلي الحقائق للقرّاء والمستمعين والمشاهدين، لكان الوعي تغيّر بعض الشيء، ولكانت الإرادة السياسية تبدلت بقدرٍ معيّن أو على الأقل لكان الإعلام وفر صورة مختلفة عما يدور على صفحات وسائل التواصل الاجتماعية الهوجاء والتي تتمثّلُ بالتطرف والضجيج العنصري وترديد الشعارات المشيطنة للآخر ونزع الإنسانية عنه. إن ولاء أغلبية الإعلام العبري الاعمى للجيش ومن ثمّ لسياسات الحرب المبنية على الفرز القسري بين "أبناء النور وأبناء الظلام" وبالرغم من كونه ليس بجديد، يدل على أن المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية العبرية في اغلبيتها تساهم في تعزيز الشعور المعنوي العام وتساعد في صياغة الوعي المنتقم المبني ليس على اهداف استراتيجية تبشر بأفق انساني أفضل بل على العكس، تلوّح بمستقبل مليء بالدماء واستمرار العنف والقتل والدمار، ما لا يتماشى مع المقوم الأخلاقي الأساسي للتواصل الإنساني وهو التفاهم والتوافق وحل الخلافات بشكل تداولي بالرغم من فوارق القوة والاختلاف في الرأي والمصالح.
التاريخُ على امتداد أحداثه وقضاياه، لن يشفعَ للإعلاميين والإعلاميات الاسرائيلين سواء، إذا ما استفاق وعيهم وحُرّكت ضمائرهم متأخرا، وشرعوا بطرح انتقاد مسؤول وشامل حيال سياسات الحكومة والجيش التي قاموا بانتهاجها وتطبيقها خلال الحرب، وتداعياتها المستقبلية. على المستوى الزمنيّ، كان هذا هو الوقت للتخلّي عن تطبيق الدور الدعائي، والعمل وفقًا لقواعد الأمانة والأخلاق المهنية. لا يعني ذلك التخلي عن انتمائهم بل بالعكس. حيث انّ التعبير عن انتمائهم وواجبهم الوطني على أفضل نحو، لا يكون بمعزل عن التزامهم المهني المبني على إيصال الحقيقة وتبعاتها بشكل دقيق قدر الإمكان، كيّ يستطيعوا من خلاله تأدية دورهِم غير المباشر المنطوي على توعية مجتمعهم فيما يتعلّق بالمعنى السياسي والأخلاقي العميق لسلوكه في الزمن الأخير، وهو امرٌ مما لا شكّ فيه وبعيدا عن ايّ التباس، لا ينتهجونه أو يطبقونه في الوقت الحالي.
ملاحظة: الصورة لداني كوشمارو، مقدم النشرة الاخبارية المركزية في القناة 12 الاسرائيلية, 7/11/23 (صورة ملتقطة عن الشاشة).
بروفيسور أمل جمّال
باحث في مجال النظرية السياسية والاتصالاتية المقارنة والفكر السياسي وعمليات الدمقرطة والمجتمع المدني، ومدير فرع الاتصال السياسي في قسم العلوم السياسية في جامعة تل أبيب