مَمَرّات آمنَة للنَّجاة في الحَرب: الإِنْجاز مَثَلًا

الحَرب لَيست ساحة المَعركة فقط
حين نفكّر في الحرب، تتبادر إلى أذهاننا أصواتُ المَدافع، والدّمار، والألم، والموت... لكن هناك حربًا أخرى نَخوضها دون أن نُدرِكها، حربًا نفسيةً تدور في خَلَجات النفس، والقلب والعقل. فإلى جانب الحرب الفعليّة، هناك حَرب معنويّة ونفسيّة، ليس من الضروري أن تكون حاضرًا جسديًا في ساحة المعركة حتى تَشعُر بثِقَلها. يَكفي أن تُتابع نشرات الأخبار أو تَعيش في دولةٍ هي طَرَف في النّزاع لتَجِد نفسك وسط هذه الدوّامة...
تُصبح هذه الحَرب المعنويّة رويدًا رويدًا عبئًا يُثقِل كاهلنا، وقد تؤدي إلى الشعور بفقدان الشَغَف على الصّعيدين الشّخصي والمهني بحيث نَجد أنفسنا كمن نَعيش من أجل البقاء ونبحث بلا هوادة... عن النّجاة! ليس فقط النّجاة بالمعنى الجسدي، بل النفسي أيضًا، فالحرب تتسلل إلى تفاصيل حياتنا الشّخصية، والاجتماعية، والمهنيّة وتؤثر بشكلٍ أو بآخر على جميع هذه الأصعدة.
في ظلّ الأَزَمات!
على مدار السنوات، بنيتُ مَسيرتي البحثيّة، وخُضتُ تحدّيات أكاديمية، وسعيتُ لتطوير تقنيات علميّة وتكنولوجية متقدمة. واصلتُ خلال سنوات الحرب العجاف، ورغم الضغوط النفسية والمجتمعية، المَسير بجهدٍ لشقّ طريقي العلميّة والمهنيّة من جهة ورعاية عائلتي من جهةٍ أخرى. لكن هذا الطريق لم يكن ممهّدًا حتى قبل الحرب؛ فقد كانت تحدّيات العنف والجريمة في مجتمعنا، وأزمة فقدان الهويّة، والعنصريّة، قائمة منذ زمن. ثم جاءت الحرب لتُلقي بظلالها، فتزيد المشقّة وتعقّد المسار، ما جَعَلنا جميعًا مُطالبين ببذل جُهد يفوق ما اعتدنا عليه. ففي الأيام "العاديّة"، كنّا نعملُ ونَجتهد أضعافًا لنُثبت وجودنا ونؤمّن استمرارنا كأقلية، لكن مع الحرب، أصبح علينا مضاعفة هذا العمل المُضاعف أساسًا! فقد أدركت أنّه لم يعد كافيًا أن نؤدّي واجبنا فحسب، بل بات علينا الانتقال من مرحلة "إتمام العمل" إلى مرحلة "الإنجاز". وفي هذه الظّروف، ليس الإنجاز مجرّد حَصدِ نجاح أو تحقيق هدف، بل هو وسيلةٌ للبقاء. أدركتُ أن إنجازي هو طريقتي للصمود—أكاديميًا، واجتماعيًا، ومهنيًا، ونفسيًا. وبالتالي علينا إعادة صياغة معنى "الإنجاز"، فهو ليس محصورًا على التقدّم المهني فحسب، بل بات عُنصرًا مهمًا مِن أجل النّجاة—لأنفسنا، وعائلاتنا، وحاضرنا، ومستقبَلنا.
النّساء في الحرب
إلى جانب هذا كُلّه، نَجِد أَنّنا كَنِساء نواجه تأثيرًا مضاعفًا، إذ تَغْلب علينا العاطفة، ما يجعل وَقع الأزمات علينا أشدّ ضراوةً، لكنه قد يَمنحُنا قوة استثنائيةً بالمقابل. نحن لا نَقلق لأنفسنا فقط، بل نَحْمل على عاتقنا همَّ عائلاتنا، نبحث عن الأمان لهم، ونعمل جاهدات لننقلهم مَعَنا إلى برّ النجاة. ولقد تيقّنت أن لكلّ امرأة طريقتها في خوض هذه الحروب؛ يحارب بَعضهن بالصمود، بالعلم، بالعمل، برعاية أبنائهن، بجهادهن اليوميّ في وجه الأزمات، أو حتى بمجرّد التمسّك بالحياة رغم كلّ شيء. وجميعهن يرنو نحو الإنجاز المتمثّل بتحقيق المستحيل من أجل البقاء. فالتاريخ مليء بنساء غيّرن مَجرى الحروب بأساليب عدّة على مرّ العصور. ماري كوري، على سبيل المثال، سخّرت عِلمها وطوّرت مراكز أشعّة سينيّة متنقّلة لدعم الجراحة الميدانية خلال الحرب العالمية الأولى. من جهة أخرى قامت الجزائرية جميلة بوحيرد بالنضال والتأثير بشكل مباشر في الثورة الجزائرية ضدّ الاستعمار الفرنسي. وأمّا ملالا يوسفزاي، فقد قاومت وأنجزت بمجرّد إسماع صوتها! وهكذا طُرُق النّضال تتعدّد والهدف واحد...
عَن نفسي، وجدتُ طريقي إلى الإنجاز والنّجاة في العلم، في تَطوير مسيرتي الأكاديمية، وفي خَلق التوازُن بين دوري كعالِمة وأُم. ولكلّ امرأة مسارها، سواء كان علميًا أو اجتماعيًا أو عائليًا، أو غير ذلك. ومهما كان المَسار الذي تَسلكينه فبالإمكان أن تقومي بمجهودٍ مُضاعف من أجل النّجاة. على سبيل المثال، إن اخترتِ أن تكون نَجاتك في البقاء مع أطفالك، فكوني معهم فوق العادَة—نفسيًا، ووجوديًا، وبجودة استثنائية.. فالحرب ليست ساحةً واحدة، بل ميادين متعدّدة، نخوض فيها معاركنا بطرقٍ مختلفة ونُنجز فيها بأساليبنا الخاصة.
الإنجاز... مفتاح للنّجاة والاستمرار
وسط الأزمات والحروب، لم يعد الإنجاز مجرّد نجاح شخصي، بل أصبح ضرورة للبقاء. هو الطريقة التي نُحافظ بها على توازننا وسط الفوضى، ونَستعيد بها بعض السّيطرة على واقعٍ يُفرض علينا قسرًا. عَن نفسي، ربما تمكّنتُ من تجاوز بعض العقبات إلى الآن، وربّما كانت هذه الظروف حافزًا إلى تَسريع خطواتي، لكن الَتساؤل يبقى: إلى أين نَمضي من هنا؟. ففي ظلّ الواقع غير المستقر الذي نعيشه، قد يكون أي إنجاز كان سواء أكان علميًا، أم أكاديميًا، أم عائليًا، بقوة الجسد أو عُلوّ الصوت.. مفتاحًا للنّجاةِ والاستمرار...
رُسمت الصورة عبر تقنيّات الذكاء الاصطناعي، تحت عنوان "امرأة عالمة تكتشفُ أنّ الإنجاز هو مفتاح النّجاة في ظل الحرب والدمار".
