"قِناع" بِلَون السَماء للأسير باسم خندقجي: فَوز أَدَبي بـ "البوكر" أَم "تَفْويز" تَضامُني؟

منذ الإعلان عن فوز رواية الأسير الفلسطيني في السجون الإسرائيلية باسم خندقجي "قناع بلون السماء" (دار الآداب اللبنانية، 2023) بجائزة البوكر العربية التي تعتبر من الجوائز المرموقة في العالم العربي إن لم تكن أهمَّها، راوَدَني السؤال حول توقيت فوز الرواية بالجائزة الذي تزامن مع الحرب العنيفة على قطاع غزة. تساءَلت إن كانت الرواية قد حصلت على الجائزة من باب الاستحقاق فعلًا، أم كَنَوع من إعلان التّضامن المَعنوي مِن اللجنة والقائمين عليها مع الشعب الفلسطيني في ظلّ ما يتعرّض له.
لم تَسنح لي الفُرصة لقراءة الرواية إلا بعد ما يقارب عشرة أشهر من إعلان فوزها، وقد راودني منذ صفحاتها الأولى الشّعور بأنني أدخُل في حقل ألغام. إذ توجّب عليّ الانتباه بأيّ عين يتعيّن عليّ تناول الرواية، إذ إن هناك محورين ربما يؤديان بالقارئ إلى رأيين مُتناقِضَين:
المحور الأول
التعامل مع الرواية بناءً على الجُهد البطولي المبذول في كِتابَتها. إذ -حسب ما تسرّب للإعلام- تمّ تهريب الرواية من السجن عبر قُصاصات ورقيّة وتجميعها في الخارج ونَشرُها ثم تقديمها للجائزة وصولًا إلى الفوز.
إذا أَخَذْنا هذا الجُهد الاستثنائي، ليس فقط في تهريب قصاصات الورق وإنّما في تجميع المواد التاريخية والجغرافية التي تم بناء الرواية على أساسها، غير متناسين أن كاتبها يَقبع في السجن منذ العام 2004، والحِرص على جَعل الرواية مواكِبة لشكل الحياة وتغيّراتها خلال هذه الأعوام كلّها، ثمّ بناء السرد وتقديمه بالشكل الذي قُدّم فيه، فأنا أقول بكلّ ثقة أن الرواية تستحقّ وبشدة الحصول على الجائزة.
ولكن كقارئة قديمة ومتحيّزة للأدب الجيّد، لا يمكنني التوقّف عند هذه النقطة.
المحور الثاني
إذا قررنا التعامل مع الرواية كنصّ أدبي بَحْت، وخصوصًا إذا نظرنا إلى تجربة الكاتب الأدبيّة من داخل السجن، والذي اختار أن لا يقدّم تجربته الفردية كسجين، لأنّ "الأدب برأيه يُعمّر أكثر من السياسة وتحفَظُه الأجيال وتتناقله بينما السياسة تموت على الغالب مع صاحبها، وتبقى كلمات أسرانا وكتاباتهم أبديّة" (مقتبس من ويكبيديا)، فهذا يضطرني إلى محاكمة الرواية أدبيًا، رغم أنني لا أعتبر نفسي ناقدة، وليست لديّ الأدوات لذلك، لكنني سأتعامل معها بأسلوب القارئ البسيط. وسأتكلّم عن بعض النقاط:
لُغة السّرد: لِسبب لستُ أفهمه، اعتمد الكاتب على مستويين من الّلغة- لُغة تقريرية تصلح لفيلم وثائقي، فمثلًا في الصفحة41 (الطبعة الخامسة) يصف لنا مدينة "ريشون لتسيون" على النحو التالي: "الواقعة شمال شرق تل أبيب، كبرى المستوطنات الكولونيالية الصهيونية، للتدقيق في تصاريح العمال وهوياتهم ولإلقاء القبض على العمال المتسلّلين الذين يعملون دون تصريح عمل تمنحها المنظومة الأمنية الصهيونية"، وهذه لغة تقريريّة تخلو من الإبداع والتشويق. أما في أماكن أخرى فيستعمل الكاتب لغة إنشائية مبالغًا فيها، فيقول مثلًا في وصفه إحدى عجائز المخيّم "المرأة الطّاعنة بالصبر والصمود" أو "بوجه يقاوم الزمن والأزقة".. هذه تعابير أثقلت -برأيي- كاهل السّرد وأَلقَت صخورًا في جريان نهره. هذا عدا عن مَيل الكاتب لاستعمال الجمل الطويلة جدًّا وغير المفهومة، فيقول مثلًا في مكان آخر: "مستوطنة امتلكت ناصية الحيّز بزمانه ومكانه في تَغايُر يجعلها متعالية متجاوزةً لما تعانيه هذه البلاد من احتلال واختلال، ومراكز وهوامش، فاستحوذ عليه الحيّز ليتعالى هو أيضًا مفارقًا جرحه النازف هناك في القدس التي كان يتقلّب فيها منذ قليل نور في أزّقتها وأور في شوارعها".
الشخصيات: خلال الرواية، يأخذنا خندقجي في حوارات ذاتية بين نور الفلسطيني وأور الإسرائيلي، وهُما شخصيّتان في واحد. غالبية الحوارات هي عمليًا بين نور وعذاب ضميره بسبب تقمّصه/ انتحاله شخصيّةَ أور بما في ذلك من إسقاطات على مواقفه وردود أفعاله. لم ينجح الكاتب بأقناعي بأن نور نَجَح في تقمّص شخصية أور إلى ذلك الحدّ المبهر، بالذات في موضوع اللغة، إذ كيف يُعقل أن يُتقن اللغة العبرية "الأشكنازية" -كما أَطلَق عليها- بهذه السرعة والسهولة، لدرجة أن لا أحد يستطيع أن يميّز أن لهجته مصطنعة. عدا عن أن نحت الشخصيات وحواراتها -برأيي- كانا غير مكتملين.
الانفصال عن الواقع: يذكُر الكاتب في أحد المقاطع أنّ الشيخ مرسي يخاطب نور معاتبًا لأنه لم يتناول طعام الغداء الذي قدّمته له زوجته (زوجة الشيخ)، علمًا أن أحداث الرّواية تدور في أَحد الأيام الرمضانية، وهنا أجدني أتساءل: هل يريد خندقجي أن يقنعني حقًّا أن في مجتمعاتنا الإسلامية المحافظة هذا التقبّل لخيار الشّخص أن يفطر في رمضان لدرجة تحضير طعام الغداء ومعاتبته على عدم تناوله؟
البطاقات الصوتية وسيرة المجدلية: اختار خندقجي موضوعًا مثيرًا للاهتمام لكي يَدخُل به الرواية ويبني عليه قصّتها، لكنّه لم يوظّف الفكرة جيدًا وجعلها على شَكل قصاصات غير مترابطة ولا مفهومة، عدا عن غضبه الواضح وغير المفهوم بالنسبة لي على رواية "شيفرة دافنشي" الشهيرة وادّعائه أنه سيستردّ حقّها أو يجمّل صورة المجدليّة التي سَرَقها دان براون وشوّهها في روايته. لم أفهم غضب خندقجي ولا رأيت أنّه نجح في إيصال قصّة المجدليّة كما يراها للقارئ.
السُّرعة: في البطاقة الصوتية بتاريخ 26 نيسان، يتكلّم نور عن وصوله إلى مكان الحفريات، وتعرّفه على بقية أعضاء الفريق ليفاجأ بوجود فتاة فلسطينية من حيفا اسمها سماء. يأتي على ذكرها في أماكن أخرى من السّرد، ليذهل القارئ في البطاقة الصوتيّة بتاريخ 2 أيار حيث يخاطب صديقه مراد قائلًا: هل قلت لك ماذا يشبه وجه سماء في الصباح؟ إنه يشبه سِدرة المُنتهى، لا بل صَباح العيد، عيد الطفولة البعيدة. ولو يا رجل!! في أقلّ من أسبوع تحوّلت سماء من إنسانة غريبة إلى سِدرة المُنتهى وصَباح العيد؟؟ سُرعة غير مألوفة وغير مُقنِعة خصوصًا مع النهاية العجيبة للرواية.
برأيي المُتواضع، وفي مُحاسَبة أدبيّة للرواية، فإنها لم تستحقّ الجائزة، وأعتقد أن الاختيار وَقَع عليها لأسباب سياسيّة بحتة، وفي هذا ظُلم لروايات أخرى كانت مرشحة وقد تكون ذات قيمة أدبيّة أعلى. عدا عن أن حصول الرّواية على الجائزة المرموقة يضعها -بقصد أو من دون قصد- في واجهة الأدب الفلسطيني المعاصر. وفي هذا إجحاف صارخ في حق روائيين وروايات أفضل وذوي/ ذوات قيمة أدبية أعلى بكثير من رواية "قناع بلون السماء".
استخدام الصورة بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات ل [email protected].

ناديا نعامنة
كاتبة ومهتمة بالأدب. مؤسسة ومشرفة على نادي القراء الناصرة منذ العام 2016. حاصلة على اللقب الثاني وتعمل في مجال العلاج الوظيفي منذ العام 2005.