قرية الغجر الجولانية
"الغجر" هي قرية سورية قديمة محتلة، تمتدّ جذورها في التاريخ إلى أكثر من ألف سنة. كانت منسية عدة قرون إلى أن ذكرها شيخ الربوة في كتابه "نخبة الدهر" سنة 772هـ / 1327م؛ وهو أحد الرحالة العرب، حيث قال: "قرية الغجر، تقع في أعالي الحولة" وقد سماها إقليمًا، وهي إشارة غير مباشرة لكبر هذه القرية وتبعية قرى عديدة لها.
من الناحية الجغرافية، تقع الغجر في الجهة الشرقية من نهر الحاصباني وعلى السفوح الغربية لجبل الشيخ، وترتفع حوالي 310م فوق سطح البحر. أراضي القرية محاذية للأراضي الفلسطينية قبل عام 1948، وهي شمالي أراضي "كيبوتس دفنا" و"كيبوتس دان" حاليا، تفصل بينهما قناة مياه قديمة. وتعتبر النقطة الأخيرة من حدود الرابع من حزيران التي تطالب بها الدولة السورية، حسب قرار الأمم المتحدة (242).
احتلت القرية في 12 من حزيران عام 1967 ولا زال سكانها يرزحون تحت الاحتلال حتى اليوم.
لاحتلالها حكاية جديرة بالاهتمام، ملخصها: بعد أن دخل الجيش الإسرائيلي إلى القرية، جمع الأسلحة من السكان وخرج منها بعد أيام ثلاثة وعسكر عند مدخل القرية وأخبر السكان بأن القرية تتبع إلى لبنان حسب الخرائط الموجودة في أيديهم. وعندما سُئل الضباط الإسرائيليون عن مصير أراضي القرية، كان جوابهم: إن الأراضي سورية، فهي تقع تحت الاحتلال، أما القرية فتتبع إلى لبنان وليس بيننا وبين لبنان حرب، لذلك لن ندخل القرية، اذهبوا إلى لبنان، فأنتم لبنانيون.
نتيجة لهذه الظروف الصعبة، ألّف السكان وفدًا ضمّ عددًا من المشايخ والوجهاء وعلى رأسهم مختار القرية، حيث توجهوا إلى بلدة مرجعيون اللبنانية، وقابلوا هناك قائد الجبهة اللبنانية وطرحوا عليه موضوع ضم القرية إلى لبنان، إلا أنه رفض بشدة أن يقبل بضمّ القرية، وقال لهم: أنتم سوريون والقرية سورية، ارجعوا إلى بلدكم، وكل من يعبر نهر الحاصباني سوف نطلق عليه النار. وبالفعل، أرسلَ الجنود اللبنانيين الذين وقفوا على حافة الوادي ومنعوا السكان من اجتيازه.
عاد الوفد إلى القرية وأخبر السكان بجواب الأخوة اللبنانيين، فترك القرية حوالي 300 مواطن، نزحوا إلى سوريا عن طريق لبنان، ولم يبق في القرية إلا 387 مواطنًا. وهكذا عشنا في القرية وتحملنا آلام البعد والضياع، فالإسرائيليون منعونا حتى من الوصول إلى أراضينا الزراعية التي تبلغ مساحتها 11,500 دونم، والأخوة اللبنانيون لم يقبلوا بأن نكون جزءًا منهم. واستمر وضع القرية دون أي سلطة تتبع لها لأكثر من شهرين، حيث ساءت الأحوال المعيشية وانتهت المؤن المخبأة في البيوت، فجاء الحاكم العسكري إلى القرية وضمّها من ناحية إنسانية وأخبرنا بأنه ابتداءً من هذا اليوم تعتبرون أنفسكم تابعين لنا مثل بقية قرى الجولان المحتل. نتيجة لذلك، سمحوا لنا بالخروج من القرية والوصول إلى أراضينا الزراعية وانخرط شبابنا في العمل في البلدات المجاورة، وبذلك تحسنت الأوضاع المعيشية تدريجيا وبدأ السكان ببناء بيوتهم المتواضعة وإعالة عوائلهم حسب إمكانياتهم وقدراتهم، فضمنوا بذلك الحفاظ على أرضهم وبيوتهم وحياتهم الاجتماعية المعتادين عليها.
يبلغ عدد سكان القرية حسب لجنة الإحصاء المركزية للعام (2022)، 2,792 نسمة بعد أن كان عددهم عام 1967 حوالي 387 نسمة، وهذه الزيادة هي زيادة طبيعية.
في القرية ثلاثون عائلة تعود أصولها إلى المدن والقرى في شمال سوريا، حيث هاجروا إلى القرية لأسباب شتى زمن الاحتلال العثماني. تعيش العوائل في 470 بيتًا معمرًا على مساحة 500 دونم هي مسطح القرية الحالي.
يعتمد سكان القرية في معيشتهم على الزراعة والعمل في المصانع في المناطق المجاورة وعلى الأعمال الحرة. وقد زرع الفلاحون في السنوات الاخيرة أكثر من 5,000 شجرة زيتون يجنون محصولها في كل سنة.
في القرية عدد كبير من المثقفين وحاملو الشهادات الجامعية الكبيرة، تجاوز عددهم 480 خرّيجًا جامعيًا. منهم من تخرّج من الجامعات الإسرائيلية وقسم تخرج من جامعة دمشق، وذلك بفضل المكرمة التي قدمها الرئيس المرحوم حافظ الأسد، والتي سمح بموجبها بقبول طلاب الجولان للتعلم في الجامعات السورية، ثم واصل الرئيس بشار الأسد السير على نهج والده فنال الشكر من جميع سكان الجولان.
رحب أبناء القرية بهذه الفرصة الذهبية والتحق بجامعة دمشق أكثر من 80 طالبًا منذ عام 2003، وعاد القسم الأكبر منهم يحملون الشهادات العالية في الطب والهندسة والصيدلة والمحاماة ومواضيع أخرى غيرها.
في القرية مجلس محلي تأسس عام 1975 وترأسه الشيخ سلمان الخطيب حتى عام 2003، ثم تسلم منصب الرئاسة السيد أحمد فتالي ولا يزال يشغله حتى يومنا هذا. يرعى المجلس المحلي شؤون القرية على أكمل وجه، حتى أنه - كما جاء على موقعه الإلكتروني - قام بتنفيذ أكثر من 80 مشروعًا منذ سنة 2004 وحتى سنة 2022 من ضمنها: إقامة المدرسة الثانوية وحديقة السلام والدّوّارات العامة لتنظيم حركة السير والملاجئ المدرسية والمكتبات العامة والملاعب الرياضية.
في القرية مدرستان: ابتدائية حتى الصف السادسة، وثانوية شاملة من الصف السابع حتى الثاني عشر. عدد المعلمين حوالي 60 معلمًا ومعلمة، النسبة العظمى منهم من أبناء القرية الحاصلين على اللقبين الأول والثاني.
توسّعت القرية منذ سنة 1967 وعاش أهلها حياة طبيعية كبقية قرى المنطقة، حتى حلول سنة 2000، حيث انسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان وتدخلت الأمم المتحدة لترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان وفق خرائط سايكس بيكو ونيوكومب - بوليه 1920-1923. كانت تداعيات هذا الترسيم سلبية على القرية، حيث طال الترسيم القرية وقسمها حسب الخرائط الدولية المزعومة إلى قسمين: شمالي يتبع إلى لبنان، وجنوبي بقي تحت الاحتلال.
احتج السكان واستنكروا هذا الترسيم رافضين قرار التقسيم وقاموا بمظاهرات عدة وقدموا الالتماسات في المحاكم الإسرائيلية، وتوجهوا برسائل إلى عدد كبير من رؤساء دول العالم والمؤسسات الإنسانية وممثلي الأمم المتحدة، مثل كوفي عنان ولارسن وغيرهما، يحتجون على قرار التقسيم هذا ويشرحون مأساتهم التي يعيشون ويشددون على موقفهم المتمثل بوحدة القرية مع أراضيها.
لاقى نداء السكان الإنساني آذانًا صاغية لدى الأمم المتحدة والدول المعنية بالأمر، فبقي الأمر على ما هو عليه حتى اليوم ولم يتم ترسيم الخط الأزرق داخل القرية، بل بقي وهميًا من الجو.
انسحبت إسرائيل سنة 2000 من القرية وأعلنت عنها منطقة عسكرية مغلقة، حيث منعت دخول أي مواطن من خارج القرية إليها إلا بتصريح خاص من الجيش، وأقامت حاجزًا عسكريًا في مدخلها الشرقي الوحيد، وفصلتها بشريط حدودي شائك.
استمر إغلاق القرية حتى السابع من أيلول عام 2022، عندما أعلن الجيش إزالة الحاجز في مدخل القرية والسماح لكل من يرغب في الدخول إليها كبقية المناطق في الدولة، وكان ذلك نتيجة للاتفاق الأمني لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. وهكذا تشهد القرية من ذلك التاريخ حركة سياحية ضخمة من مجموعات دفعها فضولها للحضور والتعرف على معالم القرية المتطورة، والتمتع بجمال المناظر المطلة على نهر الحاصباني.
أحمد خطيب
من مواليد قرية الغجر، عمل مديرا لمدرسته، يحمل اللقب الثاني في التربية والإدارة، له عدة مؤلفات في الشعر والنثر. من أهم مؤلفاته: كتاب الجولان عصيّ على النسيان، وكتاب الخبر الأكيد عن العلويين أهل التوحيد وغيرها