بمناسبة يوم الإعلامية العربية: الإعلاميات الفلسطينيات واختراق المشهد الرقمي
يحمل هذا العام شعار "معا نحو إعلام رقمي معزز للتغيير" وهو الشعار الذي اختاره مركز الإعلاميات العربيات ضمن مسار الاهتمام العالمي والعربي في ذات الوقت، وبمناسبة يوم الإعلامية العربية الذي يصادف 12 مارس من كل عام وهو يوم هادف للتذكير برسالة الاعلاميات وتحفيز الأجيال الجديدة لمزيد من العمل وتحسين بيئة العمل الإعلامي، وكثيرا ما استوقفني قلة الإنتاج المعرفي في تحليل المشهد الإعلامي الرقمي وأثره وتأثيره على الاعلاميات الفلسطينيات، رغم أن الاعلام الرقمي لم يترك لنا خيارا أو السماح بأي مساحة مهدرة من الوقت والجهد لذلك لن يسعفنا التشخيص فعليا بقدر ما سأجتهد في هذا المقال لتسليط الضوء على واقع الاعلاميات الفلسطينيات ومحاولتهن لاختراق المشهد الرقمي وإن لم أكن سأتناوله بشكل شمولي متكامل.
الاعلام الرقمي وإشكالية الوعي والثقافة
لقد أتاح الاعلام الرقمي الانفتاح على عوالم معلوماتية متعددة ومتنوعة، وهذا يعد عاملا مميزا ساهم في كسر العزلة والتقيد بالمعلومات والتجارب المحلية فقط، إذ جعل الكون قرية صغيرة تمكنت الاعلاميات الفلسطينيات من النهل من هذه المعلومات، ومن القدرة على رفع مستوى وعيهن ومهاراتهن، وجعلتهن قادرات على مشاركة تجاربهن في العمل الإعلامي رغم ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وآثارا لانقسام والهيمنة الذكورية على مجالات محددة في السياق الإعلامي، وقد شاركت الاعلاميات الفلسطينيات في القدرة على التواجد عبر الاعلام الرقمي مع اعلاميات من دول عربية وأجنبية من خلال النوادي الإعلامية والمؤتمرات المتخصصة في الشأن الإعلامي، كما فتحت الآفاق للحصول على فرص مميزة في العمل الإعلامي خارج فلسطين.
وعلى صعيد التثقيف السياسي تمكنت الاعلاميات المهتمات بالشأن السياسي من التفاعل والتعلم من خلال المشاركة في التفاعل مع منتديات سياسية، والاطلاع على تجارب النساء السياسية في دول مختلفة، والقدرة على الوصول إلى الأدبيات السياسية لمزيد من تشكيل الوعي السياسي لهن، وفي أحيان يكون هذا بجهود فردية وأحيانا نتاج انخراطهن في العمل النقابي أو العمل النسوي أو الحقوقي والمؤسساتي، وأيضا ساهم في انخراطهن في تلقي تدريبات متخصصة في الاعلام والسياسة، أو الاعلام والنوع الاجتماعي، أو الاعلام والاقتصاد. وفتح آفاق متعددة مهمة لاستثمار الوقت والجهد والقدرة على التعلم.
كما ساهم في أن تصبح بعض الاعلاميات أكثر تخصصا في الشأن السياسي، وأن يراكمن خبرتهن ومهارتهن وصولا للتحليل السياسي والتخصص في مجالات العمل الإعلامي السياسي.
وهنالك جهد خاص وفردي يجب ان تقوم به الاعلاميات لتعزيز تشكيل وعيهن وثقافتهن حيث أن النوادي الإعلامية والأجسام والكتل الصحافية قد تساهم بجزء يسير في تعزيز هذا الوعي وتشكيله من خلال لقاءات وندوات ومؤتمرات وتدريبات لكن الرهان الأول والمرتكز الأساسي هو الاعلاميات أنفسهن.
اشكاليات الهوية للإعلاميات الفلسطينيات
لقد تمكنت بعض الاعلاميات الفلسطينيات من استثمار الانفتاح الإعلامي والحصول على معلومات وبيانات ومعرفة أكثر تخصصا، إلا أن هنالك شق آخر نجده لدى بعض الاعلاميات بعدم قدرتهن على الاستفادة من هذا المخزون المعلوماتي ويراوحن مكانهن بانتظار مبادرة مؤسسة أو جهة لأجل دفعهن لأجل الانخراط في التغيير، أو عبرن عن أفكارهن السياسية بطريقة تمس أخلاقيات النشر أو استغللن الاعلام الرقمي في إطار أيديولوجي وانحازت آراءهن لخطاب الكراهية والعنف بدلا من أن يكن قادرات على أن يكن ملهمات لأجل تحسين مجتمعاتهن.
لقد أوجد الاعلام الرقمي نموذجين مختلفين ومتباينين من الاعلاميات فهنالك القادرات على سيطرة قيادة عملهن وشخصياتهن وكن نموذجا ملهما لأجل نساء اخريات أو لمجتمعهن وساهمن من خلال مدونات الكترونية متخصصة في تحسين المحتوى الرقمي بالمضمون الإعلامي والسياسي، وأوجدن منصات قوية قادرة على التغيير في مجتمعاتهن وكن أكثر احتكاكا بحاجة مجتمعهن، ومنهن من ترشحن للانتخابات وانخرطن في قوائم حرصت في برامجها على تحسين واقع مجتمعهن وواقع النساء.
وهنالك نموذج تماهي مع الإطار السياسي الذي يندمجن فيه من فصائل وأحزاب وكن معول هدم في مجتمعهن، وقد اضطرت الكثير من الاعلاميات للعمل في أماكن عمل إعلامية حزبية وأصبحن يكتبن ويروجن لأجل الحزب، وهذا يكشف أيضا الواقع المعقد الذي تعيشه الاعلاميات في فلسطين وتحديدا في قطاع غزة، ويثير جدل الهوية السياسية للإعلاميات فمسؤوليات الاعلاميات جسيمة تبدأ من فضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وتقييداته بالحركة وبقدرة الوصول إلى التغطيات الإعلامية في مجال عملها، وحقوقهن كإعلاميات فلسطينيات ينتمين لنقابة فلسطينية واحدة في الضفة وغزة إلا أن الواقع جعلهن ذائبات في الهوية ما بين نضال الاحتلال بشكل دائم وتحدي تعقيداته في القدس ورام الله وغزة وكافة المدن الفلسطينية فتجد الاعلاميات أنفسهن في فسيفساء هويات متعددة ويختلف واقعهن الإعلامي في هذه الأماكن عن بعضهن البعض فتبدو كأنك تشير لمشهد سريالي تجد التركيز في غزة على اعتداءات الاحتلال الاسرائيلي وعدوانه الغاشم وقتل واصابة وتدمير بيئة إعلامية ومصدر رزق ومكاتب لإعلاميات ووضع نفسي مقلق للغاية وفيه تهديد دائم لحياة الاعلاميات، واغلاق وحصار دائم يحرمهن من التواصل الفيزيائي والجسدي مع مثيلاتهن في أماكن مختلفة في العالم لولا الاعلام الرقمي والقدرة على الانخراط ببرامج رقمية تقلل من حدة البعد الجغرافي وتعطي بصيص من الأمل في المشاركة وتبادل الخبرات، وفي القدس على سبيل المثال لا الحصر التركيز والاهتمام بما يحدث في القدس من اعتداءات مستمرة بحق الاعلاميات وتقييد حركتهن ومصادرة كاميراتهن واعتقال واصابة، وتبذل اعلاميات الجهود مضاعفة رغم الخوف والتهديد الدائم لنقل الصورة الفلسطينية.
كما خلق الاعلام الرقمي نموذجا فاعلا كسرت كل الحواجز كما في حال منى الكرد وعائلتها ... وهكذا تجد المضامين الإعلامية والتحديات المعقدة المركبة من نصيب الاعلاميات الفلسطينيات، لكن كتواصل بينهم فإن الاعلام الرقمي قد ساهم في التعرف عليهن عن قرب لكنه أيضا ساهم في تعدد المعنى للهوية الإعلامية وجعلها أكثر قسوة وصلابة في ذات الوقت
إشكاليات التهديدات وانعدام الخصوصية الرقمية
إن الاعلاميات الفلسطينيات جزء من العدوانات الممنهجة على الحقوق الرقمية الفلسطينية، سواء بشكل مباشر من الاحتلال الإسرائيلي أو من المحرضين وجماعات المستوطنين أو غيرهم.. وقد برز ذلك بشكل أكبر مع العدوانات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة أو في الهجمات الإسرائيلية على بيوت المقدسيين في الشيخ جراح وفي سلوان وغيرها.
إذ واجهت الاعلاميات كجزء من مكونات الشعب الفلسطيني خطاب الكراهية والتحريض على العنف والقتل، ومحاولات لقلب الحقائق، ومنعهن من التغطية الإعلامية دون التضييق عليهن في الاعلام الرقمي وواجهت الاعلاميات والناشطات عبر السوشيال ميديا أيضا من انتهاكات لحقوقهن الرقمية على منصات التواصل الاجتماعي بدء من الانستغرام الى الفيس بوك والتويتر والتيك توك وغيرها من منصات اجتماعية.
وواجهن إزالة المحتوى الذي يقمن ببثه بتحريض من الاحتلال الإسرائيلي عبر وحدات الأمن السيبراني (الرقمي) ودون إجراءات قانونية ودون علمهن أيضا إذ يتم حذف واغلاق محتواهن بتواطؤ مع إدارات شركات منصات التواصل الاجتماعي كون المعتدى عليه يمثل الفلسطينيين، كما تم تقييد حساباتهن أو تعليقها أو حذف الاشعارات الخاصة بمحتواها. الخ
كما واجهت ولازالت الاعلاميات تواجه تكثيف الرقابة على المحتوى الرقمي حتى بات هنالك محاولات لدى الكثيرين بكتابة بعض الكلمات بالرقم أو الرمز كي لا يتم إزالة المحتوى أو اغلاق الحساب الشخصي، أو حذف المنصة الاجتماعية بأكملها وقد واجهت الاعلاميات هذه الانتهاكات على مدار الأعوام الماضية كانت أسوأها العام الماضي 2021 وتمثلت في العنصرية الرقمية وخطاب الكراهية والتحريض على العنف والمراقبة والملاحقة والتتبع والتهديد..
هنالك الكثير مما لم يقال وبحاجة إلى دراسات وأوراق بحثية في هذا العنوان إلا أن المقالة هي دعوة لتسليط الضوء على الواقع الرقمي والذي أصبح بديلا عن الواقع الحقيقي ففي مسارات التغيير يجب أن ندرك ماهية الأثر والتأثير في تشكيل الوعي الرقمي سواء للإعلاميات أو للمجتمع بأكمله.