عِندَما تَصْدُرُ صَرْخَةُ الغَزِّيات مِنْ حَناجِرِ البَلجيكِيّات!

مَع تَصاعد حرب الإبادة على غزة وارتفاع أَعداد الضحايا، لم تلتَزم النساء في بلجيكا الصّمت. مِن شوارع بروكسل إلى أروقة المنظَّمات الحقوقية، برزت الناشطات البلجيكيّات والفلسطينيّات في الخطوط الأماميّة للحِراك المناهض لهذه الإبادة، مستخدِمات أدوات متعدّدة مِنَ التّظاهر إلى الضغط السياسيّ والمقاطعة الاقتصاديّة.
احتجاجات في شَوارع بروكسل: “أوقفوا الإبادة”
شَهِدت بلجيكا على مدار الأشهر الماضية عشرات المظاهرات التي قادتها مجموعات نسويّة تضامنيّة، مطالِبة بوقف الحرب على غزة ومحاسَبَة المسؤولين عنها. رفعت النساء أمام البرلمان الأوروبي وفي السّاحات العامّة لافتات كُتِب عليها: "أوقفوا الإبادة" و"العدالة لفلسطين".
تَقول إيزابيل، ناشطة في إحدى الحَركات النسوية البلجيكية: "لا يُمكِننا الوقوف مكتوفي الأيدي بينما يُقتل الأبرياء. تَدفع النساء في غزة الثّمن الأكبر في هذه الحرب، ونحن هنا لنكون أصواتهن في أوروبا".
في الوقت نفسه، لم تقتصر المُشاركة على الناشطات البلجيكيّات، بل كانت النّاجيات الفلسطينيّات اللواتي لجأْنَ إلى بلجيكا بعد فقدان عائلاتهن جزءًا أساسيًا من هذه الاحتجاجات. فاطمة، لاجئة فلسطينية فَقَدت منزلها في غزة، تقول: "وُجودي هُنا ليس خيارًا، بل واجب. نَحن لا نَبحث عن التّعاطف فقط، بل عن فِعل حقيقيّ يُنهي هذا الظلم".
من التّظاهر إلى الضّغط السّياسيّ: النسويّة في مواجهة الاستعمار العسكريّ
تَرى الحركات النسويّة في بلجيكا أن الحرب ليست مجرّد نزاع عسكري، بل هي استمرار لنظام استعماري يكرّس العُنف ضدّ الفئات المستضعَفَة، خصوصًا النساء والأطفال. وفقًا لـماري فان دير بيك، أستاذة علم الاجتماع بجامعة لوفان، فإن النسوية العابرة للقوميات تلعب دورًا محوريًا في هذا السياق: “النساء في أوروبا لم يَعُدن يَرَين النّضال النسويّ كقضية محليّة فقط. أصبح التضامن مع فلسطين جزءًا من النضال العالمي ضد الأنظمة الاستعمارية والعسكرية”.
وتُحاول بَعض النّاشطات والمؤسَّسات الضّغط على الحكومة البلجيكية والاتحاد الأوروبي لاتخاذ موقف أكثر صَرامة ضد إسرائيل، والمطالبة بوقف تصدير الأسلحة والتكنولوجيا العسكريّة لها، عَبْر توقيع عرائض دوليّة، وعقد لقاءات مع برلمانيين.
المُقاطَعَة الاقتصادية: سِلاح بِيَد النّساء
لم تقتصر جهود النساء في بلجيكا على التّظاهر والضغط السياسيّ، بل امتدت إلى مقاطَعَة الشركات الداعمة للاحتلال، مِن خلال حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة للعمل الميدانيّ، حيث وقفن أمام المحلّات الكبرى الدّاعمة للاحتلال مثل كارفور، وتمّ توزيع منشورات توعية، بالإضافة إلى الحديث مع الناس وشرح أهميّة المقاطعة الاقتصاديّة.
تقول فيونا، إحدى مُنظِّمات حملة المقاطعة: "نحن نعيش في نظام رأسمالي، وهذا النظام هو الذي يموّل الاحتلال. إذا كان السياسيون يرفضون اتخاذ إجراءات، فعلينا كأفراد أن نستخدم قوتنا الاقتصاديّة لوقف هذه الجرائم".
ومن بين المبادَرات التي أطلقتها الحركات النسوية، التّرويج للمنتوجات الفلسطينية أو المنتوجات المحليّة البديلة عن المنتوجات الدّاعمة للاحتلال، ومقاطعة كلّ الشركات والمحلّات الدّاعمة للاحتلال والدّاعمة لحرب الإبادة.
"لَنْ نَصمِت": صَوت النّاجِيات الفلسطينيّات في بَلجيكا
وسط هذه التحرّكات، تلعب النساء الفلسطينيات اللاجئات في بلجيكا دورًا رئيسًا في إيصال معاناة أهلهن في غزة إلى العالم، عَبر شَهادات حيّة في النّدوات والمظاهرات، يَسعَين إلى فَضْح ما يتعرّض له الفلسطينيون يوميًا.
تروي أم محمّد، التي نَجَت من قصف منزلها في غزة، قِصّتها قائلة: "رأَيت بأمّ عيني كيف يُقتَل الأطفال، وكيف تُهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها. نَحن لا نُريد كلمات دَعم فقط، بل أفعالاً توقف هذه المذبحة"، لِذا لا تتوانى النّساء عن المشاركة في الندوات والمحاضرات الّتي من شأنها توعية الناس عمّا يحدث في غزّة، بالإضافة إلى كلّ نشاطات الطالبات والطّلاب في الجامعات البلجيكيّة من أجل وقف الشراكات مع الجامعات الاسرائيليّة، وقد نجحت المحاوَلة في بعض الجامعات وتمّ توقيفها.
ختامًا: هل تُحْدِث هذه الجُهود فرقًا؟
في ظلّ استمرار الحرب والتواطؤ الدولي، قد تبدو هذه الجُهود محدودة التأثير، لكنّ الناشطات يؤكّدن أنّ الضّغط المتواصل يُمكِن أن يُغّير المُعادلة على المدى الطويل. من المُظاهَرات إلى المقاطعة الاقتصاديّة، ومن الضّغط السياسي إلى توثيق الشّهادات، تعمل النساء في بلجيكا على توحيد الجهود لإيقاف الإبادة، والأهمّ إيصال صَوتِ الفلسطينيين إلى العالَم علّه ينفع!

عرين سويطات
أكاديميّة وإعلاميّة، تعمل في جامعة جنت - بلجيكا، متخصّصة في الحفاظ على الموروث الأثريّ وربطه بالهويّة الوطنيّة. تجمع بين البحث الأكاديميّ والعمل الإعلاميّ لتسليط الضّوء على أهميّة التراث الثقافيّ ودوره في تعزيز الانتماء الوطنيّ.