حقوق النشر للأعمال الأدبيّة والفنيّة: هل هي باقية بعد رحيل المؤلف\ة؟
مقدمة
توفّر قوانين الملكية الفكرية الحماية للمبدعين والمبتكرين في مجالات متنوعة، بما في ذلك الأعمال الأدبية والفنية. تعمل هذه القوانين على حماية حقوق المؤلفين في إنتاجاهم خلال حياتهم وبعد وفاتهم أيضا. بهذا تضمن القوانين المعنية استمرارية حماية حقوقهم ومنع الاستخدام غير القانوني لأعمالهم. سنتناول في هذه المقالة قضية حماية الأعمال الأدبية والفنية بعد وفاة المؤلف وأنواع الحماية المتوفرة.
تُعد الأعمال الأدبية والفنية جزءًا هامًا من الاقتصاد الابداعي، وتساهم في توفير فرص عمل للعديد من الأشخاص في صناعة الفن والثقافة. بالإضافة إلى ذلك الانتاج الفني والأدبي هو بمثابة منبع التراث الثقافي والفني في المجتمعات البشرية. والحماية التي توفّرها القوانين لمنتجي تلك المضامين تسهم في المحافظة على شغف الانتاج. وبالتالي تزيد من حسّ الأمان والثقة عند المؤلفين بحيثُ أعمالهم تحظى بالحماية والاحترام. هذه الحماية القانونية، بكافة أشكالها، تحفظ الفنان والمبدع على الاستمرار في الإنتاج وهي المسند القانونيّ لذلك. وبهذه الطريقة، تسهم قوانين الملكية الفكرية (وبما في ذلك قوانين حقوق المؤلف) في تعزيز التقدم العلمي والفني في المجتمعات البشرية.
لحماية حقوق المؤلف نوعان، متكاملان: الأول، النوع المادي "حقوق النشر" (COPYRIGHT) والثاني أخلاقي معنويّ "حقوق أخلاقيّة" (MORAL RIGHT) وكلاهما يوفّر الحماية بأشكال مختلفة لأصحاب الانتاجات (المضامين) الفنية والأدبية.
النوع الأول، "حقوق النشر" يتطرّق إلى الأبعاد المادية وبالتحديد إلى الحقوق في استخدام المضامين، عرضها، بيعها، ترجمتها، استخدام مشتقاتها (مثلًا تحويلها من رواية إلى مسرحية أو فيلم)، وتحميلها على شبكة الأنترنت، أو منح التراخيص في استخدامها. ومدّة الحماية لتلك الحقوق تمتد على مدى حياة المؤلف وأيضا لفترة إضافية، تكون عامة، حتى 70 عامًا بعد وفاته. وبالتالي تستمر الحماية للإنتاجات الفنية والأدبية بعد وفاة المؤلف وتصبح جزء من الأملاك التى تنتقل إلى من يرثهِ أو تُباع لأطراف أخرى (كما جميع أنواع الملكيّات الأخرى). إذ من يعتبر الوريث القانوني على تلك المضامين تكون له الحماية القانونية المادية لمدة الحماية (أي مدى حياة المؤلف ما بعد وفاتهِ). من الجدير بالذكر بعد انتهاء مدة الحماية للحقوق المادية في تلك المضامين المحمية، تصبح تلك المضامين جزءًا من الملكية العامة (PUBLIC DOMAIN) وتصبح متاحة للاستخدام العام دون الحاجة إلى الحصول على إذن من الورثة أو دفع مبالغ عن الأرباح وما إلى ذلك.
أما الصنف الآخر للحماية الملقبة "الحقوق الأخلاقية" فهي تُعنى بالعلاقة العضوية بين المؤلف وانتاجهِ (حتى لو تمّ بيع الانتاج والحقوق المادية إلى أطراف أخرى). في هذا السياق تحال الحماية إلى المؤلف ذاتهِ (PERSONA) وكرامتهِ، وبالتحديد إلى منع أي طرف من انتحال العمل، أو وضع اسمه عليه، أو استغلاله بصورة مشينة تسبب إهانة للمؤلف. وتكون هذه الحماية مستدامة وغير محدودة زمنيا. وبالتالي، هذا الصنف من الحقوق يوفر للمؤلف في حياتهِ وبعد مماتهِ حماية شخصية لكرامتهِ الفنية. ومن المهمّ الإشارة أن هذه الحماية غير مادية أي لا تُعنى بالأبعاد المادية الربحيّة الناجمة عن العمل، بل تكون متعلقة فقط في المؤلف كذات وتحافظ على "هوية" العمل وارتباطهِ بمؤلف مُحدد. كما أنهُ بعد نفاذ أمد الحماية المادية ويصبح العمل ملكيّة عامّة، هذا لا يوقت "الحقوق الأخلاقية" وهي الصنف الإضافي والمكمّل لحقوق المؤلف، كما وصفت أعلاه.
التلخيص
تبقى حقوق الملكية الفكرية المادية سارية المفعول لمدى حياة المؤلف بالإضافة إلى مدة محددة بعد وفاته أيضا، وفقا للمعاير الدولية وللقوانين المحلية بما في ذلك القانون الاسرائيلي والفلسطيني. وتمنح هذه الحقوق الورثة حقّ الاستئثار بالمضامين والأرباح الناجمة عن استخدام الانتاج. عند انتهاء مدة الحماية المحددة في القانون تصبح الأعمال ملكًا عامًا للجمهور بحيث تصبح جزء من التراث الثقافيّ للإنسانيّة. وكل ذلك دون الانتقاص من الحقوق الأخلاقية المستدامة، التي تهتمّ فقط في حماية المؤلف على المستوى الشخصي وتحافظ على ارتباطه بالمضامين التي أنتجها في حياته من حيث ارتباط اسمه بها والمحافظة على كرامته من ناحية أساليب استخدامها.
بروفيسور أمير خوري
باحث ومستشار قانوني مختص في التكنولوجيا المتطورة وتحديات المستقبل، رئيس مؤسسة الُملكية الفكرية، محاضر بكلية القانون في جامعة تل أبيب