حكايات تنسجها شمس الأصيل: زنجبيل الكتب الآن

ارتبطت مهمة منصة هُنا الجنوب منذ انطلاقتها في 2021 لإفساح الاعلام الجماهيري وصحافة المواطن في منطقة الجنوب وفرحتنا كانت كبيرة عندما تم الاعتناء بهذا اللون الخاص بالإعلام الجديد من خلال تدشين العديد من المشاريع الإعلامية الالكترونية في صحراء النقب، ومع ذلك بقيت الغصة في القلب على حالها خصوصا مع انعدام صدور صحيفة أسبوعية بشكل ثابت في الجنوب الذي يقترب عدد سكانه العرب من النصف مليون نسمة، ويتعقد الامر أكثر ان المجتمع العربي كافة لا يملك الإرادة لإصدار صحيفة يومية واحدة، هل لدى الجماهير العربية خارطة طريق ما لتخرج بنا من ضنك العيش المرير في ظل شبح الجريمة والجريمة المضادة التي تحاول قدر استطاعتها تفكيك المجتمع وتدميره من الداخل ليبقى دوما مجتمعا تابعا لا يملك أي تصور ليخرج من عنق الجريمة التي تضربه ليل نهار؟ اظن انه مجرد الإبقاء على طرح هذا التساؤل هو بداية سلك درب التفكير الذي يأخذنا خارج دوامة العنف والجريمة. لكن ماذا عن ثقافة القراءة والكتاب؟ هل للإعلام القدرة على تجاوز القراءة والتفكير النقدي، وهل هي عملية تكاملية التي تبدأ بقراءة خبر ليتحول القارئ منه الى كتاب في المجال؟ 

انطلق مشروع "زنجبيل الكتب" مبادرة منصة "هُنا الجنوب" من اجل افساح القراءة والكتاب في الحيز والمجال العام، مع بداية العام الجاري 2023 عندما افتتح السوق البدوي الجديد في رهط، حيث يتم طرح الكتاب الى جانب الخضار والفواكه والدواجن والاغنام، ايمانا بان الكتاب هو ليس شيء بعيد عن حياتنا انما هو حياتنا ولا يمكن الفصل بين الكتاب وحاجاتنا من المأكل والملبس. هذه المبادرة على ريادتها فإنها تأتي متأخرة جدا بالمقارنة بالمشاريع العبرية في البلاد، الا انه يمكننا ما نقدمه في هذا المجال وللثقافة العربية الكثير ما تقدمه الذي لا تمتلكه الثقافة العبرية. لذلك انطلق مشروع "كتاب العيد" الذي يتم فيه توزيع الكتب مجانا في فترات الأعياد الرئيسية: عيد الفصح اليهودي، عيد القيامة، عيد الفطر، وعيد الأضحى. خلال العام الأول للمشروع تم توزيع أكثر من 5000 كتاب. ما هو العدد الذي نطمح بتوزيعه في قادم الأيام؟ مليون كتاب! هذا ما نود الوصول اليه لتوزيع الكتب على العوائل دون التفرقة العرقية أو الدينية.

مع اقتراب مشروع "زنجبيل الكتب" لإتمام عامه الأول، تمكن الملحق الذي يصدر أسبوعيا في كل من منصة "هُنا الجنوب" وموقع "تلفزيون النقب" الاخباري من عرض أكثر 120 كتابا، التي تعرض آخر الإصدارات التي تهتم بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهي ما يتم طرحها في السوق البلدية الاسبوعي ايام السبت بأسعار زهيدة جدا لا لأجل الربح، انما لإمكانه من اقتناء كتاب قيم جدا بطبعة اصلية بسعر زهيد، مجرد رؤية الاطفال الذين يأتون بصحبة اهلهم للتسوق والتبضع يوم السبت ويكون معرض الكتب جزء اساسي من معروضات السوق فإننا بذلك نضمن ان العلاقة بين الطفل واهله بالكتب علاقة مباشرة دون اي حاجز الذي اختزن في التفكير ان يكون الكتاب خلف الزجاج وبأماكن مغلقة يصعب الوصول اليها. حيث تعمل الكتب على تحفيز التواصل والحوار ويمكن للأشخاص مناقشة محتوى الكتب وتبادل وجهات النظر في المجال العام. خلال هذه الفترة القياسية تم تسجيل ثلاثة كتب ضمن "منشورات جنوب" مبادرة زنجبيل الكتب وهُنا الجنوب والهدف ان الكتب التي يتم افساحها في المجال العام تكون من اصدار محلي، وان يقرأ أهل الجنوب ما يكتب اولاد وبنات الجنوب.  

نتحدث عن هذه المبادرات والغصة كبيرة في حلوقنا إزاء التدمير الذاتي للمشهد الثقافي الذي يمثل تهديدا خطيرا لتطورنا كمجتمع، مع استمرار ظاهرة العنف والجريمة ما يشكل تحديا كبيرا يؤثر على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، خصوصا مع المناخ العدائي وغير الامن وهي قضية عاجلة يتم التركيز على حلها بدلاً من التفكير في الحفاظ على تراثنا الثقافي. إضافة الى فقدان الأمان والاستقرار فإننا نلاحظ الانقسام داخل المجتمع الى استمرار التراجع الاقتصادي داخل المجتمع، مع هذا التدمير الذاتي هل يمكننا فعلا مواصلة النضال من اجل وقف عمليات السطو والنهب لتراثنا وتاريخنا وارشيفنا وكتبنا؟ المكتبات التاريخية لمدينة بئر السبع وبقية المدن المركزية مثل القدس ويافا وحيفا والناصرة وعكا دون اغفال غزة ونابلس والخليل وحتى الجولان ورام الله اين هي. متى سنبدأ فعلا دراسة تاريخنا بالاستناد الى الارشيف البريطاني والعثماني والاسرائيلي فحسب، هل هي مستندات ستبقى ابدا عصية اعادتها وان كان الامر كذلك فلماذا لا تفسح للجمهور من خلال اتاحتها الكترونيا، جميل ان بعضها موزع بين اسطنبول وتل ابيب ولندن، لكن ما جدواها وهي غير متاحة للجميع.

مشروع زنجبيل الكتب الذي يعمل على افساح ثقافة الكتاب بالمجال العام في رهط، أكبر مدينة للجماهير العربية في البلاد، انما يأخذ بعين الاعتبار ان استراتيجيات النهب والسطو الذي مورس ضد الالاف من الكتب العربية لا زالت مستمرة، ولا بد لهذه الثروة الثقافية المنهوبة ان يتم افساحها بمتناول الجميع إما في المكتبات العامة أو عرضها للجمهور عبر موقع الكتروني، هو ما نود تقديمه، هل ستنجح المهمة؟ حتى وإن فشلنا، فلن نكتفي بشرف المحاولة.

كايد أبو الطيف

مزارع ثقافة في حقل إنتاج المعرفة (باحث في مجال الدراسات الثقافية) ومبادر منصة هٌنا الجنوب

ليزا
كل الاحترام كايد
الخميس 7 كانون الأول 2023
رأيك يهمنا