التطوّر التقنيّ والنظام التعليميّ: تساؤلات على أبواب العام الدراسي الجديد

يتبادر إلى الأذهان جملة من التساؤلات حولَ مواكبة نظام التربية والتعليم مع التطوّرات التكنولوجيّة المتسارعة، وخصوصًا مع مطلع أيلول مع استقبال عامًا دراسيًا جديدًا. سؤال مفاده؛ هل النظام التعليمي بما يتضمنه من مناهج وأساليب وطُرق متّبعة، ذا جدوى وسط عالم سريع التطور، وهل مناهجنا التعليمية تواكب التطور العلمي والمعرفي الهائل في العالم، لتعود بالمنفعة وهي تقدم بعض الاختراعات والمُخرجات التي تساهم في نموّ وتطوّر البشرية؛ وهل أنظمة التعليم المعمول بها في بلادنا قادرة على مواكبة التطور الحاصل؟ بالتأكيد لا تستطيع المواكبة كما يتضح في مخرجات التعليم التي لا تحدث أية فارق غالبية، ولا تحمل علامة واضحة في الغالب، وهذا يدفعنا لنعيد السؤال كما في كلّ مرة، حول جدوى أساليب التعليم المتبعة، وما ينقصها، وإلى متى ستبقى تحافظ على نمط التلقين والحفظ والروتين المتبع، وأنماط السؤال الباحث عن شكل واحد في الإجابة. فهل من المنطقي ألا تحدث قفزات سريعة وجادة، وثورات معرفية وتعليمية، تدفعنا إلى الأمام حتى نلحق بركب العالم. وان لم نفعل، فكيف سيكون حالنا، وكيف سنبقى نحيا في اتكال على كتف العالم المتطور الذي سيبقى يُنظر لنا، نظرة النقصان، ونظرة العبء وكأننا شعوبًا زائدة عن الحاجة، وهو يسابق الزمن بسرعة الذكاء الاصطناعي وأبعد.

تختلف معايير جودة التعليم من بلد إلى آخر، كما تختلف جودة الأطر التعليمية والإدارية والتربوية، إلا أنها تتفق في قياس جودة التعليم بجودة مخرجاته، وأثره الملموس، وانعكاسه على المجتمع، وما يرافق ذلك من تطوّر علمي يسهم في دفع عجلة التطور والتقدم، ولأن النظام التعليمي وأسس التربية والتعليم هي المقياس، فإن المطلوب تطور هذه الأساليب والمناهج بما يتلاءم والتطورات، بل الثورات العلمية الحاصلة، وهذا يستدعي مضاعفة الجهود وتطوير الخطط، والاعتماد على الخروج من دوائر التعليم التقليدي. 

سؤال آخر يخرج من بين ثنايا التجريب والكلام، حول المدرسة والصفوف والمقاعد، وهو الشكل القديم المعتاد، والمستمر حتى يومنا هذا، فهل يمكن أن يخدم مسار العملية التعليمية الحديثة، في ظل الثورة التكنولوجية الهائلة بما فيها ما بعد الإنترنت إلى عالم الذكاء الاصطناعي وما بعده. الوقت والساعات التي يقضيها الطالب والدوام اليومي داخل جدران المدرسة، وغيرها من أنماط التعليم السائدة، فهل تواكب التطور الحاصل، وهل تخدم أهداف العملية التعليمية؟

لعل من المهم هنا الإشارة إلى أن الدول النامية تسعى إلى مواكبة الثورات العلمية والمعرفية، ولكن لا يبدو أنها حتى يومنا قادرة على ذلك، لأن عجلة التقدم العلمي تمضي بسرعة غير مسبوقة، وديناميكية الحركة في البلاد النامية أبطأ مما يجعلها حتى اليوم غير قادرة على اللحاق، وهنا تبرز أهمية البحث في الأسباب، كما وأن من اللازم جدًا والضروري عدم الانتظار لوقت أطول، لأن التطور لا ينتظر أحدًا، ومن لا يركب اليوم قطار التعليم الحديث، لن يجد له مكانًا فيما بعد، وهذا يستدعي أخذ الأمر بجدية أكبر.

قبل أيام حضرت لقاءً مطولًا عبر قناة اليوتيوب مع العالم المصري فاروق الباز وقد أجراه معه الإعلامي محمود سعد، ومما لفت نظري جملة قالها، حول جودة التعليم والمناهج الدراسية والمدرسين، ففي خمسينات القرن الماضي كنا نتخرج من الثانوية العامة، وهنا الكلام للدكتور الباز، وعندما نسافر لمواصلة التعليم في الخارج كنا ننافس الطلبة الآخرين في العالم، لأن جودة التعليم والمناهج والمقررات الدراسية والمدرسين آنذاك كانت بمستوى المناهج العالمية، وفي بعض المقررات كانت الأفضل، لهذا كنا ننافس وفي بعض الأحيان تتفوق على غيرنا من الطلبة. 

هذا الكلام دفعني لأفكر في الأمر، وأنا أتساءل حول جودة التعليم والمناهج والمقررات الدراسية في بلادنا؛ فلماذا تراجعت ولم تعد تنافس المناهج العالمية؟

بهاء رحال

كاتب وروائي فلسطيني

رأيك يهمنا