في عيدنا اسمعوا منا وليس عنا
يأتي يوم الثامن من آذار / مارس وذكرى اليوم العالمي للمرأة ليذكرنا مثل كل عام بما نعانيه كنساء على اختلاف أعراقنا وانتماءاتنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، من مختلف أشكال التمييز فقط لكوننا نساء. تزداد تلك المعاناة في مناطق أكثر من غيرها تبعا لعدة ظروف.
تعاني نساء منطقتنا من العديد من أشكال التمييز والعنف سواء من قبل من يمسكون بسدة الحكم أو ممن هم جزء من حيزنا الخاص أو المهني.
وفي هذا تكتب المجلدات، ولكن لكوني لست ممن تعتمد نظريات الضحية وتبجيلها لنساء ومواطني منطقتنا، أعلم جيدا أن هناك العديد من أشكال وحراكات المقاومة الملهمة والفعالة في الماضي والحاضر والتي ستستمر في المستقبل.
المجتمعات ليست ثابتة مثل تلك السلطات الجاثمة على عقولنا وبيوتنا وأنفاسنا، المجتمعات حيّة ومبدعة والنساء خاصة مقاومات ومتعايشات يدركن تلابيب مجتمعاتهن ويطورن مهاراتهن من أجل التعايش وإنتاج وتسيير اليومي للمجتمعات.
ينطبق هذا التصور أيضا على الحراكات النسوية في منطقتنا والتي تزدهر كل يوم وتبدع من أجل تحسين أحوال النساء في منطقتنا، ولكن في الأغلب لا يسمع عنها ولا منها وتظل التصورات النمطية حولنا كنساء تأخذ هذا الطابع الأبوي عنا كضحايا وتابعات وخاضعات.
فمن منا يعرف عن حراك نساء فلسطين ومجموعة "طالعات" واللاتي واجهن الأبوية والاحتلال ومحاولات التهميش من الداخل والخارج، وحراك نسويات مصر الشابات حول قضايا العنف ضد النساء وزواج القاصرات وغيرها من الحملات.
أتذكر منها قدرة بعض المجموعات على إلغاء حفلات كانت ستقام لمطرب كان آنذاك متهما بالاغتصاب وتمت إدانته قبل أيام. وأيضا التضامن العابر لنسويات فلسطين ولبنان والأردن ومصر حول قضايا القمع السياسي أو قتل النساء أو حوادث العنف والتحرش الجنسي.
كم منا حتى من منطقتنا يعرف عن الموكب النسوي السوداني وتلك الشابات اللواتي انضممن للثورة السودانية وطرحن وما زلن يطرحن قضاياهن رغم القمع العسكري والمجتمعي.
سادت المنطقة في السنوات الفائتة العديد من تجارب ومحاولات التوعية النسوية فأصبح هناك العديد من المواد التعليمية والتدريبية حول قضايا النساء والنسوية والحركات النسوية في بلاد مثل مصر والسودان والأردن ولبنان وتجربة الجريدة النسوية الجزائرية والتي ازدهرت بعد ثورة الجزائر منذ عدة أعوام.
ومع تأزم الأوضاع في بلاد مثل لبنان نجد أمهات وناشطات شابات يساندن أهالي ضحايا مرفأ بيروت طلبا للعدالة ومع وقوع الزلازل في تركيا وسوريا نجد أن النساء السوريات في الصفوف الأولى لمبادرات محلية مثل مبادرة مركز الكريمات للسوريات في تركيا.
ولو أتيحت لي الفرصة لسردت العديد من تلك التجارب والروايات ولكنها روايات بديلة متوارية وراء أبواب من منظومات حاكمة للحركات والدولة والمجتمع والحيز الخاص تعمل جاهدة على تهميش هذا الحراك، بل وأحيانا كثيرة التصدي له ومنعه أو تشويهه ليس لسبب إلا أن الأرواح الحرة عندما تنطلق فهي تخلق حالة من الارتباك لكل من حولها، من مجتمعات وأجيال ونظم اعتادت المألوف وترفض التغيير وأخرى أنهكت من كثرة الخسارات والهزائم فعاشت تداوي جراحها وآلامها وتتذكر بألم وحسرة الماضي الذي عاشته ليصعب على الجميع إدراك أصوات التغيير والأرواح الحرة حولنا وسط كل هذا الاستهداف والقبح.
ولكن على الأقل في شهر آذار، لنا الحق أن نتذكر ونتحدث عن تلك الفتيات والنساء ونقدم لهن ليس التحية فحسب، بل الدعم ليستمروا على أمل أن ننجح في أن نربي أجيالا ترفض قبول العيش في الهامش كما فرض علينا.