النساء العربيات ما بين شعار "التنوع" والواقع

تشير الدراسات الاجتماعية إلى أهمية احترام وتبني ثقافة "التنوع" البشري، الثقافي والاجتماعي في المؤسسات، الهيئات، اللّجان والمنظمات المختلفة. حيث إن اتباع نهج وثقافة تنظيمية تحترم التنوع، من شأنه أن يؤثر إيجابيا على العاملين/ات ويخلق بيئة عمل تدعم وتعزّز الحساسية الاجتماعية للاختلافات والفوارق وتطوّر القدرات الكامنة في المؤسسة.

فما هي ثقافة التنوع؟ 

هي ثقافة " التنوع البشري" التي تأخذ بعين الاعتبار دمج وتشغيل أفراد من مختلف الهويات والشرائح الإجتماعية بأماكن العمل، جندريا - بمعنى المساواة بين الجنسين، والدمج الاجتماعي والثقافي؛ بغية الانفتاح، والإتاحة، والتعزيز والمساواة في الفرص. وهو يبدأ بتوظيف العمال والموظفين ويمّر بأهمية الثقافة التنظيمية السائدة وأساليب التقييم، ليصل إلى مرحلة الترقية. 

وبناءً عليه، فإن أي مؤسسة تدرك كيفية الاستفادة من وجهات النظر، والخلفيات المهنية المختلفة من خلال تجنيد طواقم متعددة الثقافات، تكون لديها فرص أكبر لفتح آفاق مهنية واستراتيجيات جديدة تمكنها من التقدم والتطور على المستوى التنظيمي، المهني والإنساني. وفي الواقع عند اتباع ثقافة التنوع كخطوات استراتيجية، فإنه سيكون من أهم المصادر التي تقدم حلولا ابتكارية وإبداعية تلائم احتياجات مختلف الشرائح الاجتماعية، والتي بالمقابل تعود بالفائدة عليها وعلى الثروات البشرية الشريكة والمستفيدة من خدماتها.

بحسب ديفيد ليفرمور مؤلف كتاب "القيادة من خلال التنوع "، هناك نوعان من التنوع عادة ما يؤثران على السلوكيات التنظيمية في مكان العمل. النوع الأول: هو التنوع الواضح والفئات المهمشة، ويشير إلى تلك الاختلافات التي يمكن ملاحظتها بشكل فوري عند النظر إلى شخص ما. وهذا يتضمن الاختلافات التي تنبثق من الإثنية، والجندر، والعمر، والقدرات الجسدية (والمقصود ذوو الاحتياجات الخاصة)، وبعض الأحيان الانتماء الديني، والتي لا يمكن بأي شكل تمويهها، إذ إن الآخرين يحكمون على الشخص وقدراته بشكل مباشر من خلال مركبات "هويته".

والنوع الثاني : يكون مرتبطا في أكثر الأحيان بسياقات مكان العمل، هو أي شخص من ثقافة مهمشة في مجموعة ما، ويكون وجودها رمزيا Token، أكثر مما هو حقيقي كما تسميها روزابيث موس كانتر الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال.

لا يخفى على أحد طبيعة الواقع المركب للمجتمع الإسرائيلي، متعدّد الهويات، فكم بالحريّ للنساء العربيات الفلسطينيات اللواتي يعتبرن أقلية داخل أقلية وهكذا دواليك في دوائر ومحاور مختلفة ، ومجال العمل والتشغيل واحد منها، وقد يكون الأهم من بينها.

وعلى الرغم من التحديات الاجتماعية، والثقافية والدينية التي تثقل كاهل المرأة بشكل عام، إلا أن المرأة العربية بشكل عام والفلسطينية في الداخل بشكل خاص، أثبتت نفسها على الأغلب بكافة الميادين والمجالات العلمية ، المهنية والأكاديمية. 

ومع ذلك، لا بد من السؤال لماذا لا توجد نسبة "تمثيل" كافية من النساء وخاصة العربيات في المنظمات والمؤسسات؟ ولماذا تفضل المؤسسات أن يكون الرجال في صدارة هذه المناصب؟ 

ولنتعمق أكثر في هذه المساءلة، لربما يجب أن يكون السؤال لماذا لا توجد نسبة تمثيل "متوازنة" 50/50 مقارنة بنسبة الرجال في مواقع ومناصب إدارية تنفيذية؟

وإن وجدت كذلك أو أقل، فهل هذا التمثيل هو تمثيل حقيقي - فعلي مؤثر أم رمزي - شكلي لتغطية ثغرة الاستجابة لمفهوم "التنوع الجندري" و/أو تحسين صورة المؤسسة ؟ 

بشكل عام، يظل طريق النساء في عالم العمل غير ممّهد، إذ يواجهن العديد من الحواجز والعوائق سواء قبل دخولهن إليه أو بعد ذلك، ولو نظرنا حولنا، لوجدنا أن نساء كثيرات حطّمن ما يسمى ب "السقف الزجاجي" أو "سقف الإسمنت" كما يسميه البعض، نظرا للتحديات والصعوبات ومشقّة الوصول، ووصلن بجدارة إلى مناصب مرموقة ليكنَّ الأوائل والمتميزات "البارزات" في حضرة "الأكثرية" من الرجال وهو أمر مشرّف جدا، لكنه ليس سهلا في ظل نقص التوازن في التمثيل النسائي في هذه المواقع. 

فعلى سبيل المثال، بعض المهن وخاصة مجالات "الياقات البيضاء" مثل الهايتك، والعلوم والهندسة والمجالات السياسية نسبة النساء فيها أقل مقارنة مع الرجال، فمن بين تسع جامعات في البلاد فإنَّ امرأة واحدة فقط تشغل منصب رئيسة جامعة، وفي الحقل السياسي إنَّ التمثيل النسائي في البرلمان بتناقص مستمر بشكل عام وبين النساء العربيات بشكل خاص، ناهيكم عن مجال السلطات المحلية في البلاد ، فلم يصل عددهن يوما أصابع اليد الواحدة، مما يضع النساء في موقع "الأقلية" ضمن الفئة المهمشة، مما يضاعف التحديات لإثبات الذات ويفاقم الشعور بالوحدة.

 مع ذلك، الكثير من الأسئلة يجب التطرق لها، هل يجب الاكتفاء بهدف الوصول فقط؟ أم أنه في هذه المرحلة تكمن بداية التأثير الحقيقي والنوعي من خلال ذلك المنصب؟ وهل يمكننا القول إن سيرورة "المعاناة" مع التحديات قد انتهت؟  أم أن هناك تحديات من نوع آخر "وجديد" تقف للنساء بالمرصاد بالتحديد في هذه المرحلة؟

وهنا سأتطرق إلى النوع الثاني من التنوع "الرمزي" الذي تحدثت عنه روزابت موس كانتر، حيث تقول: إن النساء بمناصب عمل "كأقلية" هن مجرّد "TOKEN" في العدد، مما يجعل منهن "رموزا" تقع تحت طائلة التشكيك بالقدرات، والتهميش وحتى الإقصاء حد الاستبعاد من سيرورات اتخاذ القرارات الحاسمة. إضافة لذلك، سعت روزابيت في أبحاثها إلى إثبات أن العاملات والعاملين الذين يتم الاستعانة بهم وتوظيفهم في إطار التمثيل الرمزي للأقليات، داخل أماكن العمل، بهدف رفع "شبهة" الإقصاء والتهميش، يكونون أكثر عرضة للتمييز على أساس العرق أو الدين أو الطبقة أو الجنس من قبل مجموعة "الغالبية" المسيطرة. فهل هذا ما كانت تنتظره النساء اللواتي وصلن إلى أي منصب بجدارة؟ بالإمكان توقع الإجابة ، فعلى الرغم من تحقيق قفزات عالية في وصولهن إلى مراكز ومناصب متقدمة، إلا أنهن يجدن أنفسهن بمأزق مزدوج أمام ثقافة الكيل بمكيالين، من جهة الإشادة والترحيب بفكرة التنوع  ومن جهة ثانية التحيز والتمييز من منطلق عدم الثقة والتشكيك في القدرات القيادية للنساء، وغالبا ما تكون هي الثقافة السائدة في المؤسسات الكبيرة. 

الصورة ليست قاتمة إلى هذا الحد، لكن من الواضح أن النساء العربيات "كأقلية" يدفعن أثمانا باهظة ومضاعفة في سوق العمل، وما زال هناك الكثير من العمل والجهود التي يتوجب بذلها والاستثمار بها، لحث المؤسسات والهيئات للالتزام بالمعايير المهنية والتوصيات والقيام بها لضمان تمثيل منصف، حقيقي ومؤثر "فعليا" للنساء في أماكن العمل والمؤسسات المختلفة بشتى المجالات، وسن قوانين تضمن الحفاظ على بيئة مهنية داعمة ومنصفة تحترم القدرات والكفاءات النسوية وتضمن حماية النساء من الاضطهاد والإقصاء من مواقع التأثير وإتخاذ القرارات ليكن شريكات حقيقيات ومساهمات بحجم المسؤولية والتوقعات منهن كممثلات لفئات وشرائح تطمح للتأثير والتغيير النوعي، ولا ينقص مجتمعنا العربي كفاءات وخبرات نسائية جديرة ومتميزة، ويجب العمل على تذويت وتكثيف الاستراتيجيات وتنفيذها فعليا وليس فقط شكليا.


1 إنَّ كلمة (Token) في المفهوم الاصطلاحيّ في النَّواحي الاجتماعيَّة يعني الشخص الذي تم تضمينه في مجموعة لجعل الناس يعتقدون أن المجموعة تحاول أن تكون عادلة وتضم جميع أنواع الأشخاص، في حين أنَّ هذا الأمر ليس صادقًا على الإطلاق.

إيمان هواري

إعلامية، مستشارة ومحاضرة أكاديمية في الجامعة المفتوحة، متخصصة بالدراسات التربوية والجندرية

شاركونا رأيكن.م