"دفاتر الحرب": عن حفظ وتوثيق التفاعل الشعبي في الحرب على غزة

"خلال العدوان الأخير على قطاع غزة قررت تدوين يومياتي، وأحلامي قبل أن يقتلها الاحتلال الإسرائيلي"، هذا ما قالته سما شتات عن تجربتها في كتابة يومياتها خلال العدوان على غزة عام 2021، ليتجدد العدوان مرة أخرى على غزة في تشرين الأول 2023. وجدت خزائن نفسها أمام مسؤولية كبيرة في توثيق الأحداث الجارية تفاعلات حول العالم سعياً لتوثيق الحرب على غزة وما يرافقها من تضامن وتغيير على مستوى العالم. فمن هنا بدأت قصة إطلاق حملة "دفاتر الحرب" من خلال جمع مواد ورقيّة ورقميّة من كل مكان في فلسطين وخارجها، من ملصقات، منشورات، خطابات، رسومات، إعلانات، قصص وشهادات من حول العالم والتي جاءت لتندد بالحرب.

فحالَ إعلان أرشيف خزائن عن حملة "دفاتر الحرب" رسمياً على مواقع التواصل الاجتماعي، هالت رغبة المتطوعين من مختلف أنحاء العالم للمشاركة بالحملة إما بأرشفة أعمالهم وإنتاجاتهم الفنية، وإما بالنشر عن الحملة بمختلف اللغات، فترجمت الدعوة الرسمية للحملة من العربية إلى الإنجليزية، التركية، الدنماركية، السويدية، البرتغالية، الإسبانية، الهولندية، الألمانية؛ حيث كان الهدف هو الوصول جمع أكبر قدر ممكن من المواد من فلسطين والعالم التي توثق العدوان على غزة، والأنشطة التضامنية معها؛ فمنذ الإعلان عن "حملة دفاتر الحرب" في نهاية كانون الثاني 2024، وصلت خزائن ما لا يقل عن 500  مادة من فلسطين ومختلف الدول العربية كلبنان، الجزائر، مصر، الأردن، سوريا، ومجموعات أخرى من المكسيك، الدنمارك، النرويج، إيطاليا، بريطانيا وألمانيا، إذ تنوعت هذه المواد بين رسومات وملصقات، صور ويوميات، دعوات وخطابات رقمية وورقية حفظت بأسماء أصحابها، فانضم إلى أرشيف خزائن ما لا يقل عن أربعين مجموعة شخصية حفظت ضمن هذه الحملة  وحدها.

تتعاظم مخاوف الأرشيف عند حدوث الحروب أو النزاعات، ولنا نحن الفلسطينيون باع طويل من سلب ونهب لذاكرتنا، وضياع، وتشتت لذاكرتنا وهويتنا. من هذه التجارب انبثق هدف خزائن كأرشيف مجتمعي في الحفاظ على تاريخنا، هويتنا وذاكرتنا الجمعية، ولعل المختلف هذه المرة أن الناس في غزة يوثقون قصصهم آنياً؛ فعلى مر عقود من الزمن، تشكلت حكاية الفلسطيني من خلال العودة في الزمن إلى النكبة والنكسة، وما قبلهما، وما بينهما، وقلَّ ما وثقت آنياً، أو لحظة وقوع الحدث؛ فالغزي والغزية اللذان يصران على الحياة والبقاء، يتمسكان أيضاً بحقهما في نقل التجربة النضالية للعالم والأجيال.

لم تكن المواد التي وصلت خزائن ترصد فقط التضامن والتفاعل المجتمعي -المتصاعد الآن- لدعم القضية الفلسطينية، وتوثيق الأحداث، وقصص العائلات التي قتلت، ونزحت خلال العدوان فحسب، بل أنتجت هذه المواد لتقديم الدعم المادي أيضاً، حيث أخبرتنا فنانة شاركت موادها ضمن الحملة أنها ستجمع رسوماتها في كتاب ستبيعه وتتبرع بالمبلغ؛ لمساندة الناس في غزة، كما صادفنا مبادرة تجمع ملصقات من عدة فنانين حول العالم، وتوزع نسخاً مطبوعة منها؛ ليستخدمها المتظاهرون، وهي متوفرة للجميع دون مقابل مادي بشكل رقمي وورقي أيضاً.

استطعنا رصد كمية وعي هائلة في التعاطي مع حملة "دفاتر الحرب "، وهنا لا أتحدث فقط عن الدول العربية وإنما الأجنبية أيضاً، فكان الإقبال ملحوظاً من ناشطين، وفنانين، وأناس عاديين شاركوا تجاربهم، وصوروا ووثقوا المظاهرات، وكتبوا يومياتهم خلال الحرب، ومن هنا نود مشاركتكم بعض المجموعات التي وصلتنا رغم مرارة وقسوة الشهادات: 

  • مرام شوالي، شمال غزة : شاركت خزائن شهادتها الشخصية في تاريخ 4 شباط 2024،  وكتبت فيها: " وبداية النزوح كانت صيف وبدا البرد وما في ملابس والأسواق فاضية ما في مجال حتى تشتري، بس كنا نصبر حالنا بجملة يلا عندها خلصت وبنرجع نلبس لبسنا بس للأسف ضربو البرج وراح كل شي من ذكريات ومن حاضر ومستقبل"، وتكمل : "توجهنا لبيت عمتي ضلينا أسبوع ، بعد الاسبوع صار القصف وضربو البيت المجاور والكل كان بيظن الضربة بالبيت وكان في بنات أختي أطفال نايمين بالغرفة الأعمار 3 سنوات والتانية 3 شهور جربنا نطلعهم وكان لقزاز فوقهم وداخل ملابس الطفلة يلي عمرها 3 شهور. اتطرينا نطلع عند قرايب تانين ضلينا ما يقارب شهرين كانت المعاناة انو ما في أكل وإذا تواجد كلوو السلع غالية وما في امكانية للمشتراه لانو ما في دخل. وبعد هاي الفترة عرفنا انهم قربو علينا الدبابات والدخول البري ضلينا صامدين لحد ما وصلت الدبابة راس الشارع والرصاصة صابت جنب راس أخويا لكبير كنوع من التهديد للنزوح طلعنا نجري متل ما احنا بس حطينا شالاتنا واتطرينا ننزح على البحر بجو الأربعينة البارد ومعنا أطفال ما بتستحمل الجو - المنطقة تسمى بالمواصي - وهي يلي الاحتلال قال انها منطقة أمنة. بس للأسف كانت ليلة سوداء لكواد كابتر ما وقفت طخ علينا والمدفعيات تضرب بالجو وتنزل القذائف علينا وانحرقت خيمة الناس يلي جنبينا واتصاوب ابنائهم الاثنين. كنا متطرين نطلع من المكان علشان نحافظ على أرواحنا، احنا توجهنا لمنطقة الدير وباقي العائلة توجهت لرفح. وعلى مين الدور لسا ما حد بيعرف".

  • علي الجابري: عراقي ولد ويقيم في الدنمارك، شاركنا العديد من الصور التي توثق التظاهرات الحاشدة التي شهدتها شوارع الدنمارك تنديداً بالحرب ومطالبةً بإنهائها.

  • سالي سمير: فنانة مصرية، ساهمت ببعض رسوماتها، ترسم سالي أشخاصاً حفروا في ذاكرتنا، وحفرت كلماتهم، أسماؤهم، وأحلامهم في أذهاننا.

  • تيريل   فاريول: مؤلفة قصص أطفال ورسامة من النرويج، تعمل في هذا المجال منذ 15 عاماً، أخبرتنا أن هدفها في هذه المرحلة من التاريخ هو نشر التوعية حول القضية الفلسطينية حتى تتحقق حريتها، من موادها رسومات وملصقات خُطَّت عليها عبارات لدعم القضية الفلسطينية والمطالبة بإنهاء الحرب.

  •       إيل وود: وهي مصورة وثائقية من بريطانيا وثقت العديد من الصور للمظاهرات والتنديدات بالحرب على غزة في المملكة المتحدة، من خلال عدستها تحاول إيلي توثيق التنوع الثقافي، وإحداث التغيير.

ستكون جميع هذه المواد متاحة قريباً على صفحة خزائن الرقمية للمهتمين من الناس، الباحثين والطلبة لاستخدامها لأغراض بحثية. نؤمن أن لكل مادة قيمة معنوية كبيرة ومهمة جداً في توثيق حكاية الإنسان ودوره ومساهمته في بناء الهوية المجتمعية، وكلنا أمل أن تتيح هذه المواد الفرصة للباحثين والمهتمين في إعادة تشكيل ودراسة وبحث الخطاب والحراك الفلسطيني والعربي والاجتماعي العالمي.

للمزيد من الأعمال زوروا الصفحات التالية:

 من مجموعة للفنان عمر السيد

من مجموعه من رسومات الفنان عبد الرحمن شرف

من مجموعة الفنان سمير بن صالح من الجزائر

من مجموعة منصة كليم

آلاء القاق

شريك مؤسس و منسقة وحدة العلاقات العامة في أرشيف خزائن الواقع في مدينة القدس حي الشيخ جراح، وهو أرشيف مجتمعي يوثق حكايا الناس من خلال جمع المواد والمنشورات قصيرة المدى (مطويات، منشورات، دعوات، ملصقات،..) من فلسطين والعالم العربي . يسعى لبناء مورد معرفي يشكل مساحة لإنتاج وتوفير مضامين ثقافية ومعرفية، تساهم في دراسة التاريخ المجتمعي ورفد المهتمين بأدوات بحثية تساعدهم على دراسة الماضي وفهم الحاضر وبناء المستقبل.

رأيك يهمنا