أسئلة جوهرية - عن النفاق وازدواجية المعايير

لكلٍ منا مذهبه في الكتابة كما الحياة.. له طريقته.. أسلوبه.. اتجاهاته.. رؤيته التي يمكننا أن نطلق عليها في بعض الأحيان مبرراته.. تفاعله الذي قد يأخذ شكلاً مغايراً لما نتوقعه أو نعتقد أنه ينبغي أن يكون عليه، لذا لا يجب علينا أن نجزم بوجود إجماع أو توافق أو حتى تعاطف كامل نحو أي قضية حتى وإن كانت القضية هي فلسطين.. فشرعيتها التي تدفعنا للإيمان بها آتية من صدقها وعدالتها لا من عوامل أخرى قد تختلف باختلاف المراحل أو المعطيات أو الأشخاص..

فبرغم تصاعد التأييد الشعبي وتغير الرأي العام العالمي إيجاباً وبشكلٍ غير مسبوق عابر للثقافات والأديان إلا أن هناك خللاً واضحاً طفا على السطح سواءًا كان ذلك على مستوى المنظمات الحقوقية المعنية بالإنسان والطفل والمرأة وحماية التراث والتاريخ والآثار، أو على مستوى الأسماء التي كانت تتصدر المشهد كممثلة لهذه المؤسسات وحاملة لفكرها ومدافعة عنها، حيث التزم أغلبها الصمت أو الحياد خاصةً في بداية الأحداث وذروتها فيما صدر عن بعضها لاحقاً وبعد مدة طويلة بضعة خطابات هزيلة المعنى واللغة والمضمون، ولكن الأنكى من ذلك هو انتظار البعض منهم لهدوء الزخم الذي رافق هذه الحرب للإدلاء بتصريحات عنصرية تخلو من الإنسانية وتناقض كل الشعارات التي رفعتها لعقود، وهو ما كشف عن وجه آخر لبعض الشخصيات التي كانت تتواجد بيننا وتظهر على منابرنا وشاشاتنا وأبرز حقيقة ما تبطنه في هذه المرحلة الدقيقة والكاشفة من تاريخنا الحديث، فلا تشمل اهتماماتهم أو تصريحاتهم أي حقوق لأي فرد من أبناء الشعب الفلسطيني (وهو ما ينطبق على بقية الشعوب التي لا تنتمي إلى العرق الأبيض) سواءاً كان طفلاً أو إمرأةً أو مسناً أو مريضاً أو أسيراً أو حتى ميتاً، ولا تتحدث عن أي حماية لأشخاص يؤدون واجبهم بمنتهى الإخلاص والتفاني مثل الكوادر الطبية أو المسعفين أو العاملين في الدفاع المدني، ولا تتحدث عن استهداف المستشفيات أو المدارس أو دور العبادة أو المواقع التاريخية على أقل تقدير..

وبالطبع رغم قسوة هذه الحرب وفداحة الخسائر البشرية والمادية ووقعها على أهل قطاع غزة المنكوب بشكلٍ خاص من الناحية النفسية إلا أنها استطاعت أن تسقط القناع عن كل تلك الإدعاءات ومختلف تلك الوجوه، وتخرج ما التبس فهمه على الناس من المنطقة الرمادية التي سعى الكثيرون إلى الاختباء فيها إلى منطقة واضحة لا تقبل التأويل، وهو ما يوجب على الجميع التعامل معه بوعي وحكمة تلزمنا ألا ننسى ما اكتشفناه أو اتضح لبعضنا جلياً خلال هذه الأزمة حتى لا نعود إلى المربع الأول قبل هذه الأحداث، فإنبهار الكثيرين ببريق هذا الاسم أو ذاك (وهو ما ينطبق على المثقفين والشخصيات العامة) يجب أن يمر عبر بضعة أسئلة جوهرية (خاصةً وأن الجماهير هي من وضعتهم في مكانتهم الحالية) عن قيمة ما يقدمه ومدى تشابهه وانسجامه مع روح مجتمعاتنا وتمثيله لها واحترامه لكينونتها، حيث تثار في الإعلام الغربي دون حرج أو مواربة أو تحفظ من وقتٍ لآخر سواءاً كان ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا أو إيطاليا وغيرها من الدول العديد من الأسئلة عن مدى ملائمة بعض الفئات أو المهاجرين أو حتى بعض المشاهير الذين وفدوا إليهم ونجحوا على أرضهم (للقيم المحلية) أو الثقافة الغربية، حتى وإن كان ذلك بأسلوب عنصري عدائي مع استخدام متكرر وتشديد على الحفاظ على القيم الأوروبية، فإن كنا نقتدي بهم في العديد من نواحي الحياة فعلينا أن نماثلهم في هذه النقطة تحديداً قبل أي شيء آخر لأنها نقطة بالغة الأهمية ويترتب عليها الكثير من الناحية الاجتماعية بشكل رئيسي ناهيك عن تأثيرها على وعي الأجيال الجديدة..

وبرغم استمرار العدوان إلاّ أنه يتوجب علينا قراءة المشهد كما هو دون محاولة تجميله والتعلم منه، كما ينبغي أن نكف عن التقليل من شأن أنفسنا وألا نسمح لليأس بالتمكن من أرواحنا.. فالكثير منا يتألمون لما نراه من كوارث ومآسي على مدار الساعة في قطاع غزة إلا أننا يجب أن نكون أفضل لأجلهم..

خالد جهاد

كاتب وشاعر فلسطيني - أردني، له مقالات متنوعة في الشأن الثقافي والاجتماعي

شاركونا رأيكن.م