الدرس الاجتماعيّ من تجارب الأطفال مع الحيوانات الأليفة

يجلس آدم على كرسيّه الصغير في الحلقة التي أنشأناها في الصف لنتعلم حصة من برنامج "شركاؤنا على الأرض"، ويقصّ علينا بابتسامة محرجة عن الحدث الذي سحق فيه رؤوس أرانبه الثمانية بالطورية بعد مشاهدة فيلم رعب أعتقد بسببهِ أن الأرانب هي أعداءه. حدث ذلك منذ زمن طويل، عندما كأن لا يزال طفلا في الصف الثاني. أما الآن، بعد أن غدا صبيا كبيرا في الصف الرابع وبعد أن تعلم طول العام الدراسي أن الحيوانات ليست شريرة، بل بالحري قد تكون جيدة، أصبح بإمكانه أن يشاركنا بأفعاله البليدة. 

على الرغم من أن قصة آدم فاقت الحدود، إلا أنها غير استثنائية في حصص برنامجنا التربوي لرفع الوعي للرفق بالحيوان، وهي تكمن في داخلها العديد من الأوجه المختلفة للواقع المحزن الذي يعيش فيه أطفال المجتمع الفلسطيني المهمش في البلاد. تسرد قصة آدم قصص العديد من الأطفال الذين ينكشفون دون رقابة للمحتويات المؤذية عبر الشبكات الاجتماعية أو عبر شاشة التلفاز، قصة الخوف والرعب الذي يشعرون به دون مرجع آمن يلجؤون اليه لمعالجة مشاعرهم المضطربة، اللامبالاة التي يطورها العديد من الأطفال والشبيبة تجاه الكائنات الحية المستضعفة التي تعيش في ظروف مزرية في ساحات بيوتهم من قفص صغير إلى حبل قصير دون سطح يحميهم المطر البارد كما الشمس الحارقة، وأخيرا استخدام العنف كوسيلة للتعامل مع مشاعر لا يسعهم التعبير عنها بوسيلة أخرى. على الرغم من أن إحدى المشكلات الرئيسية هي أن آدم، مثل الكثيرين غيره، يعتقد أن الارانب هي ملكه، ولذا يسعه أن يفعل بها ما شاء، الا أن الاحداث كانت قد تتطور بشكل مختلف لو نشأ تحت ظروف مختلفة عن واقعهِ في احياء العشوائيات في إحدى بلداتنا العربية.   

أما نورين فقد ترعرعت في قرية بشمال البلاد، طالما افتخرت نورين بـ"سمسم"، كلب من نوع "بيكينيز" الذي اشترته شقيقتها الكبرى، فكانت ترسل صوره لصديقاتها وتشارك الطلاب والمعلمة حبّها لكلبها. في أحد الدروس، ما لبثت المعلمة دخول الصف، إلى أن أخبرتها نورين بأن جندية قد دهست كلبهم مساء أمس بينما كأن يتجول في شوارع القرية، وهي لا تعرف ماذا تفعل لأنه يعرج من حينها. على الرغم من التعليمات الواضحة التي أعطتها المعلمة لنورين باصطحاب الكلب إلى الطبيب البيطري، للتحقق مما إذا كانت ساقاه مكسورتين، أو ربما كانت هناك إصابة أكثر خطرا، عندما سئلت في الأسبوع التالي، أجابت أن الطبيب البيطري سيكون مكلفًا للغاية لذلك تأمل عائلتها أن يتحسن الكلب لوحده.

قصة نورين تشكل نموذج اضافي للاستهتار بحياة الحيوانات الأليفة الذي نجده بكثرة في مجتمعنا، وهي تتطرق لموضوع امتلاك الحيوانات من زاوية أخرى. ما لم تعرفه عائلة نورين عند شراء الكلب، هو مستوى المعاناة التي تتعرض لها الكلاب بسبب الصناعة والتجارة المروعة للكلاب الأصيلة، والتي أصبحت شعبية في السنوات الأخيرة بالمجتمع الفلسطيني. تحتجز الكلاب في هذه الصناعة الوحشية في مزارع خاصة بظروف مزرية، لتتكاثر ويتاجر بها بأسعار باهظة. على الرغم من دعمهن لهذه الصناعة بمجرد شراء الكلب. نورين وشقيقتها لسن مذنبات بوحشية التجار. على الأرجح، أرادت شقيقة نورين تقتني هديةً لها وتسعدها بالكلب. المشكلة تقع عندما لا تفكر للحظة باحتياجاته، أو بكونه كائن حي يشعر بالسعادة والألم، ولا تأخذ بعين الاعتبار أن عليها أن تأخذه لمشوار مشي مثلًا. 

في يوم الطبيعة من دورة "حراس الجنة"، يلعب طلاب الصف الثاني في الحرش ويكتشفون من جديد ما عرفه أجدادهم عن التواجد البسيط بالطبيعة دون أي وسيط تكنولوجي، أو شاشات تسلب انتباههم. في الحرش يصادف الأطفال الكائنات الحية التي تعيش هناك، وهذا جود يأتي بسلحفاة وجدها قرب جذع الشجرة الساقطة، ويعبر عن رغبته في اتخاذ السلحفاة إلى منزله ليربيها في ساحة الدار.

بعد ساعة طويلة من المحادثة، الحوار والقصص، بها يتعلم جود أن للسلحفاة حق بالحياة الحرة، حيث يمكنها أن تعيش في بيئتها فتلتقي بسلاحف أخرى وتتكاثر، وتعيش حياة سلحفاة طبيعية، يوافق، وهو يبكي ويدمع، أن تحرر السلحفاة وتتركها بشأنها في ركن بعيد عن الأنظار في الحرش. وجانب اضافي لفكرة تملك الحيوانات، لم يملك أحد هذه السلحفاة، الأفعى والعنكبوت، لنا نحن الحق بأن نسلبها من بيئتها ونربيها تحت ظروف لا تأخذ بعين الاعتبار أي من احتياجاتها الأساسية في الحياة. خلاصة القول، هذا الفكر هو أساس الازمات والمشاكل البيئية التي تواجهها البشريّة هذه الأيام.

تعود تربية الحيوانات الأليفة بالكثير من الفوائد على الأطفال والبالغين على حد سواء، فقد أثبت علميا أن تربية الحيوانات الاليفة تقلل من مستويات القلق، تعزز التفاعل الاجتماعي، وتؤثر بشكل إيجابي على الصحة الجسدية والعقلية. جميعنا نعلم عن العلاج بمساعدة الحيوانات، وعندما يربي الطفل حيوانا أليفا، تتكون علاقة ما وراء الكلمات، بها يحظى الأطفال بحب غير مشروط، دون أحكام. لغة الحيوانات الصامتة ترفع من مقدرة الأطفال على التعاطف، والاتصال الجسدي المباشر يلبي حاجة إنسانية أساسية.

على الرغم من ذلك، تربية الحيوانات قد تعود بالضرر أيضا، وتعمق المشاكل الاجتماعية عندما تتم بشكل خاطئ وأناني. عندما يعنف طفل حيوانا فيضربه أو يقتله بسبب ضائقة نفسية، أو يهمله ولا يعالجه بسبب عدم اكتراثه لاحتياجاته، قد ينسخ هذا التصرف للبشر في المستقبل، ولا حاجة للشرح عن أبعاد ذلك. التربية يجب أن تكون لأجل الرفق بالحيوان وهي تؤثر على المسار الذي يسلكه هؤلاء الأطفال في المستقبل.

د. منى شاهين

طبيبة بيطرية وناشطة بيئية

شاركونا رأيكن.م