السياحة في بلادنا، الجوهرة غير المصقولة
تعتبر فلسطين التاريخيّة من البلاد المميّزة على الصعيد الجغرافي، فهي تحوي الجبلَ والبحرَ والصحراءَ وغيرَها من المميّزات الطبيعيّة، عدا عن الإرث الحضاريِّ والتاريخيّ، الأمر الذي يؤهّل فلسطين التاريخيَّة لأن تكون وجهة كلِّ سائح سواءَ كان يبحثُ عن الطبيعةِ أو الحضارة أو ما بينهما.
دور السياحة كرافعة اقتصادية يكمن من خلال تأثيرها المباشر وغير المباشر على عدة قطاعات كما سنفصّل لاحقاً.
بلغَ عدد السياّح الوافدين لإسرائيل عام 2022 حوالي 2.67 مليون سائح (4.6 مليون عام 2019)، وبلغت الايرادات من القطاع السياحيّ حوالي 13.5 مليار شيكل (23 مليار عام 2019). معظم السيّاح يأتون من أوروبا (حوالي 57%) أو أمريكا (حوالي 33%). وبحسب معطيات وزارة السياحة الأخيرة (03.2023)، تشكل الإناث 53% من مجمل السيّاح. أحد المعطيات الإضافية الهامة هو أنَّ من بين السيَّاح المجيبين على استبيان وزارة السياحة الأخير صرّحَ حوالي 62% منهم بأنهم يسافرون لوحدِهِم، وأنَّ 34% من السياح كان هدفهم زيارة الأماكن الدينيّة المسيحيَّة التي يتركز الكثير منها، بطبيعة الحال، في القدس أو في البلدات العربيّة مثل الناصرة وكفركنا وغيرها.
في عام 2019، وقبل جائحة كورونا، وصلت الإيرادات من السياحة إلى حوالي 23 مليار شيكل. للأسف لا توجد احصائيّات دقيقة عن السياحة في البلدات العربيّة وعن دَور السياحة في الاقتصاد العربي العام، خاصة عند الحديث عن البلدات الصغيرة. قد نجد بعض المعطيات هنا وهناك عن البلدات الكبيرة والتي تلعب السياحة دورا محوريا في اقتصادها مثل الناصرة.
عند الحديث عن الناصرة مثلا والتي تعتبر وجهة سياحية مهمة خاصة لدى مريدي السياحة الدينية نجد ان بين السنوات 2017-2019 كان عدد الفنادق في البلدة بحسب المعطيات المنشورة من خلال دائرة الإحصاء، عشرة فنادق وتشمل 1275 غرفة مبيت متاحة للحجز.
أيضا في العام 2019، دخل الفنادق في الناصرة من مبيعات "المبيت" كان حوالي 328 مليون شيكل أي ما نسبته 2.5% من مجمل إيرادات المبيت والتي كانت في نفس العام حوالي 12.7 مليار شيكل، قد يبدو الرقم 328 مليون معقولا للبعض، لكن ان اضفنا اليه ان عدد الفنادق لم يتغير بما معناه انه لم يتم الاستثمار في هذا المجال فيمكن عندها الاستنتاج انه كانت هناك "فرص ضائعة" لم يتم استغلالها خاصة عندما نضيف المعطى الذي يقول انه في العام 2019 عدد السياح كان حوالي 4.6 مليون سائح مقارنة بحوالي 4.1 مليون سائح في عام 2018. والحديث ليس فقط عن فقدان المدخول من ليالي المبيت انما من كل المرافق لها مثل اشغال المطاعم، فعاليات ثقافية وغيرها.
معطى إضافي يمكن ان يدلنا على الفرص الضائعة في مجال السياحة وهو عند الحديث عن القدس مثلا، حيث نجد ان بين السنوات 2018 و 2019 تمت إضافة حوالي 300 غرفة فندقية في القدس الغربية، في حين لم يتم إضافة اية غرفة جديدة في القدس الشرقية، رغم ان القدس الشرقية تتصدر المركز الأول في نسبة اشغال الغرف من قبل سائحين أجانب (95.5%)، مما يعني ان هناك فئة معينة من السياح تستهدف زيارة القدس وان هناك فرصة لاستقطاب المزيد من السياح من خلال زيادة عدد الغرف ومن خلال إقامة فعاليات أخرى قد تهم السياح. من الجدير ذكره ان المركز الثاني من ناحية اشغال الغرف من قبل سياح أجانب احتلته الناصرة بنسبة اشغال تصل ل 83.9%.
جميع المعطيات التي ذكرناها أعلاه تؤكد وجود فرص لا يتم استغلالها، ومن خلال مقارنة معطيات مع البلدات اليهودية نجد أيضا ان تطوير السياحة في البلدات العربية ليست على اجندة أصحاب القرار. من المهم ذكر أنه أقيم عام 2017 مؤتمر برعاية وزارة السياحة حول تطوير السياحة في المجتمع العربي، ومن غير الواضح كمُّ الميزانيات التي تم رصدها فعليًّا ومدى مساهمتها في تعزيز السياحة الفعليّة في المجتمع العربي، وبطبيعة الحال من المهم التشديد ان تطوير السياحة لا يتم فقط في الأماكن المفهومة ضمنا مثل البلدات التي تحوي اثار او تعتبر وجهة سياحية واضحة، انما يمكن تطوير سياحة كاملة من خلال تطوير مضامين قد تكون مهرجانات ثقافية او مضامين تتعلق بالطبيعة او حتى بالرياضة وغيرها.
كما أشرنا، تعتبر السياحة واحدة من المجالات الرئيسية التي تسهم في تحقيق النّمو الاقتصادي، حيث تمتلك القدرة على تعزيز دَور القطاعات الخدماتية الأخرى مثل الضيافة والمواصلات بالإضافة إلى تعزيز التجارة، وتشجيع الاستثمارات وخلق فرص عمل، وغيرها.
من المهم الإشارة إلى أنَّ تعزيزَ دَور السياحة يجب أن يكون من خلال خطَّة استراتيجيَّة شاملة، يتم اعدادها لكل بلدة على حدة، بشكل يضمن أن تكون السياحةُ مستدامة وجزءًا، ليس فقط من التعزيز الاقتصادي، إنما الاجتماعي كذلك، مع التطرق إلى السياحة الداخليَّة بين البلدات العربيَّة.
اليكم أبرز المجالات التي تساهم السياحة في تعزيزها:
توفير فرص العمل
يعتبر القطاع السياحي مصدرًا هامًا لإيجاد فرص العمل وتوفير الدخل للمجتمعات المحليَّة. فهو يعمل على توظيف العديد من الأشخاص في مجالات متنوعة مثل الفنادق، والمطاعم، ووسائل النقل، والترفيه. بالإضافة إلى ذلك، يدعم القطاع السياحي قطاعاتٍ مرتبطةً به، مثل القطاعات الحرفيَّةِ والزراعيَّة، ممّا يزيد من الفرص الاقتصاديَّة ويعزز التنمية المحليَّة.بالإضافة، تعزّز السياحة زيادة الأعمال، خاصةً عند الربط بين مميزات السائح الوافد واحتياجاته، بحيث يتم توفير الاحتياجات من خلال مشاريع مناسبة يتوجَّبُ دعمُها وتشجيعها من قبل الحكم المحلي والمركزي.
تحسين التوازن التجاري
يساهم قطاع السياحة في تحسين التوازن التجاري للدولة، من خلال زيادة الإيرادات من السياحة الوافدة. يقوم السياح بإنفاق الأموال في المواقع السياحيّة والفنادق والمطاعم والأسواق، مما يسهم في زيادة الطلب المحلي وتعزيز القطاعات الاقتصادية المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، يؤدّي ارتفاع أعداد السياح إلى تعزيز الاحتياطيات النقدية للدولة من العملات الاجنبية.
تطوير البنية التحتية
يعتبر القطاع السياحي محفزًا قويًا لتنمية البنيَة التحتيَّة في البلدان المضيفة. تعتمد صناعة السياحة على وجود بنية تحتية جيدة تشمل الطرق والمطارات والفنادق والمرافق السياحيَّة الأخرى. لذلك، يتعيَّن على الحكومات الاستثمار في تحسين البنية التحتيَّة لجذب المزيد من السيّاح وتوفير تجارب مريحة وجذّابة لهم.
تعزيز التبادل الثقافي وتبادل الخبرات
تساهم السياحة في تعزيز التبادل الثقافي والتفاهم العابر للحدود. عندما يقوم السياّح بزيارة وجهة جديدة، يتعرفون على ثقافات وعادات مختلفة ويتفاعلون مع سكان المنطقة، مما يؤدي إلى تعزيز الوعي الثقافي والاحترام المتبادل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للسياحة أن تسهم في تبادل الخبرات والمعرفة في شتى المجالات، مثل العلوم والفنون والتكنولوجيا، من خلال المؤتمرات والمعارض وورش العمل التي تستضيفها الوجهات السياحيّة.
يوجد عدة مجالات إضافية تساهم السياحة بتعزيزها، مثل حفظ التراث، مِمّا يمكن ترجمته بشكل غير مباشر لعائدات اقتصادية.
لا شك أنَّ بلداتنا العربية بحاجة ماسة لطرح موضوع السياحة وتعزيزها من أجل الاستفادة من الإيرادات الكبيرة الكامنة في هذا القطاع؛ فحتى اليوم يمكن اعتبار السياحة الجوهرة التي لم يتم صقلُها بعد.