الشباب العربي الفلسطيني يقرأ – مبادرة انكتاب
في الصّف الخامس الابتدائيّ أتذكر دخول معلّم اللغة العربيّة إلى صفّنا، يخبرنا كم أننا في قاع الأرضِ، فالبُحوث تشير إلى أن معدّل القراءة في الوطن العربيّ لم يتجاوز ال 8%، وعن الأزمة الحقيقيّة التي نعاني منها نحنُ والكتب.
منذ ذلك العام، وذلك الموقف الذي حدث في ذلك الصفّ الصغير في الطابق الثاني من المدرسة بقي عالقًا في ذهني، لماذا الشباب لا يقرأ؟ ما مشكلتنا مع الكتب؟ ألسنا أمّةً تقرأ؟
القراءة ممارسةٌ لها أسس ومنطق، قبل الخوض في أسسها لنبحث عن أسباب عزوف الشباب العرب عن القراءة، باعتقادي أن هنالك نظرة سائدة خاصّة في المدارس، أن من يقرأ فهو معقّد يعاني من فراغ في حياته ويقوم بملئه بالقراءة. وهذه النظرة تجعل القرّاء يخفون قراءاتهم عمن حولهم بسبب النظرات والأحكام المجتمعيّة السائدة، ومن جهة أخرى يسأل الشباب: لماذا يُقرأُ كتاب إذا كان توأمه فلمًا؟ أليست مشاهدة الفلم أمتع من قراءة قصّته؟
ظننتُ دائما أن الحل هو في جعلِ القراءة "ترند" ولذلك خصّصت صفحاتي في مواقع التواصل الإجتماعي لتتناول الكتب كوجبةٍ لها، حاولتُ على أعوامٍ عدّة أن أطرح الكتب في كلّ الاتجاهات حتى وصلتُ لمعادلةٍ أسميتها "انكتاب". الاسم مشتقٌ من الفعل الثلاثيّ المجرّد "كتب" على الوزن الصرفيّ "انفعال" وهو عبارة عن برنامج يتكوّن كل موسمٍ له من أربعة عشر حلقة، في كلّ حلقة أناقش فيها كتاب، أنقده، ألخصّه، أدعو لقراءته ولربما للعكس.
بدأتُ في هذه الحلقات منذُ عدّة أشهر، وتفاجأت من كميّة الشباب العرب الذين يقترحون عليّ كتبًا لأقرأها من قراءاتهم الشهرية ولربما الأسبوعيّة! وصدقًا تفاجأت بالكمّ، كان هنالك مجموعة كبيرة تقرأ لكنها ببساطة لا تشارك هذا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فكلّ منا يختار ماذا ومن يشارك.
حقق انكتاب نجاحًا لم أتوقعه بتاتا، فالمحتوى الذي أقوم بصنعه "ممل" مقارنةً بما يُنشر من مقالب وتحديات وموضة فصفحاتي تتحدث عن الكتب والقراءة ونصائح في هذا الشأن. فمع كلّ حلقة أقوم برفعها يتضاعف عدد المشاهدات والتشجيع. لدى انكتاب طريق طويل في نشر المعرفة وأهميّة القراءة للأفراد والمجتمع، لن يتوقف انكتاب عند التوعية بفيديوهات مصوّرة وبرامج، بل سينطلق ليكون انكتابًا على أرض الواقع بين بلداتنا وقرانا العربيّة.
قُبيل تخطيط فكرة البرنامج بحثت عن صناع محتوى فلسطينيين في القراءة، لكنني لم أجد، يوجد لدينا صناع محتوى في شتى المجالات عدا هذا المضمار المهم لكلّ الشعوب ونهضتها، فعند انشائي لهذه المنصّة لم يكن أمامي أمثلة للنظر اليها والبحث في محتواها وكيفيّة عرضها ليس لأن محتوى القراءة الفلسطيني محدود، بل معدوم للأسف.
في عام 2015 وأنا أتصفّح اليوتيوب رأيت قناةً لفتاة مصرية قامت برفع عدّة فيديوهات على قناتها تتناول بها قراءاتها الشهريّة وتتحدّث عن الكتب وتقيّمُها، كانت تلكَ أول مرة أرى محتوً كهذا، وقلت مستغربة: "في هيك إشي؟". ومن هناك بدأت رحلتي في البحث عن صناع محتوى القراءة، ووجدت قنواتٍ قليلة في عالمنا العربي، لكن اليوم وبعد مرور عدّة سنوات أصبح هناك تطوّر ملحوظ في صناعة المحتوى العربيّ على الانترنت. فأصبح عربيًّا في مجال القراءة تنافس على القراءات ومعارض الكتب، وهذا الأمر الذي لم نشهده من قبل.
صناع المحتوى في عالم الكتب ينقسمون الي قسميّن، الأول والذي أكلَ معظم الكعكة هم ما يُطلق عليهم "Booktubers" أي – كتاب اليوتيوب، أو بمعنى أقرب - صفحاتهم مختصّة في القراءة والكتب. وأصبح لدى صناع المحتوى جمهور واسعٌ وقرّاء يحرصون على أخذ تقييم للكتاب قبل اقنائه وقراءته، فأصبحت دور النشر والكتاب يهدون كتبهم لصناع المحتوى لكي يعرضوها ضمن فيديو يرفعونه على قنواتهم، كما وتتم دعوتهم لمعارض الكتاب الدوليّة لكي يقوموا بإعلاناتٍ لها ولدور النشر المشاركة. وفي آخر سنوات أصبح الكُتّاب يخافون من نقد كتبهم على يد "صناع المحتوى" أكثر من "النقّاد" بسبب القاعدة الجماهيرية التي يحتلونها. أما القسم الثاني فهو القسم الذي لم يتّخذ من اليوتيوب بيتًا له، بل انطلق عبر منصات التواصل الاجتماعيّ المختلفة.
لا نضع اللوم في أزمة القراءة في مجتمعنا على الشباب الذي لا يقرأ فلو نظرنا حولنا نرى قلّة عدد المكتبات مقارنةً بالأماكن الترفيهيّة، المعابد الدينية، المطاعم وأماكن السهر. وإن عكس هذا فيعكس أن اختيار المكتبة "كمكان "لتقضية الوقت" سيكون آخر قرار لدى الشاب العربي الفلسطيني لقلّة وجودها. كما أنّني لا أتذكر في آخر عشر سنوات قيام معرض كتاب ضخم، فيه آخر الإصدارات لدور النشر المختلفة. قبل ثلاثة سنوات بحثتُ عن روايةٍ لكاتبة يمنيّة سويسريّة في كلّ مكتباتنا في الداخل الفلسطينيّ والضفّة الغربيّة ولم أجد. أردتُ أن أحصل على الرواية الورقيّة وليست الالكترونيّة، لم يستطع أيّ من دور النشر ولا المكتبات توفيرها. فقمتُ بإرسال رسالة للكاتبة عبر فيسبوك ولم أصدق عيناي عندما قامت بإرسالها كصيغة الكترونيّة "PDF" وقمت بطباعتها لأستمتع بقراءتها. عبر هذه القصّة القصيرة أريد أن أقول إن خيارات القراءة أمامنا ليست واسعة الأفق، فالكتب التي توفرها المكتبات هي الكتب المروّج لها، كما وأريد أن أصف الكتب تلك بالكتب الخفيفة. عناوينها مختلفة لكنّ محتواها متشابه.
ختامًا أثّرت وتأثر مواقع التواصل الاجتماعي على الشباب وعلى نظرته للمحتوى الذي يصنعه ويشاهده، ففي العالم العربي أصبحت صناعة محتوى القراءة والكتب شرعيّا ومرحّب به. وعلى أمل أن يزداد في مجتمعنا الفلسطينيّ صناع هذا المحتوى ليلقى شرعيّته وليتعرّف الشباب على نوعٍ جديد من المحتوى الذي يستطيعون التعامل معه وانشاؤه لترتفع بذلك قيمة المحتوى العربي الفلسطينيّ على الانترنت.
مبادرة انكتاب كانت الأولى فلسطينيّا، على أمل أن تكون مثلًا في ظلّ حياتنا السريعة التي أصبحت تشبه الماكينات والتي لا نملكُ فيها حتى النفسَ، فعندما يكونُ المثالُ جاهزًا يكون التقبّل والشرعيّة أسهل وأسرع.
أمارات إغباريّة
حاصلة على درجة البكالوريوس باللغة العربيّة والتاريخ، وطالبة بكالوريوس في الحقوق بالمركز الأكاديميّ للقانون والعلوم