الانخراط في السلك الدبلوماسي – من حلم طفولة إلى سيرة مهنية
العمل في السلك الدبلوماسي كان حلم الطفولة، حين كنت في العاشرة من عُمري لاحت في الافقِ مهاراتٌ خطابية وكتابية ظهرت في عدة فرص مدرسية. قد أختصر أحلامي الدبلوماسية بأنها ثمار لتعزيز والديّ لشخصيتي. وُلدتُ في قرية كُفر ياسيف في الجليل الغربي، لأبٍ قائدٍ اجتماعيٍ بالفطرة، ولأمٍ تدخلُ عامها الثلاثين في مهنة التربية والتعليم. والداي هما سبب مباشر وغير مباشر في آن واحد لإصراري على تحويل الحلم إلى واقع. بالإضافة الى ذلك، أتاحت الأطر المدرسية لي فرص التعبير عن رأيي واستثمرت في مهاراتي العديدة. أنهيت تعليمي الثانوي في مدرسة مار الياس في قرية عبلين، وأذكر على مدار ست سنوات من مرحلتي الإعدادية والثانوية، وفي آخر يومٍ في السنة كنا نكتب لزملائنا عن أحلامنا المستقبلية، في العالم الحقيقي، ان صحّ التعبير. على مدار سنين عديدة، مُعظم زملائي وزميلاتي تنبأوا بأني سوف أشغل مناصب حكومية وسياسية، والبعض منهم تنبأ لي في مجال القضاء وآخر برئاسة حزب سياسي الخ... عندما كنت أقرأ كتاباتهم/ن كنت أقول في قرارة نفسي: "لعلهم يرون بي ما زلت لا أراه بنفسي". وكانت هذه الكتابات بمثابة محفز لي.
عندما أنهيت تعليمي الثانوي، التحقت بجامعة تل أبيب لأدرس لقبي الأول في العلوم السياسية والأدب الإنجليزي. لم تكن العلوم السياسية اختياري الأول، يجدر القول، لكن تحديات امتحان البسيخومتري دفعتني إلى التسجيل المتأخر للجامعة، حيث كانت العلوم السياسية أفضل اختيار من المواضيع المتاحة لي بسبب التسجيل المتأخر. أنهيت لقبي الأول بامتياز، ومنذ دخولي للمحاضرةٍ الأولى علمتُ أنى في هذا المجال لأبقى، بل أستطيع القول اقتنعت بشكل تام باختياري واستمتعت خلال تعليمي للقب الأول. شغفي بالسياسة والادب وإرادتي لصنع التغيير المجتمعي زادت من عزيمتي للتقدم ومتابعة مسيرتي الأكاديمية. وفعلاً، حصلت على منحة "فولبرايت" لدراسة اللقب الثاني في العلاقات الدولية في نيويورك، حيث تخصصت في السياسات التعليمية والتطويرية للأمم المتحدة؛ وكتبت أطروحتي الأكاديمية عن السياسات التعليمية والتربوية في المدارس العربية في البلاد.
لا شك أن تجربتي الدراسية في نيويورك جعلتني أقرب إلى حلم الانخراط في العمل الدبلوماسي، حيث اكتسبت مهارات التواصل والكتابة الرسمية والمفاوضات الدولية في أطر عدة، منها مجلس الأمن ومجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة.
في طريقي لتحقيق حلمي، حرصت على رسم خارطة عملية وواقعية لإشغال المناصب الدبلوماسية، بمعنى أنى كنت أقرأ واسأل عما يجعلني "المرشحة المثالية" لإشغال مناصب في السفارات في البلاد. وفهمت أن التجربة الأكاديمية والعملية في نيويورك من شأنها أن ترفع من فرص قبولي لمناصب رفيعة كالاستشارة السياسية في سفارات الدول الأجنبية في البلاد.
فور إنهائي اللقب الثاني في نيويورك، عُدت إلى البلاد لتطبيق كل ما تعلمته وللانخراط في العمل الدبلوماسي. لم يكن المشوار سهلاً في البداية على الإطلاق، ولكن بعد مرور أربعة شهور من الترشح والرفض، تم قبولي لمنصب مستشارة سياسية متخصصة في الإعلام في السفارة السويسرية في تل أبيب.
واليوم بعد عام ونصف العام من العمل في السلك الدبلوماسي، أستطيع القول إنني حظيت بفرصٍ هامة وتعلمّت الكثير عن العمل في هذا المجال وأتطلع إلى تعلم المزيد.
في الختام، أذكر أنه في مقابلة مهنية لوظيفة في احدى السفارات سئلت "لماذا تعتقدين أنك الأنسب لهذا المنصب؟". واعتقد أن على كل شاب/ة عربي/ة في البلاد مهتم في هذا المجال أن يفكر ملياً في الإجابة على هذا السؤال، لأن النتيجة تستحق المجهود. وبتقديري الشخصي، أعتقد أن العمل في السلك الدبلوماسي من أكثر المجالات التي تتطلب جهوداً وسعياً وصبراً، غير أنه بلا شك يستحق التعب كونه من بين المجالات المهنية الأكثر منافسة في سوق العمل، وفرصه تكاد تكون محدودة قياساً بعدد المرشحين/ات الكثر.