يواجه العالم أزمة، تُعتبر اليوم الأكثر خطرا وتهديدا على دول العالم ومجتمعاتها وهي أزمة المناخ الناتجة عن انبعاث غازات الدفيئة إلى طبقات الجو.  يتم لمس تأثير أزمة المناخ على صعيد الدول، ولكن أيضا على صعيد المجتمعات المختلفة. تؤكد الأبحاث أن أزمة المناخ تضرب جميع المجتمعات، ولكن قدرة الحماية والاستشفاء من الأزمة متفاوتة وفقا للحالة الاقتصادية، والاجتماعية، والجسدية، والنفسية للفئات المجتمعية المختلفة.

سيناقش هذا المقال الأسباب التي تجعل النساء أكثر عرضة وتأثّرا جرّاء أزمة المناخ، والتطرّق إلى أهمية إشراك النساء في عملية اتخاذ القرارات وبناء مخططات تأخذ الجوانب الجندرية بعين الاعتبار، خصوصا حين الحديث عن مخططات لمواجهة أزمة المناخ أو أي كارثة طبيعية أخرى.

هنالك إجماع عام بين الباحثين في مجال أزمة المناخ، على أن المجتمعات ذات الدخل المنخفض أكثر عرضة وتأثرا من التغيّرات المناخية. الأبحاث التي فحصت الفقر في الدول المتقدمة، قامت بوصف سيرورة جندرية تربط النساء مع الفقر، أي إن نسبة النساء الفقيرات أعلى من نسبة الرجال الفقراء. استنادا على هذا، النساء هن أكثر هشاشة وعرضة لآثار أزمة المناخ بسبب مكانتهن الاقتصادية، الأمر الذي يُصعّب عليهن عملية الجهوزية لأزمة المناخ و/أو الاستشفاء من آثاره. يتبين من الفحص الجندري للأبحاث حول الكوارث الطبيعية، أن النساء أكثر عرضة للضرر الصحي جرّاء أزمة المناخ، وأن نسبة الوفيات من النساء جرّاء موجات الحر الشديدة هي أعلى من الرجال، وقد تخطت النسبة الـ 75% خلال موجة الحر الشديدة التي ضربت القارة الأوروبية عام 2003، على سبيل المثال. ووفقا للمعطيات المحليّة، يُشير مركز الإحصاء القطري أنّ 16% من النساء اليهوديات صرّحن أنهن لا يستطعن اليوم توفير الحاجيات الأساسية مثل الكهرباء، والقوت، والمياه لأبناء العائلة، وذلك مقابل 36% من النساء العربيات.

يوعز بعض الباحثين الاختلاف الجندري المتعلق بالضرر من أزمة المناخ إلى ما يُسمّى بـ "الافتقار إلى الطاقة"، وتعريفه انعدام القدرة الاقتصادية للمنزل بتمويل استخدام الطاقة للاحتياجات الأساسية مثل الطهي، والتدفئة والتبريد جرّاء وقوع ظواهر طبيعية متطرّفة، أو عدم المقدرة على تمويل الاستخدام المتزايد للطاقة بسبب ارتفاع قيمتها جرّاء الأزمة المناخية. تُشير الأبحاث إلى أن الافتقار إلى الطاقة قائم داخل المنازل على ثلاثة أشكال: 1. في الأسر الذكورية جدا بحيث يُطلب من المرأة إتمام جميع مهام البيت التي تحتاج إلى طاقة كالغسيل والطهي. 2. المنازل التي ترأسهن أمهات مستقلّات، إذ إنّ الكثير منهن ناجيات من العنف الجسدي والاقتصادي من قبل أزواجهن السابقين، ويصارعن من أجل تحسين وضعهن المادي واستقراره. 3. النساء اللواتي يعشن في بيوت غير صالحة للعيش من حيث البنية التحتية وهيكل البيت، وبالتالي يتطلبون استخداما أكبر للطاقة لتبريد أو تدفئة المنازل.

هنالك جانب آخر تتعامل معه النساء خلال الأزمات، ومن المتوقع أن يأخذ حيّزا أكبر خلال أزمة المناخ، وهو ازدياد العنف الجندري. تُشير العديد من الأبحاث حول العالم إلى العلاقة القائمة بين حالات الطوارئ المناخية وارتفاع نسبة حالات العنف ضد النساء. على سبيل المثال، عقب إعصار كاترينا والدمار الكبير الذي سبّبه لمدينة نيو أورلينز، كان هناك ازدياد ملحوظ في التوجهات للسلطات حول حالات عنف جسدي وجنسي خلال مكوث المتضررين في الملاجئ. وبحث آخر نُفّذ في أستراليا حول تبعات الجفاف، وجد أن الضغوط الاقتصادية تؤدي إلى زيادة استخدام المشروبات الكحولية والمخدرات، كآلية تعامل مع الواقع ولزيادة العنف ضد زوجاتهم.

وفي سياقنا المحلي، منحتنا جائحة كوفيد 19، مثالا جيّدا لكيفية تأثير الأزمات الطبيعية على النساء. شهدت البلاد، والعالم بأسره، ارتفاعا كبيرا في توجهات النساء للخطوط الدافئة التابعة للجمعيات النسويّة، وإلى دوائر الشؤون الاجتماعية خلال الإغلاقات وما بعدها. يتبين من التحليل الجندري لجائحة كوفيد 19 أن النساء أكثر عرضة وتضررا من الأزمة على الأصعدة التالية: تمت إقالتهن أكثر، ونسبتهن أعلى من بين الذين خرجوا في إجازة غير مدفوعة، ويحملن مسؤوليات أكثر في رعاية الأطفال والأقارب الذين بحاجة إلى مساعدة، كما وطُلب منهن البقاء في البيت لرعاية الأطفال ومرافقتهم في سيرورة التعليم عن بُعد، وقد واجهن أيضا، وبشكل أكبر، تحديات في العمل وتعرضن أكثر للعنف. إضافة إلى ذلك، كان واضحا جدا نقص الوجود النسائي في مراكز اتخاذ القرار وبالتالي فحص الميدان من النظرة الجندرية لتخطيط مراحل التعامل مع الأزمة والنهوض منها.

كانت جائحة كوفيد بمثابة مفاجأة للعالم وبالتالي لم يتم التجهّز لها مسبقا، ولكن أزمة المناخ تدق أبوابنا منذ عقود، ونعي جيّدا تأثيرها على المجتمعات المختلفة وعلى النساء بشكل خاص، ولذلك من المهم تشخيص الواقع كما يجب، وتحصين الفئات المجتمعية المختلفة؛ ولكي يتم التعامل مع أزمة المناخ بالشكل السليم والمنصف يجب النظر إليها من خلال نظارة العدالة الاجتماعية، لوجود علاقة وطيدة بينهما. ولذلك من المهم إحقاق العدالة الاجتماعية لتحسين جهوزية الفئات المجتمعية لمواجهة أزمة المناخ. على سبيل المثال، من المهم، بل ومن الضروري العمل على تقليص الفجوة الاجتماعية، والاقتصادية، والمهنية القائمة بين الرجال والنساء في الأجور، والمناصب العليا، والتمثيل البرلماني وغيرها. إضافة إلى ذلك، حين يتم العمل على مخطط جهوزية لأزمة المناخ، من المهم إشراك النساء في سيرورة اتخاذ القرارات، لضمان ملاءمة المخطط جندريا.

سأتطرّق لبعض المجالات التي يجب التعامل معها من منظور جندري لضرره المباشر على النساء أولا وبشكل أكبر من الرجال.

المواصلات

تُعتبر المركبات داخل المدينة أحد أهم مصادر التلويث الهوائي التي تساهم بانبعاث غازات الدفيئة إلى الجو. تحاول الدول المتقدمة تقليص استخدام المركبات الخصوصية داخل البلدات واستخدام المواصلات العامة. التعامل مع هذا المجال من المنظور الجندري، بإمكانه المساهمة كثيرا لصالح النساء، كونهن يمتلكن أقل مركبات خصوصية، ويستخدمن المواصلات العامة أكثر، وبالتالي فهت معرّضات أكثر لتلوّث الهواء داخل المدينة. ولذلك، التخفيف من المركبات الخصوصية لديه عائد إيجابي على النساء وصحّتهن في الحيّز العام وعلى قدرتهن في التنقل والخروج إلى العمل. إضافة إلى ذلك، تحسين جهاز المواصلات العامة وملاءمته لواقع النساء واحتياجاتهن اليومية، بحيث يساعدهن على التنقل باستقلالية وحريّة دون الارتباط بالرجل.  

المياه

إحدى تبعات أزمة المناخ الفورية، والتي بدأت بعض الدول بلمسها، هي موجات جفاف مستمرة وخفض الأمطار المتساقطة، ومن جهة أخرى، تلويث المياه العذبة وتحويلها إلى غير صالحة للشرب، ما يؤدي إلى رفع أسعار المياه وخفض جودة المياه. كون النساء يعشن أكثر في حالات الفقر، ونسبة الأمهات العزباوات اللواتي يرأسن البيت ويعلن أطفالهن أعلى، وبالتالي فإنهن المتضرر الأول والأساسي لهذه التبعات. لذلك يجب التخطيط مستقبلا لوجود مياه صالحة للشرب وبتسعيرة ملائمة لكافة الشرائح المجتمعية.

التخطيط المدني

يُعتبر التخطيط المدني أداة مهمة لمواجهة أزمة المناخ. يجب استخدام التخطيط لتشخيص احتياجات الأحياء الفقيرة، وتشخيص احتياجات الفئات المجتمعية الأكثر عُرضة وتحصينهم بما يتلاءم مع احتياجاتهم. على سبيل المثال، من المهم تخطيط وتوفير أماكن مفتوحة وخضراء مُظللة تستوعب النساء والأطفال وحتى كِبار السن خلال موجات الحر القاسية، والتي ستتحول إلى أمر اعتيادي خلال السنوات القادمة. عدم توفر مناطق كهذه يُثقل الحمل النفسي والصحي على النساء والأطفال الذين سيضطرّون للبقاء داخل منازلهم والتي من الممكن أن تكون غير مهيّأة لذلك (بيوت صغيرة ودون تبريد).     

 هنالك العديد من البنود لخطة مواجهة المناخ، من المهم أن يتم التعامل معها من وجهة نظر جندرية، وإشراك النساء في اتخاذ القرارات لترسيخ هذا التوجه في جميع القرارات العليا. يجب إشراك النساء وتعزيز تمثيلهن على مستوى الحكم العام والحكم المحلي، ليتم أخذ احتياجاتهن بعين الاعتبار  وغرس المنظور النسائي في جميع القرارات المحلية والعامة. مع تطبيق وإحلال العدالة الاجتماعية سنتوصل إلى عدالة مناخية، وتصبح النساء شريكات حقيقيات في تقرير مستقبلهنّ خصوصا في ظل تهديد أزمة المناخ.   

ديمة أبو العسل

مركزة إعلامية ومحتوى في جمعية "مواطنون من أجل البيئة"

شاركونا رأيكن.م