النساء في غزّة: إمعان في كارثة أخرى

يعيش سكان قطاع غزة في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ السابع من تشرين الأول تحت كابوس المعاناة والفقدان. حيث أدت أشهر من القصف، بما في ذلك الهجمات على عشرات آلاف البيوت وغيرها من منشآت البنية التحتية المدنية، علاوةً على الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ بدء الحرب، إلى أزمة نزوح قاسية ونقص حاد في جميع الاحتياجات الأساسية. لا يوجد شخص في غزة محصن ضد تأثير الهجوم العسكري المستمر والقيود المفروضة على إمكانية الوصول إلى المعونات الإنسانية. ولكن لهذا الوضع عواقب فريدة على النساء، الفتيات والأطفال. 

تمر النساء بأقسى تجارب حياتهن ما بين الموت، النزوح والقلق بشأن صحتهن الإنجابية ونقص مستلزمات النظافة النسائية. بالإضافة الى ظروف الولادة المعقدة التي تواجهها الحوامل، في ظل تدهور الوضع الصحي وندرة الدعم الطبي.

ياسمين أحمد، طبيبة في قسم الولادة في مستشفى ناصر الطبي، روَت لبيسان عودة "نحن نواجه كل يوم العديد من حالات الحمى المرتبطة بشكل مباشر بالالتهابات المهبلية الناتجة عن النظافة غير الكافية وغياب منتجات النظافة النسائية. فالفوط الصحية غير متوفرة في الصيدليات أو في أي مكان اخر، وحتى مع وصول المساعدات التي نحصل عليها، فهي غير متوفرة." 

يوجد في قطاع غزة أكثر من 690,000 امرأة وفتاة في فترة سنوات الحيض، مع إمكانية محدودة للحصول على مستلزمات النظافة الخاصة بالدورة الشهرية. قد أجبر النقص في هذه المنتجات العديد من النساء والفتيات على ارتجال بدائل، مثل قطع قماش الخيم، مما يعرضهن لخطر متزايد للإصابة بالالتهابات وغيرها من المضاعفات الطبية الأخرى. في مراحل الحرب الأولى، تحدثت عدد من النساء عن تناول حبوب منع الحمل لمنع الدورة الشهرية مع أنه من الممكن أن تكون لهذه الحبوب عوارض جانبية ضارة، خاصة على المدى الطويل. مع ذلك، تفيد النساء بأنه حتى مستلزمات الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك حبوب منع الحمل، باتت الآن نادرة.  

واقع النزوح على نساء غزة لا يمكن وصفه، فهناك عشرات الآلاف من النساء قد نزحن أكثر من مرة الى مناطق مكتظة بالنازحين تفتقر للرعاية الصحية والخصوصية. ومؤخرا نسمع عن نزوح الكثيرين مجددًا من منطقة رفح خوفًا من اجتياح الجيش الإسرائيلي لها. وفقًا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - الأونروا، هناك مرحاض واحد لكل 160 نازح ووحدة استحمام واحدة لكل 700 شخص يعيشون في مدارسها في جميع أنحاء قطاع غزة. إن انعدام الخصوصية ومحدودية قدرة الحفاظ على النظافة الشخصية، إلى جانب ارتفاع معدلات الجوع والعطش وقلة النوم والضغط النفسي، جعل حياة النازحات كابوسًا. 

تحت ذروة الحرب قلّ أمل النساء بالعثور على الفوط الصحية، فالمتاجر قصفت والمعونات والبضائع التي تدخل بالكاد تكفي، وهنا يعلو السؤال هل يا ترى غابت عن الأذهان احتياجات النساء الأساسية؟ أو هل احتياجات النساء الأساسية باتت ثانوية مقارنة بالدمار والموت الذي نراه يوميًا؟ "تطلب النساء الفوط الصحية لكنها ليست متاحة، وفي حين يمكننا توفير بعض منها لأفراد معينين، إلا أننا لا نستطيع توفيرها للجميع. لا نستطيع تزويد الأغلبية [بمنتجات النظافة النسائية] لأن المعابر مغلقة ولا يستطيع التجار نقل بضائعهم إلى غزة"، قالت مرسم الديراوي التي تعمل في لجنة النظافة في احدى مدارس أونروا لـ Middle East Eye.

يوجد في غزة حوالي 50,000 امرأة حامل وبحسب التقديرات فإنّ أكثر من 180 امرأة سيُنجبن يومياً. تواجه نسبة كبيرة من هذه النساء خطر الإجهاض، نتيجة اضطرارهن الى الخروج من منازلهن تحت القصف، بالإضافة الى الضغط النفسي نتيجة كل ما يحدث. جود نضال النجار، امرأة في الثلث الأخير من حملها، روت لبيسان عودة عن حياتها ومخاوفها خلال الحرب: "عندما أنجب، أين سينام الطفل؟ على الأرض؟ في هذا البرد؟ يحتاج الأطفال إلى النظافة والدفء، وخلال الليالي الباردة يبكون إذا لم يتمكنوا من النوم." وتابعت جود "إنها حالة مستمرة من الإرهاق والاكتئاب. لا شيء يجلب الراحة. إن القلق المستمر بشأن العثور على مكان آمن للراحة والبحث عن ماء الشرب وتأمين وجبة الطعام هي أمور مرهقة نفسياً."

إن الرعاية الطبية ما بعد الولادة وما قبلها نادرًا ما تكون متوفرة، هذا إن وجدت أصلا. تواجه النساء الحوامل احتمال الولادة دون تخدير، أو دون احتياطات صحية، أو دون تدخل جراحي في حال لزم الأمر ذلك. حوالي  16 مستشفى من أصل 36 مستشفى في غزة تعمل وبشكل جزئي فقط (باقي المستشفيات تعمل بالحد الأدنى او أُغلقت بالكامل)، تضطر بعض النساء إلى الولادة في الملاجئ، في الشوارع، وسط الأنقاض، أو في مرافق صحية تفتقر إلى المستلزمات الأساسية. ففي جميع هذه السيناريوهات، يرتفع خطر الإصابة بالالتهابات وسائر المضاعفات الطبية.

في فيديو انتشر أخيرًا على شبكات التواصل الاجتماعي، لجأت أم لإطعام رضيعها التمر بسبب عدم توفر حليب الأطفال. تفيد تقارير الأمم المتحدة بأنه "لا يوجد شخص في غزة غير جائع". نظرًا لمحدودية إمكانية الحصول على الغذاء وخطر المجاعة الوشيك (famine)، من المتوقع ازدياد خطر سوء التغذية والجفاف لدى النساء والفتيات. كما وأن المخاطر ترتفع بشكل خاص على النساء الحوامل والمرضعات وأطفالهن، حيث أن بعضهن غير قادرات على إنتاج الحليب بسبب سوء التغذية ولا على إعداد حليب الأطفال لعدم توفره وبسبب نقص المياه النظيفة المتاحة. 

عواقب الحرب الفريدة التي تواجهها النساء لا تقتصر على عدم توفر المستلزمات الصحية وإطعام نفسهن وأولادهن. وفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، هناك حاجة إلى ملاجئ آمنة للنساء المعرضات لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي (الجندر). نظرًا للدمار ولانهيار الخدمات العامة في غزة ونزوح مقدمي الخدمات، إلى جانب القيود المفروضة على الحركة داخل القطاع، تشير التقارير إلى صعوبة هائلة في علاج النساء اللواتي يعانين من العنف القائم على التمييز الجندري، وصعوبة في تنفيذ التدخلات اللازمة لمنع هذا النوع من العنف وتقليل مخاطره.


كتبت المقال: ميس أبو ليل - مركزة في مجال المحتوى الرقمي ولنا دقة - باحثة في "چيشاة-مسلك" – مركز للدفاع عن حرية الحركة.

تصوير: معتز عزايزة.

ميس أبو ليل

مركزة مجال المحتوى الرقمي في"چيشاة-مسلك" – مركز للدفاع عن حرية الحركة

شاركونا رأيكن.م