النماذج التي يقتدي بها الشباب في مجتمعنا اليوم – دلالاتها، أسبابها وتعامل الأهل معها
يعتبر الأطفال والمراهقون هدفاً حساسًا للمؤثرات المحيطة بهم، والتي تشمل أفراد الأسرة والمدرسة والأصدقاء والوسائط الإعلامية والمجتمع بشكل عام.
اهتم علم النفس التربوي بالشخصيات التي يقتدي بها الفرد، وذلك في نظريات عديدة من أهمها نظرية التعلم الاجتماعي التي تركز على كيفية تأثير البيئة الاجتماعية على سلوك الفرد وتعلمه من خلال التفاعل مع النماذج والمثُل التي يتبعها، كما تسلط الضوء على الدور الهام للنماذج التي يقلدها الأفراد في تعلمهم وتطور سلوكياتهم وقناعاتهم وتساهم في فهم كيفية تأثير البيئة الاجتماعية في تشكيل شخصية الفرد.
الأفراد الذين يتأثر بم الطفل ثم المراهق
الأهل وأفراد العائلة هم النماذج الأولى التي يتعرض لها الطفل، حيث يقلد الطفل في مراحل طفولته الأولى سلوكيات وأنماط حياة أفراد العائلة، ويتعلم منهم القيم والعادات والمعتقدات، ثم ينتقل إلى معلماته في مرحلة الروضة، ثم إلى المعلمين والمربين في المرحلة الابتدائية، والذين لهم دور مؤثر في تشكيل سلوكياته، ثم في مرحلة المراهقة المبكرة يميل إلى تقليد أقرانه في الصف. وفي جميع المراحل يتأثر بوسائل الإعلام والترفيه مثل: شبكات التواصل الاجتماعي بأنواعها، التلفاز والألعاب الالكترونية التي تلعب دورًا هامًا في تشكيل سلوكياته واهتماماته ومفهومه لذاته وللعالم. إضافة إلى ذلك، قد يتأثر الطفل أو المراهق بشخصيات يراها مهمة في المجتمع، مثل الرياضيين المشهورين، الفنانين، القادة، قادة الانترنت مثل المدونين وغيرهم...
أكثر ما يميز أطفال ومراهقي هذا العصر هو تعرضهم إلى شبكات التواصل الاجتماعي لساعات طويلة. ومن هنا تنبع أهمية المضمون الذي يتعرضون إليه. إن كان هذا المضمون إيجابياً فهو يعلمه اتباع نمط حياة صحية، ويعزز ثقته بالنفس ويحسن صورته الذاتية، ويساهم في تنمية المعرفة والثقافة، كما يشجعه على المشاركة في النشاطات البدنية ويحفزه على الحركة والنشاط البدني، ويساعده على تحسين مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي. وعلى النقيض، المضمون السلبي الذي قد يتعرض له يمكن أن يؤدي إلى تدهور صورته الذاتية، وتقليل الاهتمام بالمحتوى العلمي والتعليمي، وقد يجعله يقلد سلوكيات سلبية ويرتكب أفعالًا غير مناسبة، ويحد من التفكير النقدي ويزيد من العدوانية ويؤثر على مهاراته الاجتماعية ويعزز الانخراط في أنماط خاطئة وسلوك غير مرغوب فيه.
لا يعلم بعض الآباء تأثير الشخصيات السلبية التي ينكشف لها المراهق عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وأن قضاء ساعات طويلة أمام شخصيات تمرر فحوى تافهة وتكرار هذه الفحوى، هي أمور تحفز المراهق على الاهتمام بالمحتوى البسيط والسطحي بدلاً من السعي لتحقيق التحصيل العلمي والتعلم الهادف، فيقل اهتمامه بالأمور الجادة ويتجاهل القيم الإيجابية وتجعله يميل نحو الخفة والتسلية بدلاً من التفكير العميق والبناء.
والأسوأ من ذلك، أن تعريضه لشخصيات عنيفة من خلال أفلام الكرتون أو المسلسلات العنيفة قد يؤثر على مفهوم المراهق للعنف ويجعله يرى أنه شيء عادي أو حل للمشكلات، وبالتالي يمكن أن يزيد من ميله نحو العدوانية والعنف في تفاعلاته اليومية. وإن تصوير الشخصيات العنيفة قد يؤدي إلى التعود على المشاهد المؤذية وتقليل الحساسية تجاه العنف في المجتمع الحقيقي.
إن التعرض المتكرر لسلوكيات سلبية أو غير ملائمة في منصات التواصل الاجتماعي أو الأفلام قد يؤدي إلى تقليد هذه السلوكيات الضارة لدى المراهقين. ومثال على ذلك، اقتراب الشباب من مخاطر التحديات الخطرة أو تجربة السلوك العدواني الذي يتم تصويره في الأفلام، مما يزيد شعور المراهق بعدم القدرة أو الثقة بالنفس ويزيد المشاعر السلبية مثل القلق والاكتئاب، وقد يرتبط ذلك بزيادة مستويات الإجهاد والضغوط النفسية والأسوأ من ذلك هو توجه المراهق نحو السلوك المنحرف وانضمامه إلى دوائر العنف والإجرام.
تعتبر تحديات التعامل مع المراهقين في عصر الشبكات الاجتماعية من المسائل الهامة للآباء والأمهات في العصر الحديث. من هنا ينبع دور الأهل في الإرشاد والتوجيه والاهتمام بمشاعره وقضاء الوقت الكافي من أجل الحوار والنقاش في الأمور التي يهتم بها المراهق، ومعرفة ما يشغله وما يهمه في عالم الشبكات الاجتماعية، بالإضافة إلى تقديم التوجيه والتثقيف حول الأخطار المحتملة من التعامل غير الصحيح مع الشبكات الاجتماعية، مثل التنمر وانتهاك الخصوصية وتوضيح الاحتياطات الأمنية اللازم اتخاذها وضرورة الابتعاد عن المحتوى الضار.
ما ذكرته أعلاه ينطبق على كل المجتمعات تقريبًا ومعظم الدراسات تشيد بأهمية بناء نماذج إيجابية تؤثر على الأطفال والمراهقين. ولكن نحن كأقلية عربية نواجه تحديات أكبر من كل ما ذكرت سابقًا. كلي ثقة بأن كل من قرأ ما كتبته حتى هذه اللحظة سأل نفسه كيف لي أن أحيط ابني بالأمان؟ فالنماذج السلبية تحيط بنا من كل صوب، من هنا سأحاول أن ألخص عدة نقاط كيف يمكننا كأهل المحافظة على أبنائنا المراهقين من تأثيرات النماذج السلبية العنيفة وكيف يمكننا توجيههم وتوفير الرعاية والدعم النفسي الصحيح لهم؟
1- الاهتمام والاستماع: الاهتمام الحقيقي بمشاعر واحتياجات المراهق والاستماع إليه بصدق يعزز الثقة والتواصل الفعال بين الأهل والابن. يجب أن يعرف المراهق أن لديه دعمًا من الأهل في كل الأوقات وأنه يستطيع التحدث عن مخاوفه ومشاكله بدون مخاوف من الحكم أو الانتقاد. يجب أن يعرف المراهق بأنه أهله يحبونه حُباً غير مشروط، لا بدرجات تعليمية ولا تحصيلات اجتماعية.
2- النموذج الحسن: الأهل يجب أن يكونوا نموذجًا حسنًا للمراهق، فالسلوك الإيجابي والقيم الصحيحة التي يراها من الأهل تؤثر على تشكيل قيم المراهق وسلوكه. يمكن للأهل أن يُظهروا كيفية التعامل بطريقة حضارية وغير عدوانية في المواقف الصعبة.
3- التوعية والتثقيف: يجب على الأهل توفير المعرفة والتثقيف حول العنف وآثاره السلبية على المجتمع والفرد. الحديث عن العواقب السلبية للتصرفات العدوانية وأهمية حل المشاكل بطرق سلمية. على الأهل تذويت القيم العليا في البيت مثل: الاحترام وتقبل الآخر وإيجاد الحلول السلمية.
4- الحوار البنّاء: يُشجع على إجراء حوار بناء مع المراهق حول المحتوى الذي يتعرض له في الوسائل الإعلامية والأفلام والألعاب. يمكن أن يتم التفاوض على القواعد والحدود المناسبة للمحتوى الذي يستهويه ويتابعه، حيث نشجع لديه أهمية التفكير النقدي والقيم الإيجابية.
5- تشجيع المشاركة الاجتماعية: التشجيع على المشاركة في أنشطة اجتماعية إيجابية وخدمة المجتمع تعزز قيم العمل الجماعي والمساهمة الإيجابية مثل مشاركته في الكشاف أو حركات الشبيبة التطوعية الخ..
6-البحث عن هوايات واهتمامات: البحث عن هوايات واهتمامات تنمي قدرات المراهق وتشعل شغفه نحو أمور بناءة.
تحفيز الأهل لتوفير الدعم والتوجيه الصحيح يساعد المراهق على تعزيز القيم الإيجابية والسلوكيات الملهمة في مجتمع عنيف وتشجعه على أن يصبح نموذجًا إيجابيًا لمحيطه. ألخص وأقول إن الكلمة الطيبة تجعلنا نحتضن أبناءنا ونمنع الشارع من احتضانهم لأن العواقب شديدة.
لقد تطرقت في هذه المقالة لدور الأهل إيمانًا مني بأنهم الأهم ولكن هنالك دور فعال للمؤسسات التعليمية سأتطرق إليها في مقالات أخرى.