التعليم الأكاديمي في المجتمع العربي بين تحسين الوضع الاجتماعي-الاقتصادي والمراوحة في المكان!
تستمر الزيادة في عدد الطلاب العرب في مؤسسات التعليم العالي، وفي العام الدراسي الحالي، كان 19% من جميع الطلاب من المجتمع العربي. قبل 5 سنوات فقط، كان الوضع مختلفًا تمامًا، عندما كان عددهم 15,2% فقط مقارنة بحوالي 21% منهم في عدد السكان. على الرغم من البيانات المشجعة، لا يزال معدل التوظيف والمشاركة في القوى العاملة للمواطنين العرب أقل بكثير من المعدل في عموم السكان، ويعيش نصفهم تحت خط الفقر. من خلال جميع التحديات والتغييرات التي يمر بها عالم التوظيف والتعليم، هناك حل مركزي واحد قادر على تقليل الفجوات وزيادة المساواة - مما يجعل التعليم الأكاديمي أكثر سهولة. إن توسيع إمكانية الوصول إلى الأوساط الأكاديمية في المجتمع العربي هو مفتاح للقيادة الشخصية والاجتماعية والاقتصادية بين الأجيال القادمة.
في العام الدراسي الماضي، درس حوالي 58,000 طالب من المجتمع العربي في مؤسسات التعليم العالي - وهو رقم قياسي يجب أن نفخر به. هذه قفزة بأكثر من 125% في عدد الطلاب العرب خلال ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمان. من تحليل نسبة خريجي "الجيل الأول" في الجامعات حسب القطاعات والدرجات، تبين أن معظمهم (20%) يدرسون للحصول على درجة البكالوريوس مقابل 17% لدرجة الماجستير و8,3% قرروا الاستمرار في الدكتوراه. في رأيي، الاتجاه الإيجابي في عدد الطالبات العربيات جدير بالملاحظة بشكل خاص، حيث أن أكثر من ثلثي الطلاب العرب اليوم هم من النساء.
ولكن التحدي الأكبر الذي تواجهه فئة النساء هو موضوع التعليم حيث أن الجزء الأكبر من النساء يختار مواضيع للقلب الأكاديمي لا تتناسب مع متطلبات سوق العمل المعاصر وحسب المعطيات الاخيرة فقط 42% من نسائنا العربيات مندمجات في سوق العمل والجزء الاكبر منهن أكاديميات ولكن يعملن في مجالات عامة وليس في مجالات تخصصهن.
مثالا: الطالبات العربيات أكثر تمثيلاً بشكل ملحوظ في مجال التعليم والتدريس، وتحديدا في الكليات. ولكن نرى أن 9,370 طلبًا للتوظيف في عام 2020. وفي السنوات العشر الماضية تقدم 37% طلبًا متكررًا 6 مرات على الأقل.
من الممكن ملاحظة انخفاض كبير في معدل اندماج وتوظيف المعلمات في مجالات التربية والتعليم، لعدم القدرة على استيعاب كل هذه الاعداد.
يوثر هذا بشكل كبير على الإنتاجية. فمعظمهن تعملن في مجالات ذات انتاجية منخفضة. لذلك، ورغم النسبة العالية للنساء في الأكاديميا، إلا أنه يجب التوجيه نحو مواضيع مطلوبة في سوق العمل وذات انتاجية عالية يعود مردودها على الفرد والمجتمع، وخصوصاً من الناحية الاقتصادية.
الأسباب وراء اختيار النساء مواضيع الدراسة:
رؤية قصيرة المدى عندما يتعلق الأمر بالتخطيط الوظيفي بعد الحصول على الدرجة.
عدم الإلمام بفرص العمل ذات الصلة بمجال الدراسة المختار، وحتى الوصول الضيق إلى مجموعة الوظائف،والتواصل مع أصحاب العمل المحتملين والقدرة على الوصول إلى مراكز التوظيف.
صعوبة ترجمة المهارات والقدرات المكتسبة خلال الدراسة إلى أدوات عمل ومهارات وظيفية في المهنة المدروسة مما يعيق الاندماج في المنظمة، حتى لو تم تعيينها.
اما بالنسبة للرجال فنجد أن نسبة المندمجين في الأكاديميا تقل عن نسبة النساء، إذ أن نسبة الطلاب العرب من الرجال في الأكاديميا هي 30%.
لا يزال هناك العديد من الفجوات والعوائق الرئيسية في قدرة الشباب العرب، وخاصة "الرجال"، على الحصول على التعليم العالي. وبرغم ذلك نرى، على عكس النساء، أن نسبة الرجال المندمجين في سوق العمل هي 76%. ولكن هنا أيضا، القسم الأكبر مندمج في مجالات بجودة إنتاجية منخفضة الأمر الذي يؤثر بالطبع على الرواتب الشهرية وعلى المجتمع اقتصادياً. حسب المعطيات الأخيرة من جامعة رايخمان لهذه السنة 80% من الرجال العرب الذين انخرطوا في الأكاديميا في البلاد وحصلوا على شهادة جامعية في البلاد ليسوا الجيل الأول في التعليم العالي، أي أن أحد الوالدين هو أكاديمي، أو كليهما.
اما أسباب عدم اندماج الرجال في الأكاديميا فهي:
الذهاب إلى العمل بدلاً من الدراسة.
الثغرات في الإنجازات، معدل الحصول على الشهادة الثانوية العامة والفحص والقبول للأكاديميا.
فجوات في اللغات والمهارات الناعمة.
الوضع الاقتصادي ومكانة الرجل في دعم اقتصاد العائلة والالتزامات العائلية.
صورة الشاب الناجح في عين المجتمع حيت يسعى الشاب إلى الاندماج في سوق العمل وكسب وقت وراتب شهري فوري وعدم التخطيط لبناء مستقبل مهني أكاديمي.
الفرصة الأهم والأمثل
برغم كل التحديات نرى أن الحل الأمثل للشباب والشابات في مجتمعنا العربي هو الانطلاق نحو البناء.
يأتي برنامج "رواد التعليم العالي" ليساعد الطلاب على تخطي عقبات تقف في طريقهم للوصول إلى المؤسسات الأكاديمية من ضمن سلة خدمات واسعة يقدمها البرنامج من خلال المركزين.
في إطار البرنامج، نقدم مجموعة شاملة من الخدمات للشباب والشابات العرب الذين يرغبون في تطوير حياتهم والاندماج في التعليم العالي. نعمل من داخل المجتمع العربي، من الميدان نفسه، في 73 سلطة محلية و240 مدرسة. نقيم حوالي 1,700 فعالية محلية وقطرية كل عام، وحتى الآن شارك حوالي 64,000 شخص في أنشطتنا وخدماتنا.
في عام 2022، درس حوالي 58,000 طالب من المجتمع العربي في مؤسسات التعليم العالي - وهو رقم قياسي على مستوى كل السنوات. وهذا يشكل قفزة تزيد عن %125 في عدد الطلاب العرب خلال حوالي عقد من الزمان.
لقد شغلت في العقد الأخير في عدة وظائف إدارية وطوّرت خبرات في عالم الأعمال والتشغيل المتغير ومدى ملاءمته مع المجتمع العربي، سيما أنه مجتمعٌ غير متجانس، فضلًا عن كونه ذا احتياجات مختلفة. وفي وظيفتي الأخيرة تمكنت من إدارة مجال التوظيف في المجتمع العربي والمساواة الجندرية واليوم أدير برنامج رواد القطري الذي ينبثق عن مجلس التعليم العالي.
أن تصبح أكاديميًا- وهو ما كان يعني في الماضي الانتقال الواضح والفوري للطلاب من الحالة "الرديئة" إلى الحالة "السامية" في سوق العمل- لم يعد كافيًا. في النهاية، معظم من يتقدمون للحصول على درجة اللقب الأول (BA) يهدفون إلى تحسين وضعهم في عالم التوظيف في اليوم التالي للتخرج من الجامعة أو الكلية.
مع ذلك، يظل هناك تحدٍ في تحقيق التوازن بين التعليم الأكاديمي واحتياجات سوق العمل. رغم زيادة عدد الطلاب الأكاديميين العرب، فإن معدل التوظيف والمشاركة في سوق العمل للمجتمع العربي لا يتناسب مع هذه الزيادة. حيث إن نصف السكان العرب يعيشون تحت خط الفقر ويواجهون صعوبات في الحصول على فرص عمل جيدة.
لا بد لنا أن نقول ان المعادلة التلقائية: لقب أكاديمي = وظيفة جيدة = قيادة اجتماعية، لم تعد بالضرورة قائمة في جميع الحالات، وهذا ينطبق بشكل خاص على المجتمع العربي لأن سوق العمل الحديث يضع أمام الأكاديميين العرب تحديات ثقافية ولغوية، بالإضافة إلى التحديات القائمة والمعروفة، والتي تجعل من الصعب عليهم الاندماج في العمل النوّعي.
تحتل التحولات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي مكانة مهمة في هذه السياق، حيث تطرح تحديات جذرية على مجالات التعليم وسوق العمل الحديث. لذلك، لم يعد الحصول على تعليم أكاديمي كافياً لضمان فرص عمل جيدة وقيادة اجتماعية ناجحة. وعليه يجب أن يتوافق تزايد نسبة الأكاديميين العرب مع الاندماج الاجتماعي والاقتصادي الناجح في سوق العمل.
وكما ذكرنا؛ تتغير التكنولوجيا بوتيرة سريعة لدرجة أنه من المحتمل أن ما يدرسه طالب الهندسة في الجامعة لن يكون ذا صلة بمجرد تخرجه من الجامعة ... في هذه الحالة، الشيء الذي سيحدد اندماجه في سوق العمل في اليوم التالي للتخرج هو مجموعة متنوعة من المهارات الشخصية والمزايا التي لا تتم، على الأغلب، دراستها أبدًا في إطار التعليم الأكاديمي.
بل أكثر من ذلك، فإن تقنية الذكاء الاصطناعي التي دخلت حياتنا في العام الماضي؛ على أثرها من الممكن أن تصبح مهن عديدة ليست ذات صلة، ومن ناحية أخرى هي على وشك إنشاء وتطوير مهن جديدة.
وبالتالي، يجب أن نركز على تطوير استراتيجيات تعليمية وتوجيهية تركز على تطوير المهارات اللازمة للطلاب العرب لمواكبة التغيرات التكنولوجية ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية. يجب أن يكون هدفنا تمكين الطلاب العرب وتزويدهم بالمعرفة وتنمية المهارات الأساسية مثل التفكير النقدي وحل المشكلات والتعلم المستمر، بالإضافة إلى تنمية المهارات العملية والتقنية المطلوبة التي تؤهلهم للمنافسة في سوق العمل الحديث والمساهمة في تطور المجتمع.
لذا، فإن التحديات الحالية تستدعي منا التكيّف مع التغيرات وتحسين الإرشاد والتوجيه للتعليم الأكاديمي لضمان تأهيل طلابنا العرب وتمكينهم من الازدهار في مجتمع متغير ومتقدم تكنولوجياً.
خلاصة القول، من المهم أن ندرك أنه في المستقبل المنظور، سيكون للتعلم بشكل عام وللتعليم الأكاديمي بشكل خاص معنى في سوق العمل، فقط عندما يتم إضافة مزيج من المعايير الأخرى التي لا تقل أهمية مثل: نوع اللقب أو مجموعة الألقاب التي درستها، ما هي قدراتك على الدراسة الذاتية؟ ما هي قدراتك القيادية؟ ما هي قدراتك على التكيّف؟ وغيرها من المعايير الأخرى.
هدفنا واحد يتمثل في تحسين مستقبل مجتمعنا العربي ككل، بمساعدة القيادة الاجتماعية والتعليم الأكاديمي والاندماج في التوظيف النوعي في سوق العمل.