الشباب والانخراط في العمل السياسي، المحلي والدولي

السبب الأساسي الذي دفعني إلى العمل في مجال المرافعة الدولية، وتحديداً ضمن برلمان الإتحاد الأوروبي في وحدة العلاقات الخارجية مع الشرق الأوسط، هو عدم وجود لوبي عربي فلسطيني يترافع من أجل قضايا شعبنا ويضعها في المركز ويستمر بالمرافعة في المحافل الدولية. يشكل الإتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لإسرائيل ومن أكبر الممولين للسلطة الفلسطينية، أي بكلمات أخرى له نفوذ في كلتا الدولتين. كذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة، فهي أيضاً الممول الأكبر لدولة إسرائيل من حيث الإمدادات العسكرية وتلعب دوراً محورياً في صراعات الشرق الأوسط، وبالأخص فيما يتعلق بمصير القضية الفلسطينية. 

آن الأوان لتغيير واقع استثناء الفلسطينيين من أية محادثة سياسية، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، خصوصاً حين يتم الحديث عن "الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، حيث يتم غض الطرف عن أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني من مواطني الدولة وعن ملايين الفلسطينيين القابعين تحت الاحتلال.  

نظام إسرائيل القمعي والتمييزي المستمر الممارَس على الفلسطينيين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة شكّل نظاماً ارتكب فيه المسؤولون الإسرائيليون سياسات فصل عنصري بما يتنافى مع القانون الدولي بعكس ما تتغنى به إسرائيل من ديمقراطية أمام العالم الغربي والمحافل الدولية.

قصتي بدأت مع نشاطاتي الأولى خلال دراستي الجامعية للبكالوريوس في العلوم السياسية والأدب الإنجليزي، حين كنت عضوًا فعالًا في نموذج الأمم المتحدة، والذي من خلاله شاركت في عدة مؤتمرات دولية داخل البلاد وخارجها للتعرف القضايا السياسية الدولية والتفاعل معها. في تلك السنوات شغلت منصب ممثلة كلية اللغات في نقابة الطلاب في جامعة تل أبيب، بالإضافة الى عملي التطوعي في مدارس عربية في مدينة يافا لدعم انخراط الطلاب العرب في التعليم العالي وقضايا البيئة.

كشابة في مُقتبل العمر لم يكن سهلاً فهم قراري الالتحاق بعالم السياسة، لندرة النساء في هذا المجال ولما يتطلبه من طاقات. وبعد قراري الالتحاق بدورة "تدريب المستشارين البرلمانيين"، استأنفت نشاطي السياسي المهني الأول كمتدربة في الكنيست قبل خمسة أعوام، رغبة مني في فهم سيرورة عمل البرلمان من الداخل. تلك التجربة جعلتني أُدرك العنصرية المؤسساتية الممنهجة ضد الفلسطينيين، سواء داخل حدود الدولة أو في الأراضي المحتلة، والتي تقوض قدراتنا على التغيير الذي نسعى إليه.

وبعد هذه التجربة قررت أن أدرس الماجستير خارج البلاد، وتحديداً في مجال العلاقات الدولية، واخترت موضوع "الدراسات الأوروبية" من منطلق إعجابي بفكرة الاتحاد الأوروبي الذي يجمع 27 دولة اليوم من بينها دول عانت من حروب دامية استمرت لعشرات السنين، كما قررت أن أخصص أطروحتي لسبر غور سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه دول الشرق الأوسط عامة والفلسطينيين، الأردن وإسرائيل على وجه الخصوص، الأمر الذي ساهم بقبولي فيما بعد للعمل في وحدة العلاقات الخارجية مع الشرق الأوسط التابعة لبرلمان الإتحاد الأوروبي والعمل على قضايا تخص فلسطين واسرائيل ودول الجوار.

والحقيقة أن تجربتي هذه كشفتني على تصريحات ومواقف صادمة لانحيازها الكبير للرواية الإسرائيلية، الأمر الذي عزز إدراكي لأهمية وجودنا في هذه المحافل وضرورة التأثير من خلالها. 

بالإضافة إلى تجربتي في البرلمان الأوروبي، أشغلت عدة مناصب كمتدربة في عدة منظمات سياسية دولية ومحلية في السنوات الأخيرة، من بينها الكونغرس الأمريكي، حيث عملت إلى جانب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، والذي يٌعد ثالث أقوى منصب في السياسة الأمريكية. كما كانت لي تجارب متنوعة في مؤسسات المجتمع المدني في البلاد، من بينها في مجال المرافعة السياسية أمام الحكومة من قبل مؤسسات حقوقية مناهضة للاحتلال. واليوم أنا بصدد تأسيس مشروع جديد يراكم كل هذه التجارب ويتمحور حول إشراك النساء في السياسة و تعزيز القيادة النسوية، الأمر الذي أراه ضرورياً لتحقيق تنمية المجتمع ككل وجعله أكثر عدلًا وتقدمًا ويساهم في التنوع والإبداع في صناعة القرارات.

إمكانيات الانخراط في هذا المجال للجيل الشاب - المتطلبات، التحديات والفرص..

بالرغم مما يبدو كصعوبة في اختراق هذه المؤسسات وإحداث التغيير من خلالها، أعتقد أن علينا أن نتعلم ثقافة هذه المؤسسات، كيفية استخدام هذه المنصات، فهم سيرورة عملها، تحفيز مؤسسات المجتمع المدني للوصول إليها ومخاطبتها؛ ولذلك علينا أن نسعى للتعلم وبذل الجهود والسماح لأنفسنا باستكشاف مساحات جديدة. وباعتقادي المتواضع ومن تجربتي القصيرة في هذه المحافل، لا بد من الإشارة إلى أننا لم نستثمر بشكل كاف في هذه الأماكن. فعلى سبيل المثال، قبل عشر سنين لم تذكر كلمة فلسطين في أروقة الكونغرس الأمريكي، أما اليوم فيتم الحديث عن الاحتلال والأبرتهايد، بل هناك عدة مشاريع قوانين مطروحة على طاولة الكونغرس تدعو إلى إعادة النظر في حجم الدعم المادي الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل. 

صحيح أن أحد التحديات الأساسية يكمن في الترشح لوظائف في المجال الدولي، ولذلك يجب فهم ثقافة هذه المؤسسات الدولية وطريقة عملها وإدراك حقيقة كونها وظائف جذابة والمنافسة عليها كبيرة جداً من مختلف دول العالم وأن الأمر يتطلب الصبر لما يحتاج إليه الأمر من وقت ومجهود قد يصل إلى عدة أشهر. فعلى سبيل المثال، قبل بدء عملي في البرلمان الأوروبي كنت قد تقدمت لأكثر من 50 وظيفة، لم أقبل لها، وبالرغم من الوقت الذي استثمرته في كل طلب والذي كان يصل إلى أيام بأكملها أحياناً، لم أستسلم وفي نهاية المطاف وبعد جهد ليس بسيطاً تكللت خطاي بالنجاح. 

من تجربتي أقول أن اللقبين الأول والثاني هما الخطوة الأولى للانخراط في هذا العالم، كما أن هناك أهمية كبرى للفعاليات اللامنهجية مثل التطوع، برامج التدريب، إتقان عدة لغات وغيرها. واسأل/ي نفسك دائماً: "ما الذي من شأني أن أضيفه أو أجدده في هذه المؤسسات الذي يمكن اعتباره قيمة إضافية مغايرة عما يمكن لغيري أن ي/تقدمه؟"

أهمية الانخراط في هذا المجال للدفع بالقضايا العامة قدماً، لا سيما في منطقتنا 

إن كنّا نُريد أن نكون جزءًا من اللعبة السياسية، علينا أن نفهم قواعدها، كيف تُدار الأمور وما هي الاستراتيجيات المعتمدة فيها، ومن ثم التفكير في كيفية الانخراط فيها دون التنازل عن قناعاتنا وثوابتنا. علينا أن نتعلم من التاريخ وان نتجنب أخطاء الماضي وأن نسعى للإصلاح والتغيير.  

الانخراط في المحافل الدولية له دور محوري، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط. فمن خلال المشاركة الفعالة في هذه المؤسسات والحفاظ على تدفق مستمر للمعلومات وتمرير تحديثات من أرض الواقع عند الحاجة، سنمتلك القدرة على زيادة الوعي وإطلاع العالم على الحقائق من تجاربنا كأصحاب شأن مباشرين ورفض التعامل مع قضيتنا وكأنها معطيات جافة وأرقام لا أكثر. ولهذا علينا بناء العلاقات مع صناع القرار الرئيسيين، سواء داخل المنطقة أو على الصعيد الدولي، لحشد الدعم لقضيتنا ودرء الأخطار عنا.  

لو أخذنا نموذج اللوبي الصهيوني اليميني المتشدد على سبيل المثال، كمؤسسة قوية، فاعلة ومؤثرة في صنع القرار وتشكيل السياسات مقابل مجموعة من الدول الغربية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، نراه يسعى دوماً لدعم مصالح إسرائيل وتحقيق أهدافها السياسية، من خلال ممارسة الضغوط وتوفير تمويل سخي لمرشحين سياسيين في حملاتهم الانتخابية ممن يتماشون مع أجنداته؛ بالإضافة إلى دعم مراكز دراسات تعنى بصياغة المواقف السياسية لتكون أكثر انسجاماً مع أجندتهم، سعياً منهم لخلق تأثير طويل الأمد في خدمة إسرائيل وسياساتها، مقابل إضعاف الصوت الفلسطيني وفرصه للتأثير والتغيير في تلك الدول، وصولاً إلى المحافل الدولية. 

في الختام، هناك أهمية بالغة لحشد أعداد أكبر من الشابات والشباب الكفؤ في هذه المؤسسات، لتحقيق نوع من التوازن في الخطاب السياسي وضمان تمثيل أكبر للأصوات المختلفة، بما في ذلك أصواتنا كفلسطينيين وغيرنا من شعوب المنطقة، للتأثير في عملية صنع القرار وخاصة تلك المتعلقة بمصائرنا ومستقبلنا لتكون أكثر شفافية وعدالة وإنصافاً. 

نور يونس

ناشطة سياسية واجتماعية متخصصة في مجال المرافعة المحلية والدولية، حاصلة على اللقب الأول في العلوم السياسية واللغة الانجليزية واللقب الثاني في العلاقات الدولية بتخصص الدراسات الأوروبية

رأيك يهمنا