الشاب بين مطرقة الفرص وسندان المجتمع

في العقد الأخير، يُلاحظ ارتفاع معدلات توظيف النساء العربيات مصحوبًا بازدياد نسبة التعليم الأكاديمي. إلا أن المنجزات بقيت متواضعة، فمعدل توظيفهن لا يزال منخفضًا جدًا مقارنة بالنساء اليهوديات. أما عن الشباب من المجتمع العربيّ، فهم بين مطرقة شُح الفرص المتاحة أمامهم وسندان مجتمعهم.

 تُظهر البيانات في السنوات الأخيرة أنه لم يَطرأ ارتفاع مَلحوظ في نِسبة الرجال العرب في الأكاديميا (نسبة النساء في العام 2022 بلغت 67,1% مقابل 32,9% للرجال في اللقب الأول الجامعي، و75,6% عند النساء في اللقب الثاني بينما بَلغت 24% فقط عند الرجال، وأخيرًا فقد بَلغت 65,1% عند النساء في اللقب الثالث في مُقابل 34,9% عند الرجال)، ويأتي هذا في نِطاق تخصُصاتٍ علمية محدودة نسبيًا. 

وهذا ما نلمسه عن قرب في برنامج "مَسار"؛ وهو برنامج قيادة وتحضير للتعليم الأكاديمي، ينشط منذ خمسة أعوام، حيث نلاحظ الفارق الكبير بين كمية الطلب من قِبَل الفتيات مقارنةً بالفتيان الذين يتقدمون للمُشاركة في البرنامج. وسرعان ما أدركنا أن هذه ليست مشكلة محصورة في نقطة محددة، بل هي تحدٍ مُشترك مع العديد من البرامج الأخرى الموجهة للشباب. فأغلب البرامج غير مُصممة بشكلٍ مناسب لواقع حياة الشباب، ولذلك فإنهُم يبقون في الخلف ولا يتمتعون بسُهولة وصول كافية للموارِد المُتاحة ولا للبرامج التربوية والتطوير الأكاديمي المُتوفرة.

 سقف توقعات عالٍ منذ الصِغر

يولد الابن إلى عائلة سعيدة بمولودها الذكر ولكن في مُعظم الحالات سرعان ما تتحول هذه الفرحة إلى توقعاتٍ هائلة وتعجيزية من الشاب. هذا الواقع المُركّب يُشكل تحديًا على المستوى العاطِفي، العائلي، الاقتصادي وغيره. 

خلال المرحلة الإعدادية وفي سن المراهقة تحديدًا؛ وإلى جانب تساؤلات عدة حول الأدوار الجندرية؛ نرى أن نسبة كبيرة من الشباب يتجهون نحو الاندماج في سوق أعمال البناء والترميم أو نحو أعمال شاقة تتطلب مجهوداً جسدياً وذات مستوى عالٍ من الخطورة. ويعتبر العمل من سن مُبكرة خطوة مهمة في تكوين رُجولة الشاب، أو لنقُل كتحضيرٍ للانخراط في عالم البالغين وتحمُّل المسؤولية.

تتسبب التوقُعات العالية من الشباب منذ سن مُبكرة بزيادة الضغط عليهم لتحقيق النجاح والاستقلالية والاعتماد على أنفسهم، والذي من شأنه أن يمنعهم من التعبير عن مشاعرِهم وتجنُّب سُلوكيات تُعتبر "نسائية"، مثل قضاء وقت طويل في المنزل، التعبير عن المشاعر والاندماج في الأنشِطة الاجتماعية.

هذا المعتقد يُؤدي إلى نِسب تسرُّب عالية للطُلاب الذكور من المدارس بين المرحلتين الإعدادية والثانوية، وارتفاع مُعدلات المُشاركة في الجريمة بين شريحَة الشباب غير المُنخرطين ضمن الأطُر التعليمية. نِسبة الشباب الذين تتراوَح أعمارُهم بين 12-18 عاماً والذين فُتحت بحقّهم ملفات جنائية وغير موجودين في أطر تعليمية هي أعلى بخمسة أضعاف من أقرانِهم الذين ينتظمون في المدارس. عدد الشباب (18-24) العرب الذين أُدينوا بحمل السِلاح بين السنوات 2017 -2020 ارتفع بنسبة 83%، كما ارتفعت أيضًا نسبة القاصرين العرب الذين أُدينوا بحمل السلاح لتبلغ 69%. 

العام الانتقالي- محطة مِفصليّة

بعد التخرّج من المرحلة الثانوية، يقف الشاب العربي أمام مُفترق طرقٍ مَصيري في حياته مع الشُعور السائِد بعدم اليَقين وانعدام البَدائل والمسار الواضح، إلى جانب مَجموعة التوقعات المُرتفعة من طرف العائلة والمُجتمع.

يجد الشاب نفسَه أمام مسارين: المسار الأول هو الاندماج في سوق العمل مُباشرة، لتوفير المال من أجل شراء أرض/منزل وتمويل الزواج وتأسيس أسرة. المسار الثاني هو الاندماج في الأكاديميا أو التدريب المهني، مما يتطلبُ عملًا لمدة سنة أو أكثر لتوفير المال لتمويل التَعليم، بالإضافة إلى العمل بجانب الدراسة، ومن ثم تبدأ أيضًا عملية شراء أرض، بناء منزل، الزواج وتأسيس أُسرة. لكن للأسف، فإنّ الكثيرين يَرون أن الانخراط في الأكاديميا مسارٌ بطيء ومُكلف ولا يرون فيه الإيجابيات البعيدة المدى، بما في ذلك قدرتها على توفير فُرص مضمونة أكثر.

تُظهر الإحصائيات أنه في العام 2019 وصلت نسب الشباب العرب بين الأعمار 18-19 غير العاملة وغير المُتعلمة إلى 38%، أو بكلماتٍ أخرى "عاطلون عن العمل". وهذه النسبة تُعتبر مُرتفعة جدًا مُقارنة بالشباب اليهود.

 أضف إلى ذلك، أن نسبة الشباب العرب الذين يختارون الاندماج في التعليم الأكاديمي مُنخفضة جدًا مُقارنةً بالذين لا يتوجهون للتعليم الأكاديمي. ونتيجةً لذلك، تنخرط النسبة الأكبر من الشباب في نهاية المَطاف في وظائف ذات جودة مُنخفضة وبأجور مُتدنية. وتشكّل ظاهرة الشباب العاطلين عن العمل قناةً لتغذية عائلات الإجرام، في سبيل تجنيد هؤلاء الشباب لخدمتهم، خاصةً عندما توفر لهم إطارًا يُلبي حاجتهم الأكثر إلحاحًا، وهي المال. 

الفجوة بين رَغبات الشباب وتوقعات العائلة والمُجتمع منهم وقدرتهم المحدودة على تلبيتها هي عامل مُباشر في اختيار الشاب المسار الذي يوفر له المال، السُلطة ومستوى المعيشة المطلوب منه، وهو عالم الاجرام. 

الخيار الأسهل 

تحديات كبيرة تواجُه الشباب عند انتقالهم من المرحلة الثانوية إلى ما يسمى بحياة البالغين. الضغط الاجتماعيّ يدفعهم إلى البحث عن "مصباح علاء الدين" متمنين الاستقلال الاقتصادي في ظل غلاء المعيشة. هذا الضغط يمنعهم من التفكير بحلٍ للمدى البعيد أو التفكير في خياراتٍ مهنية. لذلك، يختار الكثيرون منهم حلاً سريعًا يؤدي إلى تحقيق نجاح اقتصادي سريع، بينما لا يعتبرون الخطط البعيدة المدى التي تتطلب سنواتٍ طويلة من الدراسة واستثمارات غير مجزية.

للتعامل مع هذه التحديات، نسعى في برنامج "مَسار" لبناء علاقةِ ثقة مع الشباب وأهلهم لتوضيح أهميّة المشاركة في إطار أكاديمي مِن شأنه تعزيز وتطوير مَهاراتهم التي تُتيح لهم التقدُّم وتؤهلهم للتأثير في المُجتمع بشكلٍ أفضل. بالإضافة إلى ذلك، نُتيح لهم إمكانية المرونة والموازنة بين العمل والتعلُّم لتلبية الاحتياجات الاقتصادية الحالية. بفضل هذه المرونة، ارتفعت نسبة الشباب المُشاركين في "مَسار" ليكوّنوا ثُلث المشتركين تقريبًا. 

قبل أن نتحدث عن التغيير، علينا أن نتعمق ونسلط الضوء على الحواجز التي تقف أمام الشباب الذكور، هذه الحواجز التي تعرقل وتحد من نسبة انخراطهم في سلك التعليم الأكاديمي. في المقابل، على المؤسسات أن تتبنى نهجًا شاملاً يتضمَّن تعزيز الفُرص التَعليمية والمِهنيّة للشباب وتَقديم الدّعم اللازم لهم لتحقيق طُموحاتهم الأكاديمية والمِهنية، وإعادة النَّظر في سَقف التَوقعات المَطلوبة منهم. بالإضافة للقيام بخطواتٍ عملية ضمن قطاعاتٍ مُختلفة، بدءًا من تغيير السياسات المُخصصة للشباب العرب بشَكل خاص ومُلاءمتها لتُلبي احتياجات الشباب الذكور، وأن تُأخذ بعين الاعتبار حاجَتهم ليكونوا في مكان عملٍ يُمكّنهم من تَحقيق ذواتِهم وتغيير مجتمعهم نحو الأفضل.

روان خمايسي

حاصلة على اللقب الأول في العمل الاجتماعي واللقب الثاني في الاستشارة التربوية بتخصص توجيه مجموعات علاجية، تعمل مديرة لبرنامج "مسار" للقيادة والتحضير للتعليم الأكاديمي

رأيك يهمنا