المرأة ودورها في النضال التحرري الفلسطيني

لطالما لعبت المرأة دورا مهما في تاريخ النضال التحرري الفلسطيني. لقد شاركت النساء الفلسطينيات في مختلف الفعاليات الشعبية والقيادية، في التعبئة والتظاهر، ضد الحكم الاستعماري الصهيوني قبل نكبة 1948 وبعدها. لقد كن عضوات في جميع الأحزاب السياسية الفلسطينية وساهمن في عدة مؤسسات سياسية مثل منظمة التحرير الفلسطينية، والجمعيات النسائية والمجلس التشريعي بعد 1996 وحتى في البرلمان الإسرائيلي. ويكفي ذكر بعض الأسماء المعروفة مثل حنان عشراوي، وعايدة توما، وليلى خالد، ودلال المغربي، وخالدة جرار لتسليط الضوء على بعض أشهر النساء الفلسطينيات والمسارات السياسية المختلفة التي سلكنها حتى الآن.

يطرح المنعطف السياسي الحالي تحديات وفرصًا جديدة لمشاركة المرأة الفلسطينية السياسية. فلقد أدى واقع الانقسام الفلسطيني الحالي وترسيخ الانفصال السياسي الذي دام خمسة عشر عامًا بين فتح وحماس، وتصاعد العنف الاستيطاني وتوسعه في الأراضي الفلسطينية، وتوطيد الحكومة الفاشية اليمينية في إسرائيل إلى إفراغ مشروع الدولة الفلسطينية من أي قيمة تحريرية وبالتالي إلى ضرورة إعادة النظر في ماهية المشروع الوطني الفلسطيني. كذلك أدى فشل القيادة الفلسطينية في حماية القضية الفلسطينية وخدمة شعبها، بسبب تشبثها بالسلطة الذكورية المسنة والمتواطئة مع واقع الاحتلال، إلى فقدان شرعيتها وتهميش دورها في الشارع الفلسطيني داخل البلاد وخارجها مما فتح المجال إلى تفعيل المشاركة السياسية على جميع الأصعدة وبمختلف الاشكال.  في هذا الصدد تتمتع الحركة النسوية الفلسطينية، التي تم تهميشها في عملية أوسلو، بفرصة فريدة في فرض نفسها سياسيا والمساهمة في إعادة صياغة المشروع الوطني التحرري وآلية تحقيقه للمضي قدمًا لإنهاء الاستعمار الصهيوني ونظامه الأبرتاهايدي.

إن الهبات الشعبية الأخيرة التي شهدناها في فلسطين على مدار السنوات الأخيرة، إن كانت في شوارع نابلس، او القدس، أو الخان الأحمر، أو غزة تدل على أن الفلسطينيين يرفضون الذل والاحتلال ويؤكدون من جديد أن القضية الفلسطينية قضية نضال ضد الاستعمار هدفها الحرية والعدالة للجميع، وليس تحقيق الدولة أو دويلة، تفيد البعض على حساب الآخرين. للمرأة الفلسطينية دور مهم في هذا الصدد لأنها تمثل أكثر من خمسين في المئة من مجمل الشعب الفلسطيني اليوم، ولا يزال دورها عضويا، في الخطاب العام على الأقل، لأنها تمثل أمهات الوطن اللواتي ينجبن أولادا للوطن، وشهداء يموتون من أجل القضية، وسجناء يعتنون بهم، وناقلي الإرث الفلسطيني ومربيات يعلمن منذ الصغر أن التحدي عمل ثوري نمارسه في بيوتنا.

لكن دور المرأة الفلسطينية ليس محصورا في دور الأمومة، على أهميته، حيث أثبتت المرأة وجودها وفعاليتها على أصعدة أخرى. حيث ارتفعت نسبة المشاركة النسائية الفلسطينية في التعليم العالي على مدى العقود الثلاثة الماضية وهي أعلى من معدلات التحاق الرجال. كما نمت معدلات المشاركة النسائية في سوق العمل ولم تعد محصورة في المجال التعليمي، حيث عززت المرأة من وجودها في العديد من المهن التي كان يهيمن عليها الرجال مثل الإعلام والجهاز المصرفي وتكنولوجيا المعلومات. كما تبوأت المرأة الفلسطينية مناصب قيادية في أكثر من مجال، مثل الصيدلة والطب والسياسة، مما عزز من مكانتها ومساهماتها للمجتمع والقضية الفلسطينية. يتبادر إلى ذهني في هذا الصدد اسمان سياسيان في الشتات: ليلى شهيد، التي لعبت دورًا مركزيًا في حشد الدعم الأوروبي للحقوق الفلسطينية وبالأخص حق تقرير المصير، عندما كانت ممثلة منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا والاتحاد الأوروبي، قبل تقاعدها في عام 2015، ورشيدة طليب، الممثلة الفلسطينية الأمريكية في الكونجرس الأمريكي، والتي أفضت صوتًا أنثويًا مناصرًا للقضية الفلسطينية خارج فلسطين وداخلها.

الآن وقد أصبح واضحًا أن التحرر الوطني لا يمكن أن يسبق التحرر الاجتماعي والسياسي، تلعب المرأة الفلسطينية دورًا مهمًا في إعادة صياغة آلية النضال ومواصلة العمل من أجل تحقيق الاستقلال التحرري. 

ففلسطين تبقى قضية نسوية بمعنى أنها قضية عدالة ومساواة ضد كل أشكال الاضطهاد. إن النضالات الشخصية والجماعية من أجل الحرية مترابطة ولا يمكن للشعب الفلسطيني أن يتحرر دون التخلص من كوابل الاستبداد والقمع الأبوي والجنسي والسياسي المترابطة على كل الصعد، محليا وإقليميًا. فمن خلال مبادرات مختلفة، مثل "طالعات" في فلسطين أو "التجمع النسوي الفلسطيني" في الشتات على سبيل المثال لا الحصر، تؤكد النساء الفلسطينيات على وحدة الشعب الفلسطيني وإلى أهمية الحوار والحراك الشعبي المسؤول والشامل لكافة الأطياف الفكرية والسياسية. يظهر نشاط المرأة في مختلف مجالاته، مرارًا وتكرارًا، أن التواصل والمساءلة منهجية التحرر، وأننا جميعًا - باختلافاتنا الجندرية والعمرية والسياسية والجغرافية والعرقية- نشكل نظامًا بيئيًا مبني على الوعي المناهض للاستعمار ويرتكز على تعزيز الاعتماد الذاتي والمتبادل. 

هذا الترابط يجب احترامه وحمايته لا نبذه أو تدميره. من خلاله، ومن خلال المثابرة والمشاركة والقيادة المبدئية، تمهد المرأة الفلسطينية الطريق لكيفية مواصلة النضال من أجل التحرير وإنهاء الاستبداد بكافة أشكاله.

بروفيسور ليلى فرسخ

أستاذة العلوم السياسية في جامعة ماساتشوستس ببوسطن في الولايات المتحدة

شاركونا رأيكن.م