هل يقامر بايدن بالانتخابات الرئاسية لدعمه إسرائيل؟

أثار دعم الرئيس جو بايدن الثابت لإسرائيل الشكوك حول فرصه في الفوز بولاية ثانية في البيت الأبيض. حيث حظي دعم بايدن "القاطع" و"غير المشروط" لإسرائيل بدعم كبير في الولايات المتحدة في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 23. ولكن مع استمرار تزايد الخسائر في صفوف المدنيين، فإن الدعم لسياسة بايدن تجاه تلك الحرب بدأ يتآكل بسرعة.

ويقول الكثيرون إن دعم الرئيس لإسرائيل قد يكلّفه الأصوات التي يحتاجها في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المحتدمة لتحقيق النصر في عام 2024.

أدى دعم بايدن المطلق لإسرائيل وعدم تعاطفه مع الفلسطينيين في غزة، ورفضه لدعم وقف إطلاق النار الإنساني، إلى انقسام الحزب الديمقراطي، وأدى إلى انتقادات صريحة من مجموعة من المسؤولين في إدارته التي تطالب بتغيير سياسته الداعمة للعملية الإسرائيلية في القطاع. 

ينجح المتظاهرون المناهضون للحرب من حشد حشود كبيرة باستمرار كل أسبوع، مما يحظى بقدر كبير من الاهتمام الجماهيري والإعلامي. وليس من المبالغة التقدير بأنه سيكون تأثيرا كبيرا لمواقف الديمقراطيين – خاصة التقدميين – والأمريكيين العرب والمسلمين من أداء بايدن أثناء الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر ،على فرص إعادة انتخابه مجددا.

وفي الوقت الذي كان العرب والمسلمين يدعمون الفلسطينيين طوال الوقت، أصبح الديمقراطيون أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين على حساب الإسرائيليين خلال العقد الماضي تحديدا. وقد شعر هؤلاء الناخبون بالامتعاض بسبب دعم بايدن أحادي الجانب لإسرائيل ورفضه للنداءات لوقف إطلاق النار الدائم في الحرب المستمرة في غزة. كما واجه الرئيس انتقادات تصدرت عناوين الأخبار من قبل مجموعات وقيادات عربية أو اسلامية، حيث قال بعضهم أنهم لن يدعمونه بعد - حتى لو كان ذلك بثمن انتصار الجمهوريين؛ علمًا أن غالبيتهم كانوا داعمين لبايدن في الانتخابات الرئاسية عام 2020.

وفي مقال رأي نُشر في صحيفة واشنطن بوست يوم 18 تشرين الثاني (نوفمبر)، دافع الرئيس عن دعمه لإسرائيل خلال حملة القصف المتواصلة التي شنتها على غزة في الفترة ما بين 7 تشرين الأول (أكتوبر) و24 تشرين الثاني (نوفمبر)، خلال الإعلان عن الهدنة الأولى للعدوان، حيث كتب: "إننا نقف بحزم إلى جانب الشعب الإسرائيلي وهو يدافع عن نفسه ضد العدمية القاتلة لحماس". ورغم اعترافه بمحنة سكان غزة قائلا: "أنا أيضا أشعر بحزن شديد إزاء الصور التي تصل من غزة ومقتل عدة آلاف من المدنيين، بما في ذلك الأطفال" - إلا أنه أصرّ على رفض الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار.

وعلى عكس الرؤساء الأميركيين المتعاقبين منذ ولاية ريتشارد نيكسون، اختار بايدن عدم إعطاء الأولوية لجهود الوساطة الأمريكية في اتفاق سلام واسع ودائم بين إسرائيل والفلسطينيين عندما تولى منصبه. فقد كانت اهتماماته الأساسية هي الصين والحرب الروسية - الأوكرانية. وفي الشرق الأوسط، دفع باتجاه التطبيع العربي الإسرائيلي، كما فعل سلفه الرئيس دونالد ترمب، ومنح الأولوية للعلاقات الإسرائيلية السعودية. كما لم يعين بايدن مبعوثا خاصا للسلام في الشرق الأوسط؛ ونكث بوعده خلال حملته الانتخابية بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية وإعادة بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

علاوة على ذلك، فهو لم يتبنى الموقف القانوني لوزارة الخارجية – الذي ألغاه وزير الخارجية السابق مايك بومبيو – والذي أعلن أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية. وعلى الرغم من ارتفاع الأصوات المعارضة لنهجه، وانخفاض معدلات تأييده في استطلاعات الرأي الأخيرة، ظل الرئيس بايدن واضحًا في دفاعه عن إسرائيل، كاتبًا: "طالما أن حماس متمسكة بأيديولوجيتها التدميرية، فإن وقف إطلاق النار ليس سلاما". ويقول منتقدوه إن رفضه ممارسة الضغط على إسرائيل للموافقة على وقف إطلاق النار، واستخدام حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنع تمرير مشروع قرار يدعو إلى ذلك، هو مجرد مناورة لمنح إسرائيل المزيد من الوقت للقضاء على حماس في "موقف لا يطاق" كما عبروا، وذلك على حساب كل الموت والدمار الذي حدث في غزة وشعبها منذ 7 أكتوبر.

حتى موعد كتابة هذا المقال، هناك آكثر من 20 ألف من الشهداء الفلسطينيين في غزة، بحسب معطيات وزارة الصحة الفلسطينية، غالبيتهم من الأطفال والنساء. وبالمقارنة، سجلت الحرب في أوكرانيا 9164 حالة وفاة بين المدنيين حتى الآن، وذلك خلال 20 شهراً من القتال.

وهنا تكمن المشكلة الأساسية التي قد يواجهها بايدن في سعيه لإعادة انتخابه عام 2024.

جدير بالذكر، إلى أنه وفقا لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" في شهر فبراير يشير على أنه للمرة الأولى، يتعاطف الديمقراطيون مع الفلسطينيين بنسبة (49%) مقابل (38%) من المتعاطفين مع الإسرائيليين. وهذه النسبة هي أكثر من ضعف النسبة التي تعاطفت مع الفلسطينيين عام 2014 والتي وصلت ال 23% آنذاك. كما وجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "ليك ريسيرش بارتنرز" لاستطلاعات الرأي الديمقراطية أن "16% فقط من الديمقراطيين العرب والمسلمين في ولاية ميشيغان - التي تعتبر الولاية المتأرجحة الرئيسية - سيصوتون لصالح بايدن إذا أجريت انتخابات 2024 اليوم". وعليه، إذا استمر هذا الهروب الجماعي من دعم بايدن، فإنه سيهدد "فرص بايدن في الولايات المتأرجحة الرئيسية حيث فاز فيها بهامش ضئيل".

كما أظهر استطلاع حديث للرأي إلى أن الدعم العام لبايدن مقابل ترامب يصل إلى 44% مقابل 42% – ضمن هامش الخطأ. ومع ذلك، نعلم جميعًا أن أعداد المندوبين أكثر أهمية من إجمالي الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وعليه لو خسر بايدن الولايات المتأرجحة، فقد يفوز بأغلبية الأصوات لكنه سيخسر الرئاسة.

نظرا لكل ما سبق وذكر، يتعين على بايدن أن يعيد التفكير في سياسته تجاه الحرب الإسرائيلية في غزة، إذا أراد الفوز بولاية ثانية لادارة البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى.


الصورة: لآفي أوحيون من مكتب الإعلام الاسرائيلي الحكومي.

محمد القاسم

صحافي مختص في الشؤون الأميركية

رأيك يهمنا