الاقتصاد الإسرائيليّ تحت الحرب
اتخذت حكومة نتنياهو اليمينية سلسلة من القرارات التي تًثقل كاهل الميزانية العامة. وهي قرارات تحوّل المزيد من المال العام لأغراض لا تحقّق النموّ ولا تسهم في تنشيط الاقتصاد. فقد رأى الفاعلون الاقتصاديون في إسرائيل وخارجها من المعنيين بالاستثمار في إسرائيل أن الانقلاب القضائي الذي اعتمدته الحكومة أحدث الضربة الأولى قبل الحرب، وساهمت في عدم استقرار سياسيّ قانونيّ داخل إسرائيل وفي اقتصادها.
حكم الاقتصاد الإسرائيلي توجهين قبل اندلاع الحرب: الأول، اعتماد الحكومة سياسة تمويل كلفة اتفاقيات الائتلاف الحكومي برئاسة بنيامين نتنياهو بمليارات الشواقل من خزينة الدولة. أما التوجه الآخر، فكان هبوط ملحوظ في الاستثمارات الخارجية بنسبة 60% حتى شهر أيلول الماضي، وذلك لامتناع أصحاب رؤوس الأموال عن الاستثمار في دولة تحكمها حكومة يمينية ذات ميول اقتصادية متناقضة. أما الحرب وتكاليفها وآثارها فمن شأنها أن تزيد الوضع الاقتصادي سوءًا خاصّة، حينما فقدت الحكومة مصادر تمويل احتياطيّة أو خطط لما بعد الحرب، ويتأتى عن ذلك فقط مزيدًا من الأزمات.
ومن المعروف أن عدم الوضوح وغياب الاستقرار هما من أهمّ عوامل غياب الاستثمار والمبادرات والمشاريع الطويلة الأمد. بمعنى أن إسرائيل وصلت إلى الحرب مع تراجع واضح في الاستثمارات الخاصة وفي حقل "الهايتك" الذي يُعتبر قوة دفع أساسية للاقتصاد الإسرائيلي برمّته ومركز جذب أساسيّ للاستثمارات. فقد تعمّقت أزمة هذا الفرع منذ الحرب مما اضطرّه إلى تسريح بالجملة لعاملين فيه وصل في بعض الأحيان إلى نسبة 70% في بعض الشركات، يُقابل ذلك هبوط بنسبة 75% في تجنيد الاستثمارات. أما معدلات البطالة فقد ارتفعت في غضون شهري الحرب من 3.5% في شهر أيلول إلى نحو 6.9% الآن. الأمر الذي يعني تقليصا واضحًا في النشاط الاقتصادي بشكل عام. ومن علامات التراجع، أيضًا، حصول هبوط بنسبة 5.6% في مدخولات الدولة قياسًا بالفترة نفسها من العام الفائت مقابل ارتفاع بنسبة 9.7% في المصروفات.
رغم ذلك شوهدت الحكومة مهتمّة بمواصلة رصد الأموال العامة لشركاء الائتلاف الحكومة لا سيّما الحريديم ونظامهم الاجتماعي الذي لا يُسهم في النموّ الاقتصادي، بل يعتمد بالكامل على الميزانية العامة. كما رأت أن تواصل تخصيص الميزانيات لقطاع الاستيطان في الضفة الغربية ـ وهو قطاع غير مُنتج ويعتمد بشكل شبه كلّي على التقدمات الحكومية. هذا فيما اضطرّت الدولة لتمويل تجنيد الاحتياط وتمويل الأضرار من الحرب وإيواء النازحين من المناطق الحدودية، وهي كلفة ثانوية سبقتها كلفة مباشرة للحرب بنحو 14 مليار شيكل. وهي كُلفة أولية قد تصل إلى نحو 200 مليار شيكل بموجب التقديرات.
أما العلاقات المتوتّرة جراء الحرب بين المجتمعين اليهودي والعربي داخل الدولة فقد أسهمت بقسطها في إعاقة عجلة الاقتصاد، فقد سجّل المراقبون انحسارًا في حجم التبادل الاقتصادي بين المجتمعين على جانبيّ الخط الأخضر، وهو تباطؤ أضرّ بالاقتصاد عمومًا والاقتصاد العربي إذا صحّ التعبير سيّما أنه يجد نفسه مرة تلو المرة متضرّرًا من سياسات وأجواء عنصرية وتحريض تحدّ من العمليات الاقتصادية مع المجتمع اليهودي، خاصة إذ أن مرافق مهمة للاقتصاد العربي تقوم على الخدمات وتوفير قوى عاملة مهنية لا سيّما في مجال البناء ومشاريع تطوير البنى التحتية. ناهيك على أن 33% من العاملين في المجتمع العربي منخرطون في فروع تعتبر "عُرضة للمخاطر" مقابل 14% لدى المجتمع اليهودي، بمعنى أن انعكاس الوضع الاقتصادي المتباطئ على المجتمع العربي سيكون واضحًا.
أمّا على صعيد خطة التطوير الحكومية للمجتمع العربي المسماة "تقدّم" فإنني أتوّقع دخولها مرحلة من التجميد التام أو التقليصات الحادة. صحيح أن الحرب وتكاليفها هي شروط موضوعية لهذا الاتجاه لكن كما هو معلوم الحكومة الحالية ووزير المالية لديها غير متحمّسيْن بتاتًا لتحويل ميزانيات عامة للمجتمع العربي كجزء من سياسات استعداء هذا المجتمع وتكريس تهميشه وكجزء من السياسات الاقتصادية اليمينيّة وفق رؤية منتدى "كوهيلت" اليميني المتشدد التي تميل إلى انسحاب الدولة من السوق وتركها لرحمة أصحاب رؤوس الأموال وقوى السوق. أما استمرار الحرب فيعني تعميق التباطؤ الاقتصادي واتساع الفئات الاجتماعية المتضرّرة من إجراءات اقتصادية آتية، وقد يكون في مقدّمتها تقليص حاد في ميزانية الوزارات الخدماتية.