الإعلام الإسرائيلي.. تغطية أم غطاء على الحقيقة!
يقول الكاتب الإسرائيلي، حاييم ليفنسون، في مقال له نُشر مؤخرا في صحيفة "هآرتس" ما يلي: "الكذب في إسرائيل أصبح صناعة، والمجتمع الإسرائيلي بحاجة إلى من يمارس عليه الكذب باستمرار من أجل الاعتقاد بأن إسرائيل تحقق الانتصارات – منذ عام 2014 وهم يحاولون إقناع الجمهور بأن إسرائيل لديها أقوى جيش وسلاح جو لا مثيل له في العالم! فالإسرائيليون يحبون من يكذب عليهم، ولا أحد يريد أن يسمع أو يفهم أن لدينا جيشا متوسط القوة واستخبارات فاشلة، بحيث ان منظمة مثل "حماس" بإمكانها تركيعه على ركبتيه".
إخفاء الحقيقة
كل من درس موضوع الصحافة والإعلام، لا بد أنه يذكر جيّدًا ما تعلّمه في الدرس الأول، وهو أن مهمة الصحافة في نظام ديمقراطي هي "كشف الحقيقة" وذلك يعود الى مبدأ أساس "حق الجمهور في المعرفة". في حين أن كل متابع محايد، ومراقب متتبع للإعلام الإسرائيلي – بكل قنواته – يفهم أن مهمَّة هذا الاعلام كانت ولا زالت منذ بداية الحرب على غزة هي إخفاء الحقيقة عن الجمهور من خلال الكذب والتشويه وتزييف الحقائق بشكل ممنهج، وبما يتماشى مع خدمة مصالحها الأمنية والعسكرية.
لقد اهتم الإعلام الإسرائيلي، وبشكل يصل حد الاستخفاف بعقول الناس، بإخفاء كل ما يحدث في الجانب الغزّي من مجازر وتدمير بيوت وأحياء كاملة وقتل آلاف الأطفال والنساء وتشريد أكثر من مليون مواطن غزّي، كما اهتم الإعلام بمنع نشر صور وأشرطة مسجلة يظهر فيها الرهائن المحتجزون في غزة، وهم يناشدون الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بتحريرهم وإعادتهم الى عائلاتهم، كذلك حرص الإعلام الإسرائيلي على إسدال نوع من الضبابية على كل ما يحدث في الجبهة الشمالية سواء من حيث الإصابات في صفوف الجنود، أو حجم الأضرار التي لحقت بالمستوطنات الشمالية، بحيث أن هناك تقارير تتحدث عن تضرر أكثر من 50% من المنازل والمباني في بعض المستوطنات مثل "منارة" و"شتولا" وغيرها.
تضخيم هجوم السابع من أكتوبر
لقد دأب الإعلام الإسرائيلي على تضخيم حجم الهجوم الذي شنته حركة "حماس" على مستوطنات "غلاف غزة"، سواء من خلال خلق أكاذيب لا صلة لها بالواقع وتصويرها على أنها حقائق، علما بأنه يجري نفيها اليوم من قبل بعض الصحفيين المعتدلين الذين يروْن بأحداث السابع من أكتوبر بأنه حدث كبير جدا ومزلزل ولا يحتاج الى تضخيم باختلاق قصص وأكاذيب!! وبالتالي حرص الإعلام الإسرائيلي على أن تبقى آثار هذا الهجوم في الواجهة من خلال استعراض قصص وروايات يومية سمّتها "الروايات البطولية"، لإسرائيليين نجوا من الهجوم، وذلك لخدمة هدفين أساسيين أولهما إبقاء وتخليد هذا الهجوم في الذاكرة الجماعية – كما هي ذكرى الكارثة والبطولة - وثانيهما من أجل إعطاء الشرعية لنفسها بالقتل والتدمير والتشريد والتجويع، دون أن تترك مكانا لضمير أي إسرائيلي بأن يتحرك أو يدعو لوقف الحرب والفتك بالمدنيين والأطفال والنساء، كما تحركت ضمائر العالم بأسره الذي خرج بمظاهرات حاشدة لوقف الحرب على غزة، بل أن الإعلام الإسرائيلي كان يحرص على عدم نشر مشاهد لما يحدث في غزة، وذلك في استخفاف وقح بعقول الناس، وكأن القنوات التلفزيونية هي المصادر الوحيدة للإعلام، متجاهلين وجود منصات التواصل الاجتماعي التي تجتاح العالم، لا بل إن الإعلام الإسرائيلي سعى من خلال حملة دعائية واسعة لمنع المواطنين من تناقل ومشاركة الآخرين تلك المشاهد المروعة والأفعال اللاإنسانية والمجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة.
بيانات هاجاري
لم تكن بيانات الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، دانييل هاجاري سوى مفاخرة باللقتل، دون أيّ ضوابط أو أدبيات المهنة. فلو أجريت مقارنة بين بيانات الجيش الإسرائيلي وبين من تعتبرها إسرائيل منظمة إرهابية "حماس" لوجدت أن الناطق بلسان الجيش كان يكرر كلمة "قتل" ومفرداتها عشرات المرات في كل بيان له "قتلنا المئات أو الآلاف منهم"، "سنصل الى ..... ونقتله"، "نقوم بقتلهم في كل مكان"، في حين التزمت بيانات "كتائب عز الدين القسام" أو "سرايا القدس" أو حزب الله اللبناني بأدبيات الصحافة باستخدام عبارات "استهدفنا قوّة راجلة للعدو"، تمكنا من تدمير ناقلة أو دبابة للعدو، "أوقعنا إصابات مؤكدة في صفوف العدو"، دون أن يستخدموا كلمة "القتل" التي تخجل حتى عصابات الإجرام باستخدامها بذات الأسلوب الذي استخدمه "هاجاري"!
كمّ الأفواه
منذ بداية الحرب على غزة قامت أجهزة الأمن والشرطة الإسرائيلية باعتقال عشرات المواطنين العرب في الداخل الفلسطيني بشبهة "التماهي" أو "التماثل" أو "تأييد" منظمة إرهابية، والتحريض على العنف، علما أن بين هؤلاء المعتقلين شخصيات قيادية وجماهيرية وفنّية لها مكانتها في المجتمع العربي. وعلى الرغم من أن معظم هذه الاعتقالات كانت تعسفية وغير مبررة، إلا أن الاعلام الإسرائيلي عمل على تغييب هذه الأحداث، وقد امتنع عن إظهار حقيقة الاعتقالات وأسبابها واكتفى بتغذية وتسميم الأجواء من خلال نشر تعقيب الوزير ايتمار بن غفير وأمثاله من العنصريين على هذه الاعتقالات ودعواته الاستفزازية للجم المجتمع العربي خوفا من تكرار أحداث "هبة الكرامة" في أيار/ يناير 2021 التي سمّاها بـ "حارس الأسوار ٢".
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أجهزة الأمن الإسرائيلية لم تتردد في اعتقال كل من أراد رفع شعار "وقف الحرب"، كما أنها رفضت التعاطف مع ضحايا غزة حتى في المشاعر، ورفضت المقارنة بين الضحايا من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني ورأت فيها مقارنة بين "شعب الله المختار" و "الحيوانات البشرية"!!
لم يُسمح لأي من المراسلين أو المحللين أو المعلقين على الأحداث بالتغريد خارج السرب طيلة فترة الحرب، حتى أن المشاهد بات يعتقد بأن الرقابة العسكرية هي من تحدد هوية الضيوف الذين يدعون للظهور على الشاشات وتلقّنهم ما يجدر بهم قوله، فقد كان من الصعب التمييز فيما إذا كان المتحدث هو مراسل، أو محلل، أو معلق، أو ناطق باسم الجيش.. وكل من يحيد عن الرواية يتهم باللاسامية!! وبدا الإعلام الإسرائيلي مندهشًا من العدائية لليهود في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة والعالم، وممن يناصرون قضية فلسطين وشعب وأطفال غزة.. فقد وضعوا صحافتهم داخل قفص جعل من أدائهم ما يشبه جوقة التهريج، والتحريض والكذب والخداع لكنّ الهدف الأول هو عدم إظهار الحقيقة.
لكن ما هو مؤكد أن هؤلاء الإعلاميين، خاصة من جاهروا بالدعوة إلى مزيد من القتل في غزة، والى قتل مئات الآلاف أمثال تسفيكا يحزقيلي وغيره، ستغدو وجوههم أكثر قبحًا بعد انتهاء الحرب لأنهم لن يحتملوا النظر إلى صورهم في المرآة.