هل أدت المنظمات الدولية عملها خلال الحرب؟

في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وكما في كل حرب أخرى، يبرز دور المؤسسات الدولية، الإغاثية والحقوقية، وأهميته على الأرض وفي الميدان، لكن لا تسلم هذه المؤسسات من الانتقادات من كل الأطراف، فهناك من يطلب منها المزيد، وهناك من يشتمها ويدينها لأنها يراها معادية له أو أنها متواطئة مع أحد أطراف الحرب، ففي الحرب كما في كل الصراعات، كل طرف يريد الجميع في صفه بالكامل. 

من الصعب جدًا استعراض مواقف هذه المؤسسات والمنظمات في مقال واحد، لذلك سنركز في مقالنا هذا على منظمتين دوليتين برز دورهما في الحرب مؤخرا، وهم منظمة العفو الدولية "أمنستي"، ومنظمة "هيومان رايتس ووتش"، لكلاهما فرع في إسرائيل وفي المناطق المحتلة منذ سنوات، وتوترت علاقتهما بإسرائيل في السنتين الأخيرتين بعد أن أصدرت كل منهما على حدى تقريرًا مفصلًا يصف إسرائيل على أنها نظام فصل عنصري "أبرتهايد"، تم إخراج مدير مكتب "هيومان رايتس ووتش" في القدس، عمر شاكر، قسرًا من البلاد بعد التقرير، وفرضت سلسلة من التقييدات على كلتاهما بعد التقارير وتم مهاجمتهما من كل أذرع الدولة، بدءًا من وزارة الخارجية وصولًا إلى أفراد ومؤسسات مرتبطين بالحكومة. 

ومع بداية الأحداث في السابع من أكتوبر، وجدت كل المنظمات، والمنظمتان المعنيتان أنفسهم أمام وضع جديد ومعضلة حقيقية، إذ كانت أزمات الطوارئ عادة تتميّز بأن الطرف المهاجم الذي ينتهك حقوق الإنسان ويقتل مدنيين هو إسرائيل متمثلة بالجهاز الأمنيّ، لكن في هذه المرة كانت الضحية هي صاحبة المبادرة بالهجوم ومقتل نحو 1200 مدني إسرائيلي، وأخذ ما يزيد عن 200 مدني رهينة لدى حماس في قطاع غزة. وخلال الـ24 ساعة الأولى، أصدرت المنظمتان بيان إدانة لما فعله مقاتلو كتائب عز الدين القسام وطالبوا بإعادة الرهائن على الفور ومعاملتهم معاملة إنسانية وتوفير الغذاء والماء والرعاية الصحية لهم. 

جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية

ولم يتأخر الرد الإسرائيلي، إذ أعلنت الحكومة عن بدء عملية "السيوف الحديدية" التي ارتكبت فيها المجازر وتفوقت على نفسها في انتهاك القانون الدولي وارتكاب أبشع الفظائع، وهنا برز دور المنظمات الحقوقية والدولية في الرصد والتوثيق والإعلام وعرض هذه الانتهاكات التي قد ترتقي لمستوى جرائم حرب أمام العالم، ومحاولة حشد تأييد وضغط دولي على إسرائيل لوقف هذه الانتهاكات والوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار يشمل إعادة الرهائن من كلا الجانبين ووقف قتل المدنيين. 

وبدأت التقارير بأن أصدرت منظمة العفو الدولية "أمنستي" و"هيومان رايتس ووتش"، بالإضافة إلى مؤسسات حقوقية أخرى، توثيقات وتحقيقات في جرائم ترتكبها إسرائيل قد ترتقي إلى مستوى جرائم حرب، مثل قطع المياه والكهرباء عن سكان القطاع، الحصار الكامل ومنع إدخال الغذاء والماء والدواء، التهجير القسري للغزيين واقتلاعهم من منازلهم وتهجيرهم من شمال القطاع إلى جنوبه، قصف منازل المدنيين وتدمير المباني والبنى التحتية لمنع السكان من العودة إلى منازلهم، إبادة عائلات كاملة خلال القصف وقتل كل أفرادها من الجد إلى أصغر حفيد، ورصدت إبادة 8 عائلات بهذه الطريقة في أكثر من منطقة في قطاع غزة منها مخيم البريج ومخيم النصيرات، استهداف المدنيين مع سبق الإصرار، استهداف المناطق المقدسة مثل الكنيسة الأهلية وقصف المساجد واستهداف الصحافيين الذي يبدو متعمدّا لقتلهم في غزة وفي جنوب لبنان. 

استخدام أسلحة محرمة دوليًا

كشفت منظمة العفو الدولية عن استخدام إسرائيل لقنابل الفوسفور الأبيض في غزة وجنوب لبنان، وهو سلاح محرم دوليًا وقد يشكل استعماله جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بسبب آثاره المدمرة، واستخدام الفسفور الأبيض محظور بموجب القانون الدولي الإنساني. على الرغم من وجود استخدامات مشروعة، لا يجوز أبدًا أن يصوّب على مناطق سكنية مأهولة وبنية تحتية مدنية أو بالقرب منهما، لأنه من الممكن جدًا أن ينتشر الحريق والدخان اللذان يتسبّب بهما. تُعدّ مثل هذه الهجمات، التي لا تميّز بين المدنيين والمواقع المدنية والمقاتلين والأهداف العسكرية، عشوائيةً، وهذا ما تفعله إسرائيل، استخدام أسلحة محرمة دوليًا.

وكذلك كشفت منظمة "هيومان رايتس ووتش" عن استخدام إسرائيل التجويع كسلاح حرب، وهو ما يشكل جريمة حرب وانتهاك للقانون الدولي والإنساني. وقالت إن الحكومة الإسرائيلية تستخدم تجويع المدنيين أسلوبًا للحرب في قطاع غزة المحتل، ما يشكل جريمة حرب، إذ يتعمد الجيش الإسرائيلي منع إيصال المياه، والغذاء، والوقود، بينما يعرقل عمدًا المساعدات الإنسانية، ويبدو أنه يجرف المناطق الزراعية، ويحرم السكان المدنيين من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم. "لأكثر من شهرين، تحرم إسرائيل سكان غزة من الغذاء والمياه، وهي سياسة حث عليها مسؤولون إسرائيليون كبار أو أيّدوها وتعكس نية تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب".

ماذا تفعل المؤسسات الدولية?

معظم الانتقادات التي تتلقاها المنظمات الحقوقية والدولية هي "التواطؤ مع جهة معينة" أو "التقصير في عملها"، تأتي الأولى كجزء من حملات التحريض ضد كل من يفضح الجرائم المرتكبة خلال الحرب ويوثق الانتهاكات والمجاز واستعمال كل الأسلحة المحرمة دوليًا، أو كمحاولة لضرب مصداقية هذه المؤسسات حتى لا يصدقها الناس ويصدق فقط البروباغندا الرسمية التي تصدرها السلطة. وتأتي الثانية من مفهوم خاطئ لعمل هذه المنظمات، إذ لا تستطيع هذه المنظمات، لا قانونيًا ولا إجرائيًا، تقديم إسرائيل لمحاكمة دولية أو فرض عقوبات عليها أو محاسبتها في أي محفل دولي، لأنها مؤسسات غير حكومية ولا تملك تفويضًا مثل هذه الإجراءات، كذلك تملك هذه المنظمات موارد محدودة، بشرية ولوجستية ومالية، إذ لا تستطيع العمل في كل مضمار وفي كل مجال، وعليها أيضًا الحفاظ على سلامة طواقمها خلال الحرب ومراعاة كل الظروف في الميدان. 

في النهاية، ما تقوم به هذه المنظمات بالغ الأهمية، خاصة في التوثيق والرصد، وعليه يجب أن تبنى استراتيجيات عمل من قبل المسؤولين والحكومات في اعتمادها واستعمالها كرافعة للعمل الدبلوماسي والقضائي. 

رامي حيدر

صحافي وناشط في مجال حقوق الإنسان

شاركونا رأيكن.م