عَثَرات في طريق جهاز التربية والتعليم العربي في البلاد

يواجه جهاز التربية والتعليم العربي في البلاد أزمةً وتحدياتٍ كثيرة تعيق النهوض بمستوى التعليم العربي والوصول إلى تحصيلات عالية ذات جودة، وحل قضايا التسرب على أنواعه، ومكافحة آفة العنف وتبعاتها على الطلاب والجهاز والمجتمع عامة.

لا شك أن الاستثمار في الطالب العربي يعاني على مستوى الميزانيات من تدنٍّ وعدم مساواة مقارنة بالطلاب غير العرب والمدارس غير العربية، وذلك لعدم رصد ميزانيات تفاضلية تَسدّ احتياجات جهاز التربية والتعليم في المجتمع العربي، إلى جانب معاناة السلطات المحلية العربية من أزمة اقتصادية، فهي تفتقر لإمكانيات الاستثمار في جهاز التعليم المحلي على مستوى البنى تحتية وبرامج سد الاحتياجات ومعالجة القضايا الملحة التي تعصف في المجتمع العربي يما يشمل العنف والإجرام، وحالة الطوارئ في الأشهر الأخيرة، زيادة على ما خلفته جائحة الكورونا منذ سنة 2020، يحتّم هذا كلّه معالجةَ الرواسب والفجوات التي تركت أثرًا كبيرًا على الطلاب وتحصيلاتهم، في وقت تشير فيه جميع المعايير والتحصيلات -حسب التقييمات والامتحانات الدولية- إلى مستوى تحصيلات متدنٍ معظم المجالات والطبقات.

يشير مسح معطيات التحصيلات والتقييمات إلى وجود أزمة عميقة وفجوة كبيرة ليس فقط من حيث الميزانيات وإنما من حيث جودة شهادات الاستحقاق والبجروت وفحواها، مما يشكّل حاجزًا أمام التحاق الطلاب بالجامعات التي تشترط علامات وتحصيلات عالية ذات جودة، إضافة إلى امتحانات البسخومتري، وامتحان اللغة العبرية الذي أصبح في السنوات الأخيرة عبئًا وعائقًا أمام الطلاب العرب بسبب تدني مستويات التحصيل باللغة العبرية وكذلك العربية.

يؤدي عدم معالجة هذه القضايا من خلال جهاز التربية والتعليم في جميع مراحله والاستثمار فيه من الأساس   حتمًا إلى التسرب؛ منه العلني ومنه الخفي، وبالتالي ينهي طلاب هذه الطبقة المسحوقة تعليمهم المدرسي دون شهادات أو تأهيل مهني يمكنهم من الالتحاق في الجامعات والكليات، ويحول دون استمرار تعلّمهم لامتهان مهنة مستقبلية أو تأهيلهم للانخراط في سوق العمل بعد إنهائهم الثانوية، وذلك لقلة مؤهلاتهم وإمكانياتهم وغياب التوجيه المناسب، مما يؤدي إلى انخراط الكثيرين من أبناء هذه الطبقة في عالم الإجرام والمنظمات التي توفر مكاسب سهلة لهم على حساب مستقبلهم، وبالتالي زيادة العنف والجريمة في المجتمع.

تسعى اللجنة القطرية لأولياء أمور الطلاب للحصول على برامج تعالج قضايا التعليم على أنواعها، وتخوض صراعًا مستمرًا مع السلطات المختصة، ممثلةً بالسلطات المحلية (أقسام التربية وأقسام الرفاة الاجتماعي وقسم الاستشارة النفسية) ووزارة التربية والتعليم، وتتواصل مباشرة مع مديري المدارس من أجل ضمان استثمار الميزانيات المتاحة في برامج حيوية ومهنية، وزيادة الميزانيات لتوفير ساعات وملكات إضافية تَسد احتياجات الطلاب وتعالج الحالات النفسية المتراكمة، وتكافح العنف والجريمة وتحاول سدّ الفجوات.

 تتركز المطالب على بناء برامج تقوية وبرامج لامنهجية، وزيادة ساعات، وتوظيف عدد كافٍ من المختصين  لكل مدرسة من موظفين نفسيين وعاملين اجتماعيين ومستشارين تربويين مهنيين، لبناء برامج عينية وتنفيذها داخل المدارس، حيث تعاني مدارس كثيرة من عدم وجود موظفين مهنيين، وذلك لعدم وجود عدد كافٍ وميزانيات كافية لتوظيفهم من قبل السلطات المحلية، بالإضافة إلى معالجة النقص في غرف التدريس والاكتظاظ والبنية التحتية المناسبة في الكثير من السلطات المحلية.

تجلّت أزمة أخرى في المدارس العربية منذ بداية حالة الطوارئ الأخيرة في البلاد، وتحديدًا في البلدات العربية المحاذية للحدود الشمالية ومنطقة النقب ومدارسها، تتمثل بافتقار معظم المدارس لأماكن آمنة وملاجئ داخلها، فالأماكن الآمنة المتوفرة محدودة لا تتسع لعدد الطلاب في المدرسة في حالة طوارئ مثل الحرب أو الكوارث الطبيعية. 

 حتى الآن، وعلى الرغم من المطالبة بتجهيز جميع المدارس لحالات الطوارئ، فلا تزال مدارس كثيرةٌ غير جاهزة وتفتقر لأماكن آمنة كافية لطلابها في داخلها حسب معايير الأمن والأمان، الأمر الذي يحتم في حالات الطوارئ إغلاق المدارس وإحالة الطلاب إلى التعلم عن بعد كما حصل في فترة جائحة الكورونا.

اتضح من تجربة التعلم عن بعد السابقة أن هذه المنظومة ليست كافية ومجهزة من حيث البنية التحتية والتقنيات المناسبة والمُتناوًلية لجميع الطلاب، وأثبتت من حيث النجاعة عدم نجاعتها بتاتًا، ففي حال اللجوء إلى هذه المنظومة ستكون هناك خسارة ساعات تعليمية وتعميق للفجوة الموجودة أصلًا منذ جائحة الكورونا وحالة الطوارئ الأخيرة التي لا تزال قائمة ومستمرة حتى الآن.

يحتاج جهاز التربية والتعليم ب إلى إعادة النظر في برامج تأهيل المعلمين بما يتناسب مع التطورات والأزمات المتراكمة، وتهيئتهم لتمرير برامج التنمية والمهارات ومعالجة العنف والجريمة والتعامل مع أنظمة التعلّم الحديثة بما يشمل التعلم عن بعد في حالات الطوارئ بشكل ناجع ومهني.

هناك حاجة لبناء برامج لامنهجية وزيادتها، وتعزيز المهارات وتنميتها وتعلم اللغة العربية والهوية والانتماء وإدخال مضامين تتلاءم مع احتياجات المجتمع العربي، نظرًا للتطورات والأوضاع والقضايا المركبة والمتراكمة في السنوات الأخيرة التي أثرت على  الطلاب، فالطالب الذي لا يمتلك معرفة كافية باللغة العربية لا يستطيع التقدم في المواضيع والمواد الأخرى التي تدرس بلغته الأم،والطالب الذي يواجه تحديات تتضمن طمس الهوية والانتماء ويعيش في تناقضات يعيشُ أجواءً غير مريحة، كما أصبح من الضروري التعامل مع هذه المركبات أكثر وأكثر منذ السابع من أكتوبر في ظل السياسات والتقييدات التي فرضت على المجتمع العربي طلابًا ومعلمين وأهالي  وأدت إلى انعدام الثقة وشيوع الخوف المتبادل بين شرائح المجتمع المختلفة في الدولة.

الوضع الاقتصادي والاجتماعي ومستوى المعيشة في معظم البلدات العربية متدنٍ، فهناك حاجة لخلق برامج وأدوات وتمويلها من أجل معالجة هذا الواقع لإعادة الأمن والأمان، ولضمان تكافؤ الفرص وسد الفجوات والفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وتطبيق منهج التفضيل المصحح والتخصيص التفاضلي للميزانيات للنهوض بمستوى التربية والتعليم ودعم الطبقات المسحوقة بغرض معالجة العنف والجريمة، ورفع مستوى التعليم والتحصيلات ذات جودة.

اتُّخذت في السنوات الأخيرة قرارات تصحيحية، وأقرت ميزانيات منها ما أُقر ضمن الخطة الخماسية 922 للمجتمع العربي وخطة 550لسد الفجوات، وبدأت الوزارة دمجَ بعض البرامج وإعطاء المديرين صلاحيات ومرونة  لتحديد مضامين بعضها، لكنها لم يتم تنفيذها بشكل كافٍ في المدارس، ولم يتم رصد الموارد والميزانيات التي أُقرت مسبقًا، وفي حالات كثيرة -في ظل الأوضاع الراهنة والتقييدات- لم يتم بناء هذه البرامج وتنفيذها في معظم المدارس، لذا نأمل رصد الموارد والميزانيات وتنفيذ البرامج بشكل مهني لسدّ الفجوات المتراكمة في السنة الدراسية المقبلة 2024-2025.

المحامي نديم مصري

رئيس اللجنة القطرية لأولياء أمور الطلاب العرب

رأيك يهمنا