على هامش العودة إلى التعليم: صوت طلاب القرى مسلوبة الاعتراف في ظل الحرب
لو لم يكن لديكم خيار آخر - هل كنتم سترسلون طفلتكم ابنة السنوات الثلاث وحدَها في باص يعجّ بالطلّاب من مختلف الأجيال، عبرطرق وعريّة متعرّجة، إلى صفّ الرّوضة؟
وفرضًا أنكم اضطررتم إلى قبول هذا الواقع المجحف، وإرسال أطفالكم عبر وسائل نقل مكتظّة وغير آمنة من أجل البحث عن لقمةعيشكم، هل كنتم ستغيّرون رأيكم إذا عرفتم أنّ الروضة التي ترسلون إليها طفلتكم تنعدم فيها وسائل أمان أساسية مثل: الملاجئوالمساحات الآمنة؟ أو أنها لا تقع أصلًا داخل الحيّز المحمي بـ "القبّة الحديدية"، ولا تعمل فيها صفّارات الإنذار؟
هذه ليست أسئلة افتراضية، إنما هي أسئلة تمثِّل الواقع المرير لعشرات الآلاف من سكّان النقب المقيمين في حوالي 35 قرية منالقرى مسلوبة الاعتراف التي تعاني من تداعيات عدم الاعتراف وسياسات الحكومات التمييزية في مناحي الحياة كلّها حتى قبلالحرب، وقد تفاقمت معاناتها منذ أكتوبر الأخير: فمثلًا، في القرى مسلوبة الاعتراف في النقب، يُحرم نحو 5000 طفل في سن 3-5 سنوات من الذهاب إلى رياض الأطفال. السبب؟ ببساطة، عدم وجود رياض أطفال قريبة من منازلهم!
والحلّ الذي توفّره وزارة التربية والتعليم هو سفريّات منظّمة إلى رياض أطفال في مناطق مجاورة، خارج حدود القرى، يستعملهاالطلّاب من الفئات العمريّة كافة بدون أي فصل أو توفير وسائل حماية وسلامة لأجيال الطفولة المبكرة، لهذا يتردد معظم الأهالي أويرفضون استعمال هذه الوسائل، ويفضلون أن يبقى أطفالهم في منازلهم، متكبّدين أعباء هذا القرار وتداعياته من منطلق المسؤوليةتجاه الأطفال وأمنهم وسلامتهم.
أما الواقع في المدارس فهو ليس أفضل حالًا. في ظل وجود مدارس ابتدائية في تسع قرى فقط من بين ما يقارب 35 قرية مسلوبة الاعتراف، ومدرستين ثانويتين فقط، يصبح التسرب من التعليم واقعًا حتميًا يطال كثيرين. يتفاقم هذا الوضع مع نقص البنى التحتيةالأساسية وشح المواصلات العامة الذي يصعب على الطلاب الوصول إلى المدارس، خاصة في أيام الأمطار والفيضانات! فلا عجب أنتدل المعطيات أن أكثر من 26% من طلاب القرى مسلوبة الاعتراف يتركون مقاعد الدراسة.
وتأتي الحرب لتلقي بظلالها الصعبة على كاهل هذه القرى وتزيد من الأعباء والتحديات اليومية. وفقًا لتقرير صادر عن مركز البحوث التابع للكنيست، فإن 56% فقط من المباني التعليمية في النقب تحتوي على مساحات آمنة، أما في المدارس التابعة لمجالس القسوموواحة الصحراء الإقليمية (التي تضم معظم طلاب القرى مسلوبة الاعتراف) فتنخفض هذه النسبة إلى أقل من 50%، حيث أن 48% من المباني التعليمية غير محصنة على الإطلاق.
بالإضافة لذلك، في الأسابيع الأولى من الحرب، لم تندرج القرى مسلوبة الاعتراف تحت تغطية القبّة الحديدية بسبب تعريفهاكمساحات مفتوحة في المخططات الشمولية القطرية، ولم تسمع فيها صفارات الإنذار. نتيجة لكل ذلك، دفع النقب ثمنًا باهظًا جدًا منذبداية الحرب، 7 أشخاص لقوا حتفهم نتيجة الرشقات الصاروخية وانعدام وسائل الحماية الأساسية، كأطفال عائلة القرعان في قريةالباط، مسلوبة الاعتراف، الذين لقوا حتفهم جراء رشقة صاروخية مباشرة على منزلهم في السابع من أكتوبر العام الماضي، وكذلكالطفلة أمينة الحسوني من قرية الفرعة (التي لا تزال تتلقى العلاج) نتيجة إصابتها من صاروخ سقط على قرية الفرعة غير المعترف بهافي نيسان الماضي.
وبموازاة التحديات الكبيرة اليوميّة التي يواجهونها جرّاء عدم الاعتراف، التي تفاقمت منذ بداية الحرب، والسياسات الحكوميّةالإقصائية التمييزيّة، يواجه سكان القرى سياسات الهدم المستمرّة التي لا تكترث للحرب، بل وتستمرّ وتتوسّع في ظلّها، ضاربة بعرضالحائط معاناة السكّان وتعريضهم للخطر وعدم الاستقرار في هذه الفترة بالذات. في هذا السياق، تشير معطيات صحافية إلىارتفاع عمليات الهدم في النقب في النصف الأول من العام بنسبة تصل إلى 115% مقارنة بالسنة الماضية، وتشكّل السياساتالحكوميّة - تضمّنت مؤخّرًا تعديلات للتشريعات توسّع من صلاحيات وزير "الأمن القومي" ، بن جفير، باستصدار أوامر الهدموتنفيذها- ناقوس خطر آخر، وتهديدًا آخر على أمن السكان واستقرارهم وقدرتهم على التعامل مع تحديات المرحلة.
من غير المقبول أن يُحرم عشرات آلاف الأطفال والشباب من حقهم الأساسي في التعليم والحماية حتى في ظل الحرب. تقع مسؤولية تحقيق هذا الحق المباشرة على عاتق الحكومة الإسرائيلية المسؤولة عن المواطنين أينما كانوا، وعليها اتخاذ خطوات جادة وفعالة لمعالجة هذه الأزمة. المطلوب اليوم، وفي المرحلة الأولى والفوريّة، توفير الحماية اللائقة لكل المؤسسات التعليمية ومراكز الخدمات في القرى مسلوبة الاعتراف. وأما في المرحلة الثانية، التي لا تقل الحاحًا وأهميّة، فيجب على الدولة إقامة مراكز خدمات حيوية في كل القرىمسلوبة الاعتراف، تشمل المدارس ورياض الأطفال، ومد الشوارع وإتاحة المواصلات العامة والسفريات المنظّمة منها وإليها. وطبعًا وبموازاة توفير الحلول الفورية لاحتياجات السكان والطلاب، على الدولة الاعتراف بالقرى مسلوبة الاعتراف وتخطيطها وتطويرها لخدمةسكّانها - هذا هو الحل العادل الذي يضمن حلًا جذريًا للتّحديات وأفقًا لمستقبل أفضل.
شيرين بطشون
مديرة شريكة لقسم السياسات المتساوية، جمعية سيكوي-أفق. حقوقيّة وباحثة في مجالات حقوق الإنسان، التطويرالاقتصاديّ والجندر، تحمل اللقب الثاني في الحقوق من جامعة تل أبيب وجامعة نورث ويسترن في شيكاغو. أدارت في السابقالقسم القانوني في جمعية كيان، ومشروع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة SGDs في جمعية إيتاخ-معكِ. عملت شيرينأيضًا سنواتٍ طويلة كباحثة في البنك الدوليّ وفي هيئة الأمم المتّحدة للمرأة.