على بعد خطوة من الأطر الطلابية الفلسطينية.. كيف نحاول فهمها؟

أنتمي إلى جيل لا نعرف عن الانتخابات سوى اسمها، ربما مررنا من جانبها قليلا، أو مرت بنا، لا أدري! لكن تلك الحالة الديمقراطية التي يسعى لها شباب العالم، قد أضاعت سبيلها عندما وصل الأمر عندنا، هناك جيل بأكمله لا يعرف ملمس الحبر الأزرق.

تجبرك الحالة السياسية الفلسطينية أن تكون منخرطا بشكل ما، منخرطا هنا يقصد بها الإلمام بالشأن العام بعض الشيء، فالواقع السياسي تحت حكم استعماري لا ينفك يترك أسئلته في ذهنك، تنتهي من المرحلة الثانوية، منتقلا إلى الجامعة، ربما تبحث عن شيء ما هناك، قد يكون أكاديميا، وقد يكون سياسيا. لعل البيئة المحيطة بنا، وكثرة إنتاجها لسياسيين وقادة خرجوا من الجامعات الفلسطينية، تركت بنا شيئا، يجعلنا نحاول من ذات المكان.

فمنذ زمن ليس ببعيد، كان النشاط السياسي متمثلا بمجموعات وأطر شبابية داخل وخارج الجامعات الفلسطينية، نقطة انطلاق لحالة سياسية وطنية تجمع فصائل فلسطينية عديدة، أبرزها حركة التحرر الوطني الفلسطيني- فتح، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

يقول أحمد حنيطي: وهو مؤلف لكتاب الحركة الطلابية الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة "إن البيئة السياسية في بداية الثمانينيات كانت إلى حد ما متجانسة في تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية، تحديدا إضفاء الشرعية على منظمة التحرير الفلسطينية، حيث أن المؤسسات الجماهيرية والشعبية والجامعات والطلبة حينذاك، كانوا منخرطين في تعزيز هذه الهوية".

يأخذنا الباحث هنا إلى سؤال متى، ومفتاح متى هنا، هو خروج منظمة التحرير من بيروت، وانتقال الاهتمام من الخارج إلى الداخل، وبالتالي الأطر الطلابية التي كانت منخرطة سياسيا في الداخل، هي أطر كانت تتعرض للملاحقة والاعتقالات، الأمر الذي أنتج حالة من الزخم كانت تخرجها الجامعات الفلسطينية، عدا عن أن مرحلة الشباب لم تكن تقتصر بتعريفها المعتمد اليوم عالميا أو فلسطينيا، فالطلاب كانوا يتعرضوا للملاحقة، التي كانت تنتج قادة سياسيين تجاوزوا الثلاثين، ولكن لديهم الزخم الشعبي داخل الجامعات، وهنا لا نستطيع إغفال المعتقلين الذين انخرطوا في العملية التعليمية خلف القضبان، بالتالي أصبح هناك قيادة في الداخل الفلسطيني داخل وخارج السجون أيضا، هذه الظروف أنتجت حالة استقطاب عالية سواء كانت فكرية أو حزبية.

صحيح أن هناك حالة إيجابية نستطيع أن نلمس آثارها في ذاك الحين، لكن كل هذا لا يلغي التغيرات البنيوية التي كانت تحيط بأبعاد الحراكات الطلابية، أبرزها انقسامات فتح في بداية الثمانينات تبعا لمواقفها مع دول مجاورة، ورغم التفاوت في الأحداث الحاصلة حينذاك، إلا أن تلك الفترة خلقت صراعات داخل الأطر الطلابية تحديدا بين حركة فتح والجبهة الشعبية.

يضيف حنيطي: "إن أبرز تحول أحالنا إلى إعادة تموضع التحالفات بين الأطر الطلابية في الجامعات الفلسطينية، كان اتفاقية أوسلو، والذي انعكس بشكل كبير على النظرة إلى حركة فتح ومكوناتها من الأطر الطلابية، فأصبح الصراع هل نرى فتح كتنظيم أم سلطة؟ وهو ما خلق حالة من التردد والضبابية لحركة فتح بين دورها كحركة تحرر وطني وبين ممارساتها كسلطة. بالتالي خلقت أوسلو حالة من التفسخ بين الأطر الجماهيرية الموجودة والتي انعكست داخل الحراكات الطلابية، وتركت آثارها داخل أسوار الجامعات معززة الفردانية، الليبرالية وغيرها من تبعات أوسلو، الأمر الذي ازداد في بداية التسعينات مع ظهور الشائعات حول الاتفاقيات السرية بخصوص أوسلو".

كانت وما زالت الحركات الطلابية داخل الجامعات الفلسطينية تواجه تحولات تنتجها السلطات الحاكمة في الضفة وغزة، فالانتخابات في الضفة على سبيل المثال، يوازيها توقف لكل مظاهر الديمقراطية داخل أسوار الجامعات في غزة، وهذا لا يعني بالضرورة أن هناك صورة مثالية في الضفة، فالانقسام بين حركة فتح وحماس، لم يقتصر على كونه انقسام بين أكبر حركتين فلسطينيتين، إنما كان يبرز انقسام في المشروع الوطني الذي يمثل الغالبية الفلسطينية. فالتوترات التي أنتجها الانقسام الفلسطيني ودخوله أسوار الجامعات الفلسطينية، انعكس بشكل لا يمكن تجاوزه، فالاعتقالات السياسية زادت بكثرة، موازنات الجامعات من الحكومة قلت جدا، ما جعل الاعتماد على أقساط الطلبة يصبح كبيرا.

لا يمكن إنكار أن مرجعية الأطر الطلابية كانت الأطر السياسية التابعة لها، وفي حين أن الأوضاع السياسية كانت مستقرة ولو شكليا، تبعا للقيادة السياسية التي كانت موجودة قبل الانقسام، وسياسية الاحتواء التي كان يتبعها رئيس السلطة حينذاك ياسر عرفات، اختلفت تماما بوجود محمود عباس على رأس السلطة، فسياسة عباس التي اعتمدت على تكريس ممارسة قوى الأمن دورها كحل لأي ظروف، أفرزت الكثير من المظاهر التي تتبعها السلطة على السطح، مثل التعذيب وحجم الاعتقالات للأطر الطلابية، ما عزز فكرة أن القيادة السياسية اليوم أكثر سيطرة من ذي قبل، لكن أبعد مسافة من الأطر الطلابية سابقا.

رغم كل هذه الظروف المركبة في واقع فلسطيني تحت استعمار يؤكد حنيطي" أن الجامعة هي أكثر مكان يمكن التعبير فيه عن الهوية الحزبية بشكل علني، لكن لا يمكن إنكار أن الواقع الذي حمل في الماضي قيادات سياسية من داخل الجامعات، يختلف تماما اليوم عن قيادة سياسية تخلو من أي حضور شبابي، أو مستند على أطر طلابية ذات اتصال في فئة كبيرة من الشعب الفلسطيني".

أدرك تماما أن الواقع السياسي بأبعاده الاجتماعية، الاقتصادية، وحتى الثقافية لا يمكن ألا يترك آثاره على كل مفهوم وفاعلية داخل المجتمع الفلسطيني، كما يظهر بشكل واضح لأي متتبع في تاريخ الحراكات الطلابية أن دورها لا يفنى، وأن الحراكات الطلابية التي كانت فيما مضى محركا وفاعلا في كثير من الأحداث المفصلية، أصبحت اليوم تحت وطأة ضغوطات من كل حدب وصوب. النضال لم يعد مقتصرا على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي من داخل الجامعة وخارجها، إنما هناك دور يفرض نفسه على الأطر الطلابية متمثلا في ممارسات السلطات الحاكمة في غزة والضفة، التوجهات الشعبية، مشروع السلام، كل هذا على المستوى السياسي لا يمكن أن تتحمله الأطر الطلابية وحدها.

بجانب كل هذا، تقع الأطر الطلابية أمام سياسات الجامعات المتمثلة في رفع أقساط الطلبة، تدني كفاءة التعليم، الانحسار في العمل الأكاديمي الذي أصبح بشكل ما يحد من الممارسة السياسية داخل الجامعة، أيضا خصخصة مرافق الجامعة، كل هذا وأكثر يضع الأطر الطلابية اليوم أمام نضال على جبهات متعددة وبأشكال قاسية أحيانا. ورغم كل هذه الظروف المحيطة إلا أن الحركة الطلابية على مستوى الجامعات الفلسطينية كانت وما زالت تحاول التكيف في ظروف معقدة، على رأسها الاحتلال الإسرائيلي الذي يستهدف الشباب الفلسطيني بشكل دائم ويحاول فرض القيود عليه بكل الأشكال المتاحة.


(استعمال الصورة بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات ل [email protected]).

أنتجت هذه المادة ضمن فترة الدراسة في “الأكاديمية البديلة للصحافة العربية” الذي تشرف عليه فبراير، شبكة المؤسسات الإعلامية العربية المستقلة وينشر بالتعاون مع “فارءه معاي - المنصة الإعلامية العربية المستقلة.

ريهام المقادمة

صحفية وباحثة فلسطينية

شاركونا رأيكن.م