تجربة بليبل كحيز شبابي فلسطيني

ولدت فكرة بليبل كإطار شبابي فاعل من مبدأ الحركة النابض واستمراراً لجهود، تجارب ومبادرة أطر شبابية محليّة شعبية اخرى من بينها: كبت، العتبة، عقدة التصوير، الصالحة، المحل، الأتليير، نبض الشارع، وغيرها من مبادرات تجمعها مبدئيًا الحاجة للتعبير والاعتزاز والانتماء.

ولدت هذه المبادرات جميعها في أزقة البلدة القديمة وذلك لخاصيّة وأهمية البلدة القديمة تاريخياً في وعي وإدراك كل إنسان نصراوي.

لا يخفى عن العين تدهور الأوضاع في البلدة القديمة في السنوات الأخيرة، من حيث تراجع مكانتها، اقتصادياً، سياسياً واجتماعياً حيث تحوّلت إلى موضوع نقاش ساخن يطرح في كل حملة توعوية أو سياسية أو انتخابية، يتم استغلاله وتجييره لمصالح ومكاسب ضيّقة، وبالمقابل بدون تحريك ساكن وبدون تنفيذ أي خطوات فعلية للسعي قدماً لتغيير الوضع الراهن.

من هنا ولدت الحاجة لدى فئة واسعة من الشباب للعمل والنشاط والتخطيط على أرض الواقع لإحداث تغيير ولو بسيط أو جزئي معتمدين على المقولة الشعبية "الحركة بركة" والمثل الشعبي "ما بحك جلدك إلا ظفرك"، حيث انعدمت جميع الحلول الممكنة على مستوى السلطات المحلية أو السلطة المركزية، في ظل واقع التضييق والتهميش الذي نعيشه في الداخل الفلسطيني.

عندما نتطرّق إلى حركة بليبل كإطار شبابي مستقل ولد من رحم المدينة، نرى أنه تجمّع طبيعي وعفوي لطاقات شبابية صاحبة انتماء شعرت في مراحل زمنية معينة بالاغتراب في وطنها وبالتالي سعت إلى تكوين وخلق بيت اجتماعي دافئ يعيد لها الأمل في البقاء والصمود وإعادة الروابط فيما بينها من خلال العمل والنشاط الجماعي في الحيز العام الذي جاءت منه وعادت اليه، وهل من خيار أفضل وأجمل وأنسب من البلدة القديمة لتفي بهذا الغرض؟

على صعيد الإدارة والتخطيط لبرامج اجتماعية متنوعة، بالإمكان القول إن نشاطات وفعاليات بسيطة كانت كفيلة بإحداث أثر وصدى نوعي لدى أبناء المدينة، من ضمنها مشاريع صناعة مكان، مشاريع اجتماعية لتبادل الكتب والأغراض، ورشات تفعيلية للجيل الشاب، ورشات فنية، أمسيات موسيقية ارتجالية، إضافات أو ترميمات متواضعة في الحيز العام تسعى لإنعاش المشهد في الحي، جميعها لامست الشباب في الصميم وأثبتت مدى تعطش هذه الفئة لأطر حاضنة تحتوي وتبرز وتستغل طاقاتهم/ن بشكل إيجابي يعود بالفائدة والمنفعة للمدينة. 

اطار بليبل الشبابي

منذ البداية، اعتمدنا على روح العطاء والتعاون مع أهل البلدة القديمة واصحاب المصالح المحلية، وحالفنا الحظ أن نتعاون مع مجموعة نساء رائدات غامرن وافتتحن مساحات خاصة لهن في سوق العرائس العريق، حيث وضعن بصمة نسويّة واضحة، أسسن وساهمن في بناء استراتيجية عمل لإحياء وتطوير منطقة وزوايا منسيّة في البلدة القديمة.

بدا لنا من الطبيعي في ذلك الحين أن نشارك تلقائياً، بكل محبة وسرور، في مجهود الترميم أو البناء وأن نرافق ونساعد كل ما يعزّز الأمل وروح المبادرة في الحيّز العام الذي ننشط فيه داخل البلدة القديمة. هنا يجري الحديث عن مجموعة من الشباب كانت تجتمع في ساعات الظهيرة اأ عند إنهاء دوامها المهني في العمل، كلّ منهم في مجاله، لنجلس في مساحة صغيرة ومتواضعة، لا تتعدى الـ ٢٠ متراً مربعاً، بادرنا نحن في ترميمها وتجهيزها بأيدينا ومجهودنا الشخصي لإتمام وإطلاق مشروعنا الخيري الذي تحوّل فيما بعد إلى مساحة أمان تجمعنا وتحتضننا لتخرج كل ما في كينونتنا وتعزّز انتماءنا للمكان.

اطار بليبل الشبابي

في هذه المساحة، اجتمعنا والتقينا مع العديد من المارة من أهل البلد والزوار والسيّاح، تركنا هناك ذكريات ومواقف إنسانية كثيرة، كما واجهنا تحديات غير مألوفة ومواقف صقلت لدينا مفهوماً جديداً ومطوّراً لمفهوم تشكيل إطار شبابي من طراز جديد، يتفاعل ويتأقلم ويندمج مع المحيط.

في ظل الوضع السياسي المحلي في مدينة الناصرة من جهة، وتراجع دور المجموعات السياسية وتأثيرها على الشارع من جهة أُخرى، تعوّل بليبل على بناء نموذج فضفاض غير مسبوق من حيث الهيكلة والبنية التنظيمية، حيث لا يضم الجسم أي "مدير عام" أو طواقم عمل برواتب شهرية. الجميع هم أفراد أصحاب قيمة وتأثير، حالمون، طموحون، متطوعون ومتساوون على مستوى المنظومة. وقد بدا لنا ذلك بمثابة تجربة فريدة من نوعها نخوضها ونتفاعل معها ونتأثر بأبعادها حتى يومنا هذا. 

عند اقتراح أية فكرة أو مشروع، نتوجه من خلال تواجدنا في المساحة لنعرض فكرتنا على الموجودين بشكل وجاهي ونناقش بشكل جماعي كل فكرة يتم طرحها حتى نتبناها ونسعى إلى تخطيطها ومن ثم إطلاقها إلى النور وتنفيذها. هذا النموذج "الفضفاض" منحنا سرعة في التخطيط وفي نفس الوقت إمكانيات لتحسين الأفكار بشكل تلقائي عند طرحها. من جهة أُخرى، أدركنا لاحقًا أن كل فكرة جذابة يمكنها أن تتدحرج سريعاً وأن تخلق نوعاً من الترقّب والتوقّع والمسؤولية لدى الجمهور الواسع، لنجد أنفسنا مغمورين بمهام عديدة تتطلب منا طاقات هائلة لمأسسة هذا العمل الاجتماعي وتلبية الطموح والآمال. 

اطار بليبل الشبابي

لكل شاب فلسطيني حالم نقول: تحركّوا، بادروا، انشطوا، انثروا بذور المحبة والانتماء في قراكم ومدنكم، اخرجوا إلى الحيّز العام وثوروا، الحركة بركة والحاجة أم الاختراع!

راوي عويّد

من مؤسسي جمعيّة بليبل، ناشط إجتماعي، حرفيّ في مجال تقنيّات الأطراف الصناعية والأحذية العلاجية 

شاركونا رأيكن.م