2025.. عامٌ طريقُهُ وَعِرة، وعلى أكتافِه ميراثُ الحرب
بِمفهوم بديهيّات الزمن والفعل على الكرة الأرضية، نودّع عام 2024 كغيره مما فاته من أعوام، رقمًا لا حدثًا. يترك لنا وقائع ومصائر وندوب ومحنًا لم تُحسم نهاياتها بعد، وتطورات ومستجدات سيُبنى عليها ما هو آت.. يَرِثه العام الجديد 2025، بحلوه ومُرّه، مع أن المرارة هي الأكثر طغيانًا على قلوبنا وعقولنا وحاضرنا منذ سنتين.
ولكن، سيُضاف إلى العام الجديد متغيّر آخر ليلقي بظلاله على الأحداث المتسارعة، ألا وهو عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، في ولاية رئاسية ثانية، بينما ينشغل كثير من المحللين والخبراء والساسة والإعلاميين، ومعهم شعوب المنطقة، في فانتازيا فُرط التفاؤل بنهاية حروب المنطقة، ومعها أوكرانيا، في عهد ترامب، بـ "كبسة زِرّ". وتصاعد هذا التفاؤل مع تردد أنباء عن إبلاغ ترامب رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالعمل على إنهاء الحرب في لبنان أو غزة، قبل تسلّمه مهمته رسميًا أواخر كانون الثاني/ يناير 2025، مرورًا بالحديث عن تقدم في جهود المبعوث الأميركي آموس هوكشتين لإبرام اتفاق بين إسرائيل ولبنان.
صحيح، لا حياة مع اليأس، والتفاؤل مُهم وجوديًا وفطريًا ونفسيًا، لكن الخشية من أن يُعاظم "وَهْم" التفاؤل وجعنا الثقيل أصلًا ويُعمّقه.. نعم "وَهْم"، حتى تُثبت حقائق الغد غير ذلك، وهو ما يستدعي منّا "تفاؤلًا حذرًا" بشأن قرب نهاية الحرب على غزة ولبنان من عدمها.
بالتأكيد، لكلّ بداية نهاية، والحرب ستنتهي ذات يوم لا محال، وطبعًا، نتمنى عاطفيًا ووجدانيًا أن تنتهي الحرب اليوم قبل الغد، لكن المعطيات السياسية والعسكرية والتكتيكية والاستراتيجية، وما يرتبط بها من عوامل ظرفية وموضوعية، تشير إلى أن حالة "عدم اليقين" ما زالت مخيّمة على كلّ ما يحدث في الشرق الأوسط.
وليس مَرَدّ عدم اليقين هذا، فقط، في أننا نشهد أحداثًا وتطورات متسارعة، وغير مسبوقة، لدرجة صعّبت على أمهر الباحثين الاستراتيجيين تقديم قراءة دقيقة لما يجري الآن، وما يُخبّئه اليوم التالي.. بل أيضًا؛ لأن اللاعبين في ما يجري هُم كُثُر، إلى جانب السياقات والتقاطعات العابرة للحدود والملفّات الإقليمية والدولية، وهو ما يُظهر أن التسويات الجزئيّة مرهونة بتسويات أشمل.
بتقريب المَجهر مِن غزة، تُفيد مصادر حركة "حماس"، وأخرى سياسيّة عربية، أنه لا معنى للحديث الآن عن محاولات جديدة لتحريك مفاوضات وقف إطلاق النار في القطاع. إذ أكدت هذه المصادر أنّها تنتظر وصول ترامب إلى البيت الأبيض، ورؤية كيفيّة تعامله مع غزة ولبنان وعموم المنطقة، قبل اتخاذ أي قرار محدد. كما أن الوقائع على الأرض، بما فيها العمليّة الإسرائيلية في شمال غزة، والمحاور العسكرية التي أنشاها الجيش الإسرائيلي في أنحاء القطاع ، توحي أن اليمين الإسرائيلي الحاكم يسابق الزمن، لفرض "واقع مستدام" إلى أجل غير مسمى، وربما لزمن طويل، خاصة مع ضبابيّة كبيرة حيال ما يدور في عقل نتنياهو أساسًا.
وتعزز هذا الاستنتاج أحاديث عن رغبة نتنياهو بفرض حكم عسكري على القطاع، وليس مجرد سيطرة أمنية عليه، وأن إقالة يوآف غالانت كوزير للجيش، قد أزال خلافًا بين الساسة والجيش بخصوص هذه النقطة.
وبهذا المعنى، لو افترضنا أنه تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في القطاع، فإن هذا لا يعني عودة غزة إلى ما قبل 7 أكتوبر 2023، وعندها سنجد أن الأسئلة التي ستُطرح بشأن غزة بعد وقف الحرب، أكثر بكثير من المطروحة في زمن الحرب، بالنظر إلى الوضع الإنساني الخطير، الناجم عن كارثة خلفتها الحرب الإسرائيلية.
وبنظرة شاملة على ما يجري في غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن، وبالتأكيد إسرائيل، لا بد من التنويه بأنّ جميع الأطراف تريد إنهاء الحرب، لكنّها مختلفة على "كيف ستنتهي؟"؛ ذلك أن الإجابة على هذا السؤال، هي التي ستحدد "المنتصر" في المعركة، وبالتالي كيفيّة رسم المنطقة من جديد. وهذا بحدّ ذاته يقود إلى السؤال: هل تم الاتفاق على إخراج معين لنهاية الحرب؟
الواقع أن الإجابة هي "لا"، بالنظر إلى مواقف الأطراف المنخرطة فعليًا أو ضمنيًا في المواجهة، وهو ما يعني أننا قد نشهد اتفاقات لوقف إطلاق النار، مرحليًا، لكنّها ستكون ضعيفة، ومليئة بالثغرات، وبالتالي يبقى تجدد المواجهة أمرًا واردًا، إلى حين أن تفرض المعركة شكل الحلّ والنهاية.
وحتى ترامب الذي يريد نهاية الحرب، لا يختلف جوهريًا عن "النظام الأميركي" الذي يريد وقف الحرب، لكن بشرط أن يكون ذلك بموجب تسوية تغيّر وجه الشرق الأوسط، وتحفظ المصلحة الأميركية والإسرائيلية. وأي اعتقاد غير ذلك، فهو ضرب من الخيال، على قاعدة "ما يطلبه المستمعون، ويتمناه الراغبون".
بالعموم، لا جدال في أنّ الحرب والأحداث الكبيرة في المنطقة ستؤدي إلى تغييرات كبيرة، وربما ستتضح على المدى المتوسط أو البعيد، لكن لا أحد يستطيع الجزم في ما يتعلق بشكل التغيير، ولصالح مَن، وطبيعة التوازنات التي ستنشأ بموجب ما ستخلفه "معركة كَسْر العَظم".
مع ذلك، قد يكون ترامب الشخصية الأقرب من كلمة السرّ لتقريب نهاية الحرب، باعتباره يمينيًا أميركيًا يجيد الحديث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (المسيحي الأرثوذوكسي)، وقد يَعقد معه صفقة بخصوص أوكرانيا، وعندها تكون مفتاحًا لصفقة الشرق الأوسط، إذا ما لعبت موسكو دورًا في إقناع إيران، أو وقف التعاون العسكري والاستخباراتي معها، ومنع روسيا الموجودة عسكريًا في سوريا "نقل أسلحة" إلى حزب الله في لبنان. عدا أن ترامب قد يكون الأقدر على أن تكون كلمته مسموعة في آذان اليمين الإسرائيلي الحاكم. لكن بالطبع، أي نهاية للحرب لن يفرضها ترامب على نتنياهو من جانب واحد، بل ستكون بالتنسيق معه، وبما يحفظ "مصالح أميركا وإسرائيل"، وهو تنسيق شدد عليه ترامب خلال تهنئة نتنياهو له بالفوز هاتفيًا، بحسب إفادات سياسية متعددة.
بالتأكيد، السيناريو الروسي كمفتاح لصفقة المنطقة، هو الآخر ليس يقينيًا، ويشكل فرضية حتى اللحظة، لكنه يبدو مطروحًا على الطاولة بعلم السياسة، بالنظر إلى المعطيات المشار إليها في مقالنا، ضمن منطق تقاطع المصالح، والصراع الدولي، والمقايَضة بين الملفات.
ولعلّ زيارة وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر السرّية إلى روسيا أخيرًا، لبحث تفاهمات بشأن ضمانها عدم "تهريب" أسلحة من سوريا إلى حزب الله بلبنان، مقابل رفع عقوبات أميركية عن شركات روسية، قد أثارت تساؤلات كبيرة بشأن الربط الذي نوهنا إليه.. خاصة أن واشنطن سارعت إلى نفي أي علاقة لروسيا باتفاق إنهاء الحرب في لبنان؛ لأنها تخشى أن يؤسس اتفاق من هذا النوع لمعادلة جديدة في المنطقة، قد تستفيد منها موسكو. كما أن دوائر أمنية إسرائيلية حذّرت في أعقاب زيارة ديرمر لموسكو من أن تقود هكذا تفاهمات ثنائية مع بوتين، إلى توسيع نفوذه في المنطقة، ليشمل لبنان أيضًا!
أدهم مناصرة
صحافي فلسطيني يعمل في الإنتاج الاخباري والسياسي التلفزيوني، إضافة إلى عمله معدا ومقدما لبرامج إخبارية وحواريّة إذاعية لنحو 15 سنة. كما يكتب باستمرار تقارير ومقالات سياسية واجتماعية، وأخرى ذات صلة بحرية الرأي في العديد من المواقع والصحف العربية والمحلية. وكان قد عمل مديرا لراديو يمن تايمز في العاصمة اليمنية صنعاء عام ٢٠١٣.