هل حكومة نتنياهو قابلة للاستمرار؟

من الأفكار التي تجد رواجًا، ولا يعلن عنها في العلن غالبًا، أن حكومة نتنياهو السادسة لا توجد لها أي فرصة في البقاء وأنها على الأقل لن تمضي كل مدّتها. وهناك من يعتقد أنها لن تستكمل عامًا واحدًا، ومن هؤلاء من كان يروج بأنها لن تشكل وأن بنيامين نتنياهو سيفضل أن تشارك معه أحزاب يمينية أقل تطرفًا من إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتيش. ويستشهد أصحاب هذا الرأي بأن نتنياهو صرح وقرر أكثر من مرة بأنه صاحب القرار وأن إسرائيل ستبقى ديمقراطية وليبرالية وأن شركاءه سيقبلون بذلك؛ لأنهم لن يجدوا بديلًا من الحكم سوى المعارضة، وشتان ما بين الموقعين.

للتعليق على هذا الرأي، أقول: إن سقوط الحكومة الحالية ليس من الضروري أن يتم، وإذا حصل فليس من المؤكد أن يكون سريعًا، وإذا سقطت بعد عام أو عامين فسيكون اليمين القومي والديني قد تغلغل وتمكّن من استكمال تغيير الدولة وفق ما يريد؛ كما أنه يمكن أن ينجح في أي انتخابات قادمة، وإذا لم يكن في الانتخابات القادمة ففي التي تليها، وإذا نجحت أحزاب أخرى فسيكون نجاحها مؤقتًا وسترتهن للواقع وللقوانين التي أقرها اليمين القومي والديني أثناء حكمه، لا سيما إن فاز مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد سنتين. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، يجب ألّا ينسى أحد أن نتنياهو يحتاج إلى هذه الحكومة لكي يحصن نفسه من الملاحقات القضائية، وأنه هو عراب الأحزاب والشخصيات الفاشية في حكومته، وأنه يتبنى جوهريًا برنامجها نفسه، لذلك سعى إلى توحيدها لكي تحصل على مقاعد في الكنيست تمكّنه من تشكيل الحكومة وإقرار القوانين التي تمكنه من تجنب الحكم ضده في القضايا المتهم فيها أمام المحاكم الإسرائيلية، فهو صاحب مصلحة في وجود تلك الأحزاب.

إن الفرق الحاسم بين نتنياهو وشركائه من اليمين القومي والديني أنه صاحب تجربة طويلة في الحكم والعمل الديبلوماسي، ويعرف الولايات المتحدة جيدًا، ومدى تأثيرها فيما يجري في فلسطين. لذلك، تبنى موقفًا يجعله يبدو مثل "الحمامة" في حكومة من الصقور الشرسة، في حين إنه يريد تحقيق الأهداف نفسها، ولكن بأشكال متدرجة ومختلفة أحيانًا. ومتناسبة مع الظروف السائدة وإمكانية تحقيق المطلوب بسرعة وقبل خراب البصرة. فقد كتب في كتابه الأخير أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لم يوافق على اقتراحه بضم أجزاء من الضفة، لأن ذلك سيضعف، وربما يوقف، قطار التطبيع الذي كان سائرًا بقوة في عهد ترامب.

في هذا السياق، وافق نتنياهو على برنامج حكومته الذي يفتح أبواب الضم والتهجير والحق الحصري لليهود في الاستيطان في "أرض الميعاد" والجولان، ولكن سيتم ذلك من خلال الضم المتدرج والزاحف والإعلان عنه بشكل نهائي في الوقت المناسب، بما لا يتعارض مع الاعتبارات الدبلوماسية والقومية لإسرائيل.

من دون شك، لم يتوقع نتنياهو وشركاؤه ردة الفعل الإسرائيلية الداخلية بهذه السرعة، التي وصلت إلى حد التحذير من انقلاب على الديمقراطية والقيم الليبرالية، والدعوة إلى التمرد والعصيان، ويتحسب من ردة الفعل الأميركية المتوقعة؛ حيث أخذت الإدارة الأميركية تحذر من تجاوز الخطوط الحمر، خوفًا على حليفتها وربيبتها إسرائيل التي تهدد مستقبل إسرائيل، إذا طبقت ما جاء في برنامجها.

ولعل المظاهرات التي نظمت في المدن الاسرائيلية الكبرى مؤخرًا، وشارك فيها عشرات الآلاف مثلت جرس إنذار مبكر.

على الرغم مما سبق، من الصعب جدًا أن تسقط الحكومة نتيجة المظاهرات والتحركات في الميدان، فهي شكلت منذ أقل من شهر وتملك أغلبية كافية ومتماسكة، حتى الآن، وهناك حاجة متبادلة من مختلف مكوناتها لكي تبقى. وإذا مضت المعارضة بتحديها بالمظاهرات فستلجأ إلى تنظيم مظاهرات مضادة؛ حيث يصبح الأمر شارعًا مقابل شارع. والحكومة، بالأحزاب الأيديولوجية التي تشارك فيها والمميزات التي تتمتع فيها على المعارضة، قادرة على حشد متظاهرين أكثر، ويمكن أن تلجأ إلى العنف. لذا، فالأقرب إلى التوقع هو أن تجد الحكومة والمعارضة تسوية ما تخفف من المدى الذي تريد أن تذهب إليه في انقلابها، ولكن من دون أن تتراجع عن برنامجها بشكل جوهري حتى بالنسبة إلى "إصلاح القضاء" في سياق خطتها للهيمنة على مفاصل الحكم كافة؛ فقد حذرت رئيسة المحكمة من خطورة "الإصلاح" الذي تريد إحداثه في القضاء إذا ما أقرت قانون التغلب الذي يجعل المحكمة العليا خاضعة للكنيست، ما يلغي استقلال القضاء، وهو من أهم مقومات أي نظام ديمقراطي، لا سيما أن أقسامًا كبيرة من المعارضة تنتمي إلى اليمين ولا تختلف كثيرًا عن الحكومة في العديد من الملفات، خصوصًا إزاء الملف الفلسطيني الذي لا يوجد خلاف جوهري حوله.

وفي هذا السياق، لا بد من إدراك أن الخلاف هو بين الإسرائيليين أنفسهم حول طبيعة الدولة وخصائصها، وليس بين الإسرائيليين والفلسطينيين؛ حيث هناك إجماع على لاءات إسرائيلية إزاء الفلسطينيين، بدليل أن المنظمين للمظاهرة في تل ابيب رفضوا بشكل جوهري إدراج مسائل تتعلق بالفلسطينيين. ويدلل على ذلك أن هناك عددًا من أعضاء الكنيست من المعارضة صوّت وسيصوّت لصالح العديد من القوانين المتطرفة والعنصرية إزاء الفلسطينيين التي أقرتها أو تزمع الحكومة إقرارها. فلا يجب أن ننسى أن الحكومة ومعظم المعارضة أقروا معًا قانون القومية الذي جعل العنصرية دستورًا في إسرائيل والمحكمة العليا صادقت على ذلك.

ومن يراهن على الإدارة الأميركية لمنع الحكومة من تطبيق برنامجها أو المساهمة الفاعلة في إسقاطها، فعليه أن يتريث كثيرًا. فإدارة بايدن تنتظر ما ستفعله الحكومة الإسرائيلية ولا تذهب كما تفعل في حالات مشابهة نحو المقاطعة. لذا، ستحاول جاهدة أن تمنع جموح الحكومة حرصًا منها على إسرائيل، ولكنها إذا جمحت فلن تصل بعيدًا في الوقوف ضدها ومعاقبتها.

يبقى الدور الفلسطيني والعربي حاسمًا في معركة إسقاط الحكومة إذا جسد أقصى فاعلية. فهو إذا أضعف نفسه من خلال الرهان على المعارضة الداخلية والأميركية، وإذا ربط معارضته للحكومة بسقف المعارضة الإسرائيلية، الذي لا يتناقض جذريًا مع الحكومة وبرنامجها؛ حيث لا بد من أن يكون الموقف الفلسطيني وطنيًا ويركز على إنهاء الاحتلال والفصل العنصري من خلال الصمود والمقاومة الشاملة، وإنجاز المساواة الفردية والقومية، وعلى حق العودة للاجئين على طريق هزيمة المشروع الاستعماري الاستيطاني وتفكيك نظام الامتيازات العنصري؛ حيث الحال يجب أن يكون "تضرب القوى الفلسطينية في الاتجاه نفسه" الذي تسير فيه المعارضة الإسرائيلية ضد الحكومة الفاشية، ولكن تسير بشكل منفرد وتحت راية برنامج وأهداف مختلفة.

يمكن القول بدرجة كبيرة من الثقة إنه من الخطأ الذوبان، أو السير في ركاب ومحاكاة العديد من أحزاب المعارضة الحالية، بما في ذلك أحزاب اليمين الأقل تطرفًا والمركز واليسار؛ إذ إن الغالبية العظمى من الأحزاب وأعضاء الكنيست الفائزين لا يختلفون كثيرًا عن بعضهم البعض إزاء القضية الفلسطينية والفلسطينيين فهم يمين ويمين أكثر تطرفًا، وهذا اتجاه يتعمّق ويتزايد بسير إسرائيل نحو اليمين لدى الناخبين اليهود نتيجة طابع المشروع الاستعماري الاحتلالي العنصري الذي إذا لم يتغير سيبقى يسير في الاتجاه نفسه، لدرجة دفعت الناخب الإسرائيلي للقول إنه إذا لم يوجد بديل سوى انتخاب اليمين، فالأفضل انتخاب اليمين الأصلي، لا الذي يحاول تقليده.

أما بالنسبة إلى القيادة والفصائل الفلسطينية، فعليها أن تعمل على مقاطعة وعزل وإسقاط الحكومة وبرنامجها، وتتخلى عن الالتزامات المترتبة عليها في اتفاق أوسلو، وتدعو الدول العربية أن تحذو حذوها وتبدأ بسحب السفراء فورًا وليس بعد أن يتم الضم والتهجير والتهويد وتغيير مكانة الأقصى، وهي تضع في حسابها أن عليها العمل والنضال، لكي من سيحل محلها ليس من يتبنى برنامجًا أقل تطرفًا وعنصرية إزاء اليهود وأكثر إزاء الفلسطينيين، بل من يستطيع الدفع باتجاه آخر مختلف كليًا.

د. هاني المصري

كاتب ومحلل سياسي ورئيس المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية - مسارات

شاركونا رأيكن.م