هل يعود لجم تدخل المحكمة العليا في التشريعات العنصرية بفائدة على الفلسطينيين؟
من البديهيّ أن تشعر كل أقليّة مضّطهدة بالقلق إزاء محاولات السلطة الحاكمة إلغاء الرقابة القضائيّة التي تمكّن المحكمة من إلغاء قوانين وتشريعات تمس بحقوق الإنسان الدستوريّة. فلا قيمة لوجود حقوق دستوريّة في ظل نظام قضائيّ لا يستطيع ضمانها وحمايتها. فإنّ ما يميّز الحق الدستوريّ هو المكانة القيميّة المرموقة التي تمنع المسّ بالحق إلّا بتوفّر شروط صارمة وفي حالات استثنائية فقط. للمحكمة العليا عادة القول الفصل بشأن دستورية هذا القانون أو ذاك.
كما هو معروف للبعض، فإن النظام الدستوري الإسرائيليّ مبتور من أساسه. في ظل عدم وجود دستور للدولة لم يكن أي خيار آخر لدى المحكمة العليا سوى التعامل مع الحقوق المدرجة في قوانين الأساس كحقوق دستوريّة وجب عليها توفير حماية قضائيّة لها تمنع المسّ السافر بها. ويشمل ذلك أن تتخذ لنفسها صلاحية لم يمنحها إيّاها القانون، ألا وهي صلاحية إلغاء أي قانون يمس بحقوق الإنسان الدستورية. هشاشة النظام الدستوري الإسرائيلي تكمن أيضًا في عدم وجود هيئة قضائية دستورية مستقلة أو مؤسسة منطقيّة أعلى من المحكمة العليا، كالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي أصبحت قراراتها مرجعًا مهمًا، ليس فقط للدول التي تخضع لسيادتها بل لكل نظام يطمح في مأسسة نظام قضائي يحمي الأفراد والجماعات من القوانين التعسّفية، عبر الإعلان عن بطلانها بشكل كامل أو جزئيّ.
السؤال الذي يُسأل في الحالة الفلسطينيّة هو: إلى أي مدى أنصفت المحكمة الإسرائيليّة الملتمسين حينما لجأوا إليها مطالبين بإلغاء قرارات، أو إجراءات، مسّت بحقوقهم الدستوريّة؛ وهل حقًا سيفقد الفلسطينيّون أداة مركزية ضمنت لهم الحد الأدنى من الظروف التي تتيح ممارسة حريّاتهم السياسيّة وتحمي حقوقهم الدستوريّة؟ للإجابة عن هذه الأسئلة لا بد أولًا من الرجوع إلى القرارات التي تدخّلت فيها المحكمة العليا الإسرائيليّة وأقرّت بلزوم إلغاء تشريعات سنتها الكنيست أو بنود منها.
في العام 1995، أقرت المحكمة العليا للمرة الأولى بأن لديها صلاحيّة إلغاء قوانين غير دستوريّة تتناقض مع قوانين الأساس إلا أنها لم تُقدِم على إلغاء القانون في القضيّة التي تداولتها حينها والتي عُرفت بقضية "بنك همِزراحي". وهي القضية التي دشنت المرحلة التي أسميت لاحقًا بمرحلة "الثورة الدستورية". مهّدت قضية "بنك همزراحي" الطريق أمام المحكمة لإلغاء قوانين بشكل فعلي وكانت المرة الأولى في العام 1997 حين ألغت المحكمة بند قانون في قضية مدراء الاستثمار الذين التمسوا لإلغاء قانون ألزمهم باستصدار رخصة للعمل في إدارة الاستثمارات. أقرّت المحكمة حينها بأن بند القانون يمس بشكل سافر بالحق الدستوريّ في حرّية العمل وهو لاغ. بعدها قامت المحكمة بإلغاء واحد وعشرين (21) بندًا قانونيًّا ليصل عدد المرات الفعلي الذي تدخلت فيها المحكمة حتى نهاية العام 2022 إلى اثنتين وعشرين (22) مرة فقط. وإن نظرنا سريعًا إلى القضايا التي تم التدّخل فيها نرى أنه تم التدخّل أربع مرّات فقط في قضايا تتعلق بقوانين وجهّت مباشرة ضد الفلسطينيين ومرتين في قضايا اجتماعية اقتصادية لم توجه ضد الفلسطينيين تحديدًا، لكنهم (المواطنون منهم) كانوا من الفئات الأكثر تضررًا منها. ولكي نفهم مدى تأثير إلغاء هذه القوانين على حياة الفلسطينيّ وما إذا كانت قد حققت تأثيرًا ملحوظًا، لا بد من الوقوف عند كل قرار بإيجاز.
أبدأ بالقرارات التي تطرّقت إلى قوانين وجّهت ضد الفلسطينيّين بشكل خاص ومدى التأثير الفعلي لهذه القرارات:
حرمان الفسطينيّ من تقديم دعاوى ضد قوّات الأمن: ألغت المحكمة العليا عام 2006 بندًا من قانون الأضرار المدنيّة حرم الفلسطينيّين من المناطق المحتلّة من إمكانية تقديم دعاوى تعويضات ضد أضرار نجمت عن اعتداءات قوّات الأمن. لم يأت هذا القرار بأي جديد على أرض الواقع ولم يقلّل من عدوان الإحتلال. على العكس، فبعد قرار المحكمة قامت الكنيست بتعديل القانون بالشكل الذي يحرم الفلسطينيّ من التعويض إذا كان الضرر ناجمًا عن عدوان يعرّف قانونيًا بمصطلح "عملية عسكريّة". هذا هو السبب وراء رفض الدعاوى المقدمّة من قبل عوائل شهداء وجرحى فلسطينيين بحجة أن قتلهم أو إلحاق الأضرار الجسديّة بهم كانا نتيجة "لعملية عسكرية" والقانون المعدّل يحمي الاحتلال من واجب دفع التعويضات الماديّة في هذه الحالة، حتى إن لم يأخذ الضحية أي قسط في الاقتتال. وقد صادقت المحكمة العليا في شهر تموز الماضي (2022) على القانون الذي يعفي الدولة نهائيًا من واجب التعويض عن أي ضرر تلحقه بمناطق معرّفة كـ"منطقة عدو"، مثل مدينة غزة، سواء كان ذلك خلال مواجهة عسكرية أم لا. وفي المحصلة، نرى أنه عدا التغني "بنجاحنا" في إلغاء قانون في المحكمة، إلا أن هذا القرار في أرض الواقع لم يسعف أي فلسطينيّ تضرّر من عدوان الأحتلال. فالأضرار المركزية التي يتكبدها الفلسطينيي من الاحتلال ليست في الأيام "العادية" الهادئة إنما تأتي بالأساس خلال أيام الحملات العسكريّة التي يديرها الإحتلال بشكل بربريّ ووحشي يودي بحياة العديد ممن لم يأخذوا أي قسط في الاقتتال، مثل الأطفال والنساء على وجه التحديد. هؤلاء كانوا يتامى قبل "الإنجاز" في المحكمة العليا وبقوا كذلك بعده أيضاً.
تمديد اعتقال مشتبه به في مخالفات أمنيّة دون المثول أمام المحكمة: أقرّت المحكمة العليا عام 2010 ببطلان البند القانونيّ الذي أعفى الجهات الأمنية من واجب جلب المعتقل إلى المحكمة ليكون حاضراً في جلسة تمديد اعتقاله. وقد أقرّت المحكمة أن عدم مثول المشتبه، الذي غالبًا ما يُحرم من لقاء محاميه، يمس بحق المشتبه به في الإجراء العادل. لا شك أن الحديث هو عن قرار مهم من حيث المبدأ، إذ كثيرًا ما يجد المعتقل متنفسًا حين يتم وقف التحقيق معه والسماح له بالحديث للقاضي ولربّما إشراكه في معاناته وقت التحقيق. إضافة إلى ذلك، نحن نعلم أن في لقاء المشتبه به بالقاضي (لوحده، دون حضور محاميه في هذه المرحلة) راحة نفسيّة مؤقتة واستراحة من التحقيق المتواصل، إلى جانب انعدام أي احتمال لإطلاق سراحه. لم أسمع أبدًا عن معتقل بشبهات أمنيّة حُرم من لقاء محاميه ونجح في إقناع المحكمة بإطلاق سراحه، عند مثوله أمامها وحده. الإنجاز الأكبر لهذا المعتقل يكون، إن سمعته المحكمة، هو إيعازها إلى جهات التحقيق بتلبية مطالب عينية يقدمها (صحيّة، عادة).
إلغاء بند (ثانوي) في قانون "مقاطعة إسرائيل": أقرّت المحكمة العليا عام 2015 أن القانون الذي يتيح فرض عقوبات مدنيّة ضد من يدعو إلى فرض المقاطعة على دولة إسرائيل، هو شرعي ودستوري من حيث المبدأ. إلى ذلك، قرّرت المحكمة إبطال فقط البند الذي يتيح تقديم دعاوى لتعويضات دون حاجة المدعي إلى إثبات أي ضرر نجم عن الدعوة إلى المقاطعة. من الواضح أنه مع عدم إبطال القانون بجوهره، المسيء بالأساس للفلسطينيّين ونضالهم السياسيّ السلميّ في هذه الحالة، لا يمكننا التعامل مع هذا القرار بمفهوم النجاح، وإن تم فعليًا إلغاء بند هامشي فيه.
حرمان أطفال نفّذوا مخالفات "أمنيّة" من مخصّصات التأمين الوطني: أقرّت المحكمة العليا عام 2021 بأن تعديل قانون العقوبات الذي يسمح بمنع مخصصات التأمين الوطني عن ذوي قاصر يقضي عقوبة بالسجن بسبب مخالفات أمنية، ليس دستوريّا ويمس بالحق في المساواة لأنه يميّز بين قاصر قام بأعمال أمنيّة وقاصر قام بأعمال جنائيّة. إلا أن الحديث هنا هو عن قرار محكمة نظري للغاية قد يكون ممتازًا من حيث التحليل القانونيّ للتدريس في كليّات القانون فقط ولتداوله عبر المؤتمرات الأكاديميّة والمقالات الدستوريّة؛ ذلك لأن قرار المحكمة قضى بإبطال قانون لم يكن ساري المفعول أصلًا لأنه منذ البداية كان قد سن لفترة مؤقتة هي 3 سنوات كانت نهايتها عام 2018 ولم تقم الكنيست بعدها بتمديد سريانه. قرار المحكمة هذا مهم لأي محاولة مستقبليّة لسن قانون مشابه.
إلغاء قوانين المواطنون العرب هم المتضرر الأكبر منها ، وإن لم تكن تستهدفهم بشكل مباشر
حرمان من يملك سيارة من مخصصات التأمين: أقرّت المحكمة العليا عام 2012 أن القانون الذي يحرم بشكل اوتوماتيكي كل من يملك سيارة من مخصصات تأمين الدخل الاجتماعية هو لاغ ويمس بشكل غير دستوري بالحد الأدنى من الحق للعيش بكرامة. على الرغم من كون القانون عامّاً ويمس بكل شريحة الفقراء، إلا أن نسبة الفقر العالية لدى الأقلية الفلسطينيّة في البلاد تجعل هذا القانون ذا علاقة مباشرة بالعرب كونهم الأفقر والأكثر عرضة للحرمان من المخصصات لمجرد وجود مركبة قديمة ما زالت مسجلة على اسم المواطن العربيّ، رغم أنها غالبًا ما تكون قد فقدت قيمتها.
قائمة البلدات المستحقة للتخفيضات الضريبيّة: ألغت المحكمة العليا عام 2012 بند القانون الذي حدّد قائمة البلدات التي تستحق تخفيضات ضريبيّة، والذي كان قد شرُّع بالأساس من أجل منح تسهيلات للمستوطنين من قطاع غزة الذين تم إخلاؤهم في إطار "خطة الانفصال عن قطاع غزة"، ثم جرى لاحقاً توسيع قائمة البلدات لتشمل بلدات يهودية بالأساس. وكان من اللّافت استثناء البلدات العربيّة وبعض البلدات اليهوديّة التي التمس بعضها إلى المحكمة. وجاء في قرار المحكمة أن قائمة البلدات لم تستند إلى أي معايير واضحة وأن القائمة ميّزت في المحصلة ضد البلدات العربيّة الملتمسة.
ما نستطيع استنتاجه من القائمة أعلاه هو: أولًا، نسبة القوانين التي يمكن اعتبارها مسيئة للفلسطينيين بشكل خاص وقامت المحكمة بإبطالها لا تتعدى الثلاثين بالمئة (30%) من مجمل القوانين الـ-22 التي تجرأت المحكمة العليا الإسرائيليّة وتدخلت فيها. ومن بين الـ-30% من القضايا التي حصّلنا فيهم نجاحًا على مستوى إقناع المحكمة بالتدخل، ولو ببند واحد من مجمل القانون، فإن القرارات التي نستطيع بالفعل اعتبار أنها أثّرت بشكل ملموس على الفلسطينيين هي الاجتماعية أو الاقتصادية فقط، والتي لم تقتصر أضرار بعضها على الفلسطينيّين فقط، إنما أضرّت أيضًا بفئات مستضعفة أخرى من المجتمع اليهودي الإسرائيلي (مخصّصات تأمين ضمان الدخل بسبب ملكيّة أو استخدام سيارة). الندّاء لمقاطعة إسرائيل حظي بشرعية قانونية والقضايا الثلاث التي تطرقت إلى مواضيع تعنى بالأمن (مثول المعتقل وتعويضات الفلسطينيين من عملّيات قوات الأمن ومخصصات الأطفال الأسرى)، كانت أكثر شكليةً وتصلح في أحسن الأحوال لمدارس وكليّات القانون في البلاد ولم تُحدث أي تغيير جذريّ في التعامل مع الفلسطينيّ الشهيد أو المصاب أو الأسير القاصر أو المعتقل الأمني.
علينا أن نذكّر بأنّ محاسبة المحكمة العليا وتعاملها مع الفلسطينيين في قضايا التشريعات المسيئة لا يأتي من خلال احتساب نسبة النجاحات من بين مجمل قراراتها التي تدخلت فيها، إنما أيضًا قياسًا بعدد المرّات التي رفضت فيها التدخل لإبطال قوانين عنصرية ومجحفة. ولعل قانون منع لم شمل الأزواج الفلسطينيّة العنصري وإحجام المحكمة مرتين عن التدخل لإبطاله هو الأبرز، لكنه ليس الوحيد. فهنالك قانون البلدات الجماهيريّة الذي يحرم العرب من القبول للسّكن في أغلب مناطق البلاد وقانون أساس: القومية طبعًا الذي يمؤسس الفوقيّة اليهودية العرقيّة في البلاد بصورة دستورية وقانون الإطعام القسري للأسرى المضربين عن الطعام وقانون منع إحياء ذكرى النكبة وغيرها من القوانين التي بقيت في سجل القوانين ولم تجرؤ المحكمة على إعلان بطلانها.
لا أنكر بتاتًا أهمية الذهاب إلى المحكمة فهنالك العديد من الأمور الأخرى التي يستطيع الإجراء القانوني كشفها، حتى إن أخفقنا. فقرار محكمة عليا يمتد لمئات الصفحات هو نص قانوني يؤرشف ويكشف أمام الأجيال القادمة عدم تماهي الفلسطينيين مع قوانين مجحفة، لولا قرار المحكمة أشك في أن يتذكرها أحد بعد تطبيعها وكأنها قوانين عادية مرت بقرار الأغلبية وألزم جمهور الهدف بالانصياع إليها.
ومع ذلك لن أنكر أبدًا أن تقويض مساحة المحكمة بالتدخل في قوانين عنصرية أو تمييزية أو تعسفية وانتقامية تجاه الفلسطينيين كما يقترح اليوم الوزير ياريف ليفين وأتباعه سيمحا روطمان وآخرون هو مقلق بالأساس لأنه يجعل إمكانية النجاح في أي قضية من المستحيلات، علمًا بأن المقترح حاليًا هو إتاحة إمكانية إبطال قانون فقط بعد الحصول على إجماع كل القضاة وهذا أمر مستحيل. ففي معظم القرارات التي تدخلت فيها في قضايا تعنى بالفلسطينيين في الماضي كانت المحكمة تنقسم على نفسها بين معارض ومؤيّد والإجماع بينهم يكاد يكون مستحيلاً، نظرًا للاختلافات الجوهريّة بينهم والتوجّهات المتباينة في قضايا التدخل بالتشريعات. لذا لا أرى أي سيناريو، على ضوء تركيبة المحكمة اليوم، بأن تقوم باتخاذ قرار لإبطال أي قانون يعنى بالفلسطينيين بالإجماع. عندها سنفترض مسبقًا أننا ماضون في الذهاب إلى المحكمة كإعلان موقف فقط ولإشغال المحكمة بالموضوع كي تقوم بإصدار قرار معروفة نتيجته مسبقًا تكمن أهميته، فقط، في أرشفته تاريخيًا للأجيال القادمة.
قد تفتح المرحلة المقبلة أمامنا تحديات على مستويين: الأول، تعزيز الإيمان بقوتنا السياسيّة وتكثيف الاحتجاج الجماهيري، عوضًا عن الاحتجاج القانونيّ الذي طالما فضّلنا استنفاده لسهولته وعدم جلبه "المتاعب". ولا شك في أن للذهاب إلى المحاكم أثرًا سلبيًا مباشرًا على العمل السياسيّ الميداني بحيث تسخّر الطاقات لجلسات المحكمة وبيانات المؤسسات الملتمسة ومقابلات الملتمسين والمحامين والكل ينتظر قرار المحكمة وينسى الدور العام في استمرار التعبئة الجماهيرية إلى حين استصدار القرار وبعده.
والثاني، على مستوى الاستخدام بصورة أكثر دراسة ونجاعة للآليّات القضائيّة الدوليّة. فبينما استطعنا في الماضي الّلجوء إلى المحاكم مع توقّعات نجاح فإننا نقف اليوم حيال مرحلة مع صفر توقعات نجاح، ليس بناء على تخمينات وتقديرات بل بسبب قوانين قد توضع وتحرمنا من حق اللجوء إلى المحاكم، كتلك التي تنوي منع امكانية إثارة أي موضوع دستوري من جانب مؤسسات وليس من الفرد المتضرر. واقتراحات مثل تلك التي جاء بها وزير الأمن القومي، إيتمار بن جبير، لإعفاء الجنود من المساءلة الجنائيّة على مقتل أي فلسطينيّ يشمل الأعزل وقوانين أخرى تمنع المحكمة مسبقًا من التدخل لانعدام صلاحيتها أو لعدم وجود أغلبية لإبطال القانون هي سبب كاف للتوجه قضائيًا إلى محافل أخرى نطالب فيها محاكمة الجناة كأداة مكملّة للأدوات التي غدت معدومة بالنظام القضائي الإسرائيلي.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، رأينا أن وثائق الائتلاف الحكومي التي تم التوقيع عليها كشرط لتأدية اليمين الدستوري للحكومة الحاليّة تضمنت بنودًا عديدة تُستدل منها النيّة الصّريحة لمأسسة نظام فصل عنصري عرقي في حدود البلاد ومأسسة عقوبات جنائيّة خاصّة للفلسطينيّين، تشمل عقوبة الإعدام وقوننة ضم الأراضي الفلسطينيّة المحتلة. وقراءة معمّقة للبنود التي اتفقت أحزاب الائتلاف الحكومي على سَنّها لا تترك أي مجال للشك في أن الحديث عن قوانين تمأسس نظام فصل عنصري تعرّفه المعاهدات الدولية بأنه جريمة ضد الإنسانية. وإن كانت النيّة لتنفيذ جرائم جنائيّة ضد الفلسطينيين معلنة ونحو القوننة، فإن من الواجب علينا التصدّي لها تمامًا كما نتصدّى لأي جريمة نرى فيها المجرم عازمًا على تنفيذها. وبما أننا لن نستطيع أن نشتكي المجرم لأهل بيته، لأنه غيّب أيضًا وجود أي رقيب عليه، فلا مناص أمامنا من اللجوء إلى رقيب أعلى مطالبين بمنع المجرم من التقدم في تنفيذ خططه ومحاكمته في المرحلة الحاليّة على جرأته في التخطيط للقيام بجرائم جنائية كجرائم الحرب المتمثلة في الضم والإعدامات والانفلات من المحاسبة وجرائم الأبارتهايد داخل "الخط الأخضر".