هل ثمة معارضة جوهرية لسياسة إسرائيل حيال قضية فلسطين؟
بات واضحًا منذ الآن أن جلّ سيوف المعارضة للحكومة الإسرائيلية الجديدة، السادسة برئاسة بنيامين نتنياهو، والمقتصرة على تحالف حزب الليكود مع أحزاب اليمين المتطرّف، من تيارات الصهيونية الدينية، واليهود الحريديم المتشددين دينيًا، موجهة نحو السياسة الداخلية لهذه الحكومة، على خلفية نياتها ضد السلطة القضائية، وسعيها للمزيد من إجراءات تديين الحيّز العام، وتهويد جهاز التربية والتعليم ومناهج التدريس وما إلى ذلك.
وهذا الأمر تأكّد، على نحو بيّن، من اللقاء الذي عقدته مجموعة من شخصيات أحزاب المعارضة لمناقشة نشاطات الاحتجاج وتنسيقها تحت مظلة "منتدى الكفاح من أجل طابع الدولة" الذي أنشأه رئيس تحالف "المعسكر الرسمي" بيني غانتس. وقد شارك في هذا اللقاء مندوبون من أحزاب "يوجد مستقبل" و"المعسكر الرسمي" والعمل وميرتس وتعهدوا بتشكيل جبهة موحدة ضد الهجمات على جهاز القضاء، ونظام التربية والتعليم، والجيش، والديمقراطية ككل. وقال المشاركون إنه تم توجيه الدعوة إلى أحزاب أُخرى في المعارضة، وهي "إسرائيل بيتنا" والقائمة العربية الموحدة وتحالف الجبهة - العربية للتغيير، إلاّ إنها لم تتمكن من الحضور، لكنها وعدت بأن تشارك في الاجتماعات المقبلة. ومما قاله غانتس لدى الإعلان عن إنشاء المنتدى في وقت سابق إنه من المهم إنشاء منتدى عمل يبدأ في التفكير بالتحركات البرلمانية والعامة والإعلامية المشتركة ضد الإضرار بالقيم الديمقراطية التي تظهر في الاتفاقات الائتلافية التي وقّعها نتنياهو حتى الآن مع شركائه. وإذا كان هذا التنويه يروم قول شيء مُحدّد، فهو أنه من غير المرتقب أن تكون هناك معارضة كبيرة لجوهر السياسة الخارجية لهذه الحكومة ولا سيما فيما يتعلق بالاحتلال في أراضي 1967 والقضية الفلسطينية والفلسطينيين في الداخل.
ومن سيل التعليقات التي تصدر عن رموز أحزاب المعارضة، وعن المحللين السياسيين، وعن الخبراء في شتى حقول الاختصاص المرتبطة بالسياسة، يمكن الاستخلاص بأن مناهضة سياسة الحكومة حيال الاستيطان في أراضي 1967، وحيال كل ما يتعلق بالاستيلاء على الأرض والضم، ستنطلق، في حال انطلاقها، من دافعين لا يحيلان، بحال من الأحوال، إلى وجود قناعة بعدالة قضية فلسطين وضرورة إحقاق حقوق شعبها. وهذان الدافعان هما: أولًا، دافع عدم تأليب الرأي العام في العالم على إسرائيل في ضوء وجود حراك متدحرج في الساحة الدولية لإدانة الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي، بلغ حدّ دقّ أبواب محكمة العدل الدولية، والجمعية العامة للأمم المتحدة، فضلًا عن احتمال تحريك شيء ما في المياه الساكنة في الولايات المتحدة. ثانيًا، دافع التحذير من احتمال دفن ما يسمى بـ "حلّ الدولتين" للصراع الفلسطيني- الإٍسرائيلي وما قد يترتب على ذلك من مخاطر على الطابع الديموغرافي لإسرائيل كـ "دولة يهودية أبديّة".
عند هذا الحدّ ربّما ينبغي أن نشير إلى أن الوقائع التي رافقت كل معارك الانتخابات التي جرت لإطاحة نتنياهو منذ عام 2019، أكدّت أن أي زعيم حزبي سعى للجلوس مكانه لم يعرض فكرة متبلورة خاصة به حيال السياسة الخارجية وخصوصًا فيما يخصّ العلاقة مع إيران، أو تسوية القضية الفلسطينية، لا من اليمين، ولا من الوسط أو "اليسار". وليس مبالغة القول إن يائير لبيد وأفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت وبيني غانتس وجدعون ساعر وميراف ميخائيلي، وإلى حدّ ما زعماء حزب ميرتس، يكرّرون من ناحية جوهرية الشعارات ذاتها التي وضعها من يطلبون الحلول محله، وهو ما عنى أن موقف نتنياهو بقي المحور المركزي من جهة، وأن ثمة غيابًا لمعارضة قوية بوسعها أن تعرض بدائل فكرية حقيقية في جملة من مواضيع السياسة الخارجية المهمة من جهة أخرى.
وهذا الاستنتاج سبق أن لفت نظر صحيفة "هآرتس" في الماضي، حين أنشأت يوم 10 أيار/مايو 2018 مقالًا افتتاحيًا تحت عنوان "لا توجد معارضة في إسرائيل"، أشارت فيه إلى أن ردّات الفعل من طرف معظم الخصوم السياسيين لرئيس الحكومة نتنياهو ولا سيما زعماء المعارضة على إعلان دونالد ترامب (الرئيس الأميركي في ذلك الوقت) بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران كانت أشبه بظلٍّ شاحبٍ بالمقارنة مع مواقف نتنياهو نفسه. وخلصت "هآرتس" إلى القول إنه على مدى أعوام، نجح نتنياهو في أن يجعل موقفه حيال موضوع إيران بمثابة الموقف الوحيد الذي يُجرى فيه أي بحث، وكل الآخرين باتوا يسيرون على هذا النهج، يرحبون بهذا الشكل أو ذاك ويتبنون الرواية بكاملها، وفحوى هذه الرواية أن إيران هي التجسيد المُطلق للشرّ، والاتفاق الذي أبرم معها كان سيئًا لإسرائيل!
وبحسب قراءة معظم محللي الشؤون السياسية في إسرائيل إبان انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران، كان من الصعب أن تعثر في الساحة السياسية الإسرائيلية على زعيم نجح في إيجاد بديل مهم ومقنع لموقف نتنياهو في الموضوع الإيراني.
ولم يكن الموضوع الإيراني الوحيد الذي حدّد فيه نتنياهو النبرة الإسرائيلية العامة في الفترة الأخيرة. ففي المسألة الفلسطينية أيضًا ثمة الكثير من القواسم المشتركة، التي من غير العسير البرهنة عليها. وربما يكفي أن نستعيد، لدى العودة مرة أخرى إلى فترة ولاية ترامب، أنه في موضوع نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس كان الموقف العام لدى كتلتي المعارضة في الكنيست، وهما تحالف "المعسكر الصهيوني" (بين حزب العمل وحزب "الحركة" المنحلّ) و"يوجد مستقبل"، هو الترحيب بالقرار الأميركي، بل إنه منذ وصول ترامب إلى سدّة الحكم في واشنطن ظهر رئيس الكتلة الأخيرة، يائير لبيد، في أكثر من مناسبة يطالب بنقل السفارة إلى القدس، كما أن حزب ميرتس يؤيد هذه الخطوة، لكنه يفضل أن تكون "ضمن اتفاق عام مع الجانب الفلسطيني".
كذلك دعمت كتلتا "المعسكر الصهيوني" و"يوجد مستقبل" مشروع قانون الحكومة القاضي بنهب أموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها السلطات الإسرائيلية عند المعابر الدولية على البضائع الواردة إلى مناطق السلطة الفلسطينية، والهادف إلى خصم أموال بذات حجم المخصصات التي تدفعها السلطة إلى الأسرى في سجون الاحتلال وعائلاتهم، وإلى عائلات الشهداء، وهي خطوة كان واضحًا أن من شأنها أن تسدّد ضربة إلى ميزانية السلطة (جرى الحديث حول نهب نحو 340 مليون دولار سنويًا)، وكان أول المبادرين إلى هذا القانون حزب "يوجد مستقبل" من خلال عضو الكنيست إليعازر شتيرن. كما أيّد هذا الحزب سريان قانون التعليم العالي الإسرائيلي على معاهد قائمة في المستوطنات في أراضي 1967 وبضمنها الجامعة في مستوطنة "أريئيل".
إجمالًا، لا نقصد بهذا الكلام التقليل من المخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها سياسات حكومة نتنياهو السادسة، وإنما عدم التعويل على أن ثمة معارضة جوهرية لها فيما يختص بسياستها الخارجية عمومًا وإزاء قضية فلسطين على وجه الخصوص.
(استخدام الصورة بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات ل [email protected]).
أنطوان شلحت
كاتب صحافي ومحلل سياسي فلسطيني.